هل ستحقق وعود نتنياهو الانتخابية بانضمام السعودية إلى قافلة التطبيع العلني بعد الاتفاق الإيراني والسعودي!؟
[عبد العزيز المكي]
في حملته الانتخابية وبعد فوزه أكد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً ان السعودية ستنضم الى قافلة التطبيع الرسمية مع العدو الصهيوني، بل ذهب الى أبعد من ذلك، اذ وعد الصهاينة بأن هذا الهدف سيتحقق خلال أشهر قليلة من هذا العام، معززاً وعوده بأن التعاون العسكري والأمني بين الطرفين قطع شوطاً طويلاً، ثم تبادل الوفود السرية والعلنية يجري على قدم وساق، بالإضافة حتى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فتح الأجواء السعودية للطائرات المدنية الصهيونية، أي لشركة العال! وهكذا..
ولم يخف نتنياهو وبقية المسؤولين الصهاينة وبعض وسائل الاعلام العبرية الأهداف التي يتوقون اليها وراء استعجال المملكة السعودية للانضمام الى قافلة التطبيع الرسمي، ومنها بإيجاز شديد وما يلي:-
1- الشروع بانشاء حلف صهيوني- عربي أو ما أطلق عليه " الناتو العربي" على غرار الناتو الغربي بقيادة الكيان الصهيوني يوظف فيه الأخير كل إمكانات الدول العربية الخليجية في مواجهة إيران عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وعلى كل الأصعدة، وأشار نتنياهو الى هذا الأمر مراراً وتكراراً.
2- تحويل تلك الدول إلى قواعد عسكرية للكيان الصهيوني تكون بديلة للقواعد الأمريكية المنسحبة بالتدريج من المنطقة لتكون هذه القواعد مراكز قوة للسيطرة والهيمنة على تلك الدول والمنطقة و على أفريقيا، ولتكون عمقاً استراتيجياً لأن العدو سيستخدم الفضاءات الجوية والأرضية في تحركاته العسكرية والأمنية ضد أعدائه وأعداء الحماة المنسحبين، أقصد الأمريكان والانجليز وغيرهم من رعاة الصهاينة!
3- تحويل هذه الدول إلى مراكز إفساد للأمة، في هذه الدول وبقية الدول الإسلامية، والعمل على تخريب هوية وثقافة الأمة الإسلامية وصولاً إلى تدميرها وتدمير حضارتها، والنفوذ في نسيجها وبالتالي استعمارها و"استحمارها" ومنعها من النهوض أبداً !
4- استغلال ثروات وأموال الدول الخليجية عبر عناوين ولافتات غير مثيرة من مثل " الاستثمار" وتطوير التكنولوجيا" وما إلى ذلك، وللأسف فأن الأمارات وعدت باستثمار ثلاثة مليارات دولار في الكيان الغاصب! لكن الصهاينة يريدون الاستحواذ على كل ثروات الخليجيين والعرب عبر هذا التطبيع المزعوم!!
5- جعل مملكة آل سعود حافزاً لبقية الدول الإسلامية للإقدام على نفس الخطوة في الانضمام الى القطيع المطبع مع العدو، مثل اندونيسيا ذات الكثافة السكانية الهائلة وماليزيا المتقدمة صناعياً نوعاً ما وباكستان وغيرها، فبحسب ما ذكره نتنياهو ذات مرة تعتبر هذه الدول السعودية قدوتها فأن طبعت رسمياً مع العدو فأنها لن تتردد عن إعلان التطبيع مع العدو بحسب ما يصرح به المسؤولون الصهاينة!
وإلى ما قبل الإعلان عن الاتفاق السعودي- الإيراني، كان نتنياهو يعتبر تحقيق هذه الأهداف وغيرها أمرا مؤكدا وتحصيل حاصل ولم يضع في حسابه التطورات والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية ومنها ما يلي:-
1- التراجع الأمريكي المستمر على الصعيد العسكري وعلى صعيد النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والذي ترك وراءه قناعات كثيرة لدى من تدعي أمريكا حمايتهم عسكرياً في المنطقة سيما السعودية واخواتها الخليجيات، ومن تلك القناعات هي ان قيادة المملكة وبقية القيادات الموالية لاميركا باتت تعتقد ان أمريكا فقدت الحماس السابق للدفاع عنها وحمايتها من الأخطار الخارجية، ولقد عززت أمريكا مثل هذه التصورات عند تلك القيادات، بإعلانها على لسان الرئيس السابق دونالد ترامب عدم استعدادها للدفاع عن السعودية بعد ما ماتعرضت لهجوم بالمسيرات والصواريخ المجنحة، استهدفت منشآت شركة آرامكو وعطلت اكثر من نصف الانتاج النفطي اليومي، اي بمقدار 6 ملايين برميل، وذلك قبل عدة سنوات في منطقة خريص وبقيق.. يشار الى ان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك اوباما هو الآخر قد سبق ترامب في الاعلان عن عدم استعداد أمريكا في الدفاع عن السعودية ومحاربة ايران وقال ان الخطر الذي يتهدد هذه الدول ومنها السعودية هو الخطر الداخلي في اشارة الى المعارضة والى الحكم الاستبدادي، داعياً السعودية الى الحوار مع ايران وحل مشاكلها معها، أما بايدن فقد سحب أنظمة الباتريوت وثاد المضادة للطائرات والصواريخ من السعودية، وقبل أيام سحب الطائرات المتطورة منه مبقياً على الطائرات القديمة.
