هل ستكون الهدنة المخرج للنظام السعودي من المستنقع اليمني؟
[عبد العزيز المكي]
هدنة الشهرين, التي توصل إليها الطرفان السعودي وأنصار الله اليمنيين في المباحثات الأخيرة التي جرت في العاصمة العمانية, مسقط, برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالقضية اليمنية, هانس غروندبرغ.. دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من الثاني من ابريل الجاري, طبقاً لما أعلنه غروندبرغ. ورغم ان هذه الهدنة أحيت ولو بصيص أمل عند أغلبية الشعب اليمني بتوفير فرصة التقاط الأنفاس, والسماح بصيام شهر رمضان ولأول مرة بعد سبع سنوات من العدوان الظالم, بدون معارك وقتل وحصار وحرمان تفرضه دول العدوان بقيادة السعودية وأمريكا على هذا الشعب المظلوم.. نقول رغم أن هذه الهدنة أحيت بصيص أمل, بنهاية الحرب وانتهاء المعاناة اليمنية.. إلا أن الكثير من الأوساط اليمنية يشكك بالتزام الطرف المعتدي, السعودي بها, في ضوء التجارب السابقة على مدى سني العدوان السبعة. حيث أعلنت سبع هدن, وكلها فشلت لعدم التزام دول التحالف السعودي بها؛ حيث يرى البعض أن هذه الهدنة قد تكون مناورة سعودية جديدة على شاكلة الهدن السابقة, للتغطية على جرائمها بحق هذا الشعب المظلوم..
ورغم وجاهة هذا التشكيك بجدية النظام السعودي من قبل أبناء الشعب اليمني, ومن بينهم أنصار الله أنفسهم, إلا أن هذه الهدنة على ما يبدو تختلف عن سابقاتها من ناحية الظروف العسكرية الميدانية, ومن ناحية الظروف الدولية والإقليمية أيضاً التي تعيشها الأزمة اليمنية.. تلك الظروف التي يمكن أن نلخصها بما يلي:
1ـ إن النظام السعودي كان في غاية التطلع إلى وقف تلك الحرب, بعدما يأس من تحقيق أي انتصار عسكري, وبعدما أيقن أن هذه الحرب باتت تهدد مستقبل وجود النظام نفسه, فالحرب وباعتراف الخبراء السعوديين أنفسهم استنزفت النظام اقتصادياً وعسكرياً ومعنوياً وحتى إسلامياً, ولذلك وجدناه يتحين الفرص لوقف الحرب والانسحاب منها مع حفظ ماء الوجه, بل وجدنا هذا النظام بعد ضربات الإعصار اليمنية الثلاثة في العمق السعودي والتي استهدفت منشآت آرامكو في جدة وفي الرياض وفي مدن أخرى, ثم هزيمة مرتزقته وجيشه في منطقة حرض الحدودية.. وجدناه يتوسل بالمجتمع الدولي وبأمريكا بالذات لتخليصه من هذه الورطة, بالتصدي لأنصار الله والجيش اليمني, بل إن وزير الخارجية السعودي نفسه أعلن صراحة أن السعودية فشلت في تحقيق أهداف هذا العدوان, بالإضافة إلى اعترافات الخبراء العسكريين الأجانب وحتى السعوديين بفشل السعودية في هذه الحرب, وآخر هذه الاعترافات وليس أخيرها, ما أعلنه السفير السعودي في بريطانيا, خالد بن بندر, قائلاً: >في وقت مبكر من بداية الحرب كان هناك بعض الحوادث الكبيرة جداً والأخطاء التي ارتكبت وبعض التخطيط السيئ في سلوك العمليات العسكرية< وأضاف خالد بن بندر: >ليس من طبيعتنا الانخراط في هكذا أماكن, وهذا بسبب عدم امتلاكنا المهارات اللازمة لتنفيذ العمليات العسكرية<.
2ـ أبدى النظام السعودي استعداده الكامل للتخلي عن شروطه التقليدية للحوار والتي ظل ملتزم بها طيلة السبع سنوات الماضية, وهي مخرجات الحوار, والقرار2216, والمبادرة الخليجية, والتي رفضها أنصار الله جملة وتفصيلاً, وكانت السبب الأساسي في فشل جولات الحوار السابقة بين السعودية وأنصار الله.. بل أكثر من تنازله عن هذه الشروط أو ما يسميه هو مرجعيات الحوار, تنازل عن الرئيس المخلوع هادي عبد ربه منصور وحزب الإصلاح, إذ لم يدعوهما إلى ما يسميه النظام "مؤتمر الحوار اليمني" الذي دعا إليه عبر واجهة مجلس التعاون الخليجي والذي بدأ أعماله في 29/3/2022 أي في الوقت الذي يتفاوض مع أنصار الله في مسقط.. ولذلك اعتبر البعض من المسؤولين في ما يسمى بالشرعية,, إن هذا المؤتمر ما هو إلا ملهاة, أو أنه مؤتمر تافه, تحاول السعودية من خلاله تلمس طريقاً للخروج من المستنقع اليمني, ولذلك اعلنت استجابتها لمسرحية دعوة أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف العجرف دول التحالف لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان المبارك..
ليس هذا وحسب, بل إن النظام السعودي استجاب لشروط أنصار الله في مباحثات مسقط الأخيرة برفع الحصار البحري على ميناء الحديدة, والجوي على مطار صنعاء ولو بنسبة معينة, حيث أوضح أنصار الله أنهم وافقوا من أجل تخفيف المعاناة المتفاقمة على كاهل الشعب اليمني.. بينما كان السعوديون يرفضون هذه الشروط بشكل قاطع, ما يعني أن ثمة تحول كبير في الموقف السعودي في هذا الاتجاه.. وأكثر من ذلك وكدليل على جدية النظام السعودي بحسب رأي بعض الخبراء, أن النظام رضخ لشرط أنصار الله في أن يكون هو الطرف المفاوض لانصار الله, لأنه ظل طيلة الفترة الماضية إما يتفاوض سراً مع أنصار الله, أو يقدم مرتزقته, لأنه لا يريد تحمل مسؤولية تبعات الدمار والخراب والقتل والكوارث وما إلى ذلك من المصائب التي سببها عدوانه على الشعب اليمني, ما يعني ذلك اعترافاً سعودياً بالمسؤولية عن تلك الكوارث بعدما أعلنت الأمم المتحدة رسمياً أن المفاوضات جرت بين السعودية وأنصار الله, وللإشارة أن الأنصار ظلوا يصرون على رفض المفاوضات مع مرتزقة السعودية, انما مع السعودية نفسها لهذا الغرض..
لهذا ولا استبعد أن يكون السعوديون أوعزوا إلى المسؤولة في الأمم المتحدة, الدكتورة فاطمة أحمد رضا وهي مساعدة القانون الاجتماعي ورئيس الشعبة القانونية لمحكمة الجرائم السياسية التابعة لمحكمة العدل الدولية >لاهاي<.. إلى كتابة مقال تذكر فيه احتمالات نفي هادي لمصر أو لإحدى الدول الأوربية, وذلك لإرضاء أنصار الله, ومما جاء في مقالها بهذا الصدد >إن السعودية تفكر بترك حلفائها في اليمن كالعادة ليواجهوا مصيرهم كما تركت السوريين قبلهم بعد أن دعمتهم لسنوات وغذت الحرب بسوريا وأصبحوا مهجرين بكل العالم, وبالنهاية تركتهم<. وذكرت أن السعودية تريد وقف الحرب المباشرة عسكرياً مع أنصار الله