2- فشل الاميركان في تمكين الكيان الصهيوني ليكون البديل عنهم وليكون القوة التي يحتمي بها عملاء امريكا في المنطقة، صحيح أنها نجحت في تسويق أطروحة " الدين الإبراهيمي"! ليكون الغطاء الذي يخترق من خلاله العدو نسيج وكيان تلك الدول، واندفعت الإمارات والبحرين على أثره، إلا انه سجل تراجعاً كبيراً فيما بعد على اثر وعي الأمة، ثم تلكوء المملكة السعودية والكويت وغيرهما في الاندفاع نحو هذا المشروع...
3- ورغم ان المحاولات الأمريكية مستمرة في الإطار المشار إليه الّا ان القناعات تزداد يوماً بعد آخر بأن الكيان الصهيوني وان ادعى انه الأقوى إلا انه يتداعى ويضعف داخلياً، وخارجياً بات مهدداً بقوى محور المقاومة التي تتصاعد قوتها يوماً بعد آخر، واليوم يعترف الصهاينة أنفسهم ان زوال كيانهم بات اقرب من أي وقت مضى على خلفية الصراع الداخلي المحتدم حالياً، وعلى خلفية ضعف الجيش الصهيوني مقابل تصاعد قوى المقاومة عسكرياً ونفسياً ولوجستياً.
4- فشل أمريكا في حرب أوكرانيا التي إرادتها استنزافاً لروسيا ولإضعافها عسكرياً واقتصادياً، ومن ثم هزيمتها... بينما مرت اكثر من سنة على بدء الحرب فيما المأزق الاوربي يزداد سوءاً وأوكرانيا تتآكل عسكرياً وجغرافياً وروسيا تعزز قوتها وعلاقتها مع الصين.
5- وإلى ذلك، فأن ما يسمى بالتحالف الذي قاد العدوان على الشعب اليمني بقيادة السعودية هو الآخر فشل في إلحاق الهزيمة بأنصار الله رغم انه استخدم كل أنواع الأسلحة الفتاكة، ورغم تدميره للبنى التحتية لليمن وفرض الحصار الجوي والبري والبحري والعسكري والاقتصادي على الشعب اليمني، ورغم مرور أكثر من ثماني سنوات على هذا العدوان، على العكس من ذلك تصاعدت قوة أنصار الله أضعافاً مضاعفة، وباتت تشكل خطراً على العمق السعودي والعمق الإماراتي بل حتى العمق الصهيوني، ما عزز ذلك، وفي ظل التراجع الأمريكي في المنطقة، القناعة عند السعوديين بأن ليس إلحاق الهزيمة بأنصار الله أصبح من المستحيلات وحسب، بل وان استمرار العدوان أصبح مصدر خطر يهدد المملكة نفسها ويهدد كيانها..
و على خلفية كل تلكم التطورات والمتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم وجد النظام السعودي نفسه مجبراً للقيام بهذه الخطوة والتي جاءت اما في سياق التكتيك أو في إطار الاستراتيجية والتخطيط الصائب، فاذا كانت هذه الخطوة تكتيكياً، فذلك يؤشر بدون شك الى مأزق النظام وهو يحاول تجميد عدد من الجبهات التي فتحها هو بنفسه نتيجة طيش ورعونه محمد بن سلمان وانجرافه مع سياسات ترامب وصهره جاريد كوشنر، ليتفرغ للوضع الداخلي، فالتقارير الواردة من هناك تتحدث عن ابن سلمان رغم انه بات يسيطر على مفاصل السلطة الّا انه يعاني من مخاطر وتحديات جدية من أركان العائلة السعودية، وينقل المطلعون والمقربون من البلاط السعودي أحاديث حول تزايد معارضة بعض الأمراء وأجنحة تلك العائلة لتولي بن سلمان عرش المملكة...
أما اذا كانت الخطوة قد اتخذت في إطار الاستراتيجية والتخطيط الصائب، فذلك يؤشر الى أمرين هما: ان النظام السعودي بدأ يدرك حجم المخاطر الخارجية والداخلية التي باتت تتهدد مستقبل النظام، بل مستقبل بن سلمان نفسه، هذا أولاً، وثانياً: ان النظام السعودي بات على قناعة تامة وانه وصل الى هذه القناعة بأن لا أمريكا ولا الكيان الصهيوني على استعداد لتقديم الحماية له رغم كل الوعود الطنانة بحمايته اذ تبيّن له باليقين الثابت انها مجرد وعود زائفة وادعاءات كاذبة، وعلى هذا الأساس يرى بعض المحللين ان استدارة النظام السعودي لم تكن تكتيكا وانما جادة بدليل الهلع الذي أصاب المسؤولين الصهاينة بعد تلك الاستدارة، اذ أعلنوا ان كل ما كانوا يأملونه من إقامة حلف مع الدول العربية الخليجية والتطبيع مع السعودية وتجنيد المنطقة لصالح العدو... و.و.. كل ذلك قد تهدم وتبخر وكأن شيئاً لم يكن، فرئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت قال " ان استئناف العلاقات بين السعودية وإيران " انتصار سياسي لطهران" وضربة قاتلة لجهود بناء تحالف اقليمي ضد الجمهورية الإسلامية". أما رئيس المعارضة، رئيس الوزراء السابق يائير لابيد فقد قال " ان الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات هو فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية لحكومة " بلاده" _ الكيان_ وانهيار لجدار الدفاع الإقليمي ضد طهران"!
على أي حال، في كلا الحالين، فإنا نؤكد مرة أخرى على ان النظام السعودي بات يدرك مخاطر المأزق الذي تعيشه المملكة نتيجة السياسات الخاطئة لقادتها ومنها التقارب مع العدو الصهيوني، نأمل ان تستمر المعالجة بالابتعاد عن هذا الغاصب المحتل والاعتماد على الشعب الذي يتوق الى التخلص من العبودية للامريكي، فهذا هو الطريق الصائب لتدارك الأمور قبل أن تخرج عن السيطرة وتأكل الأخضر واليابس.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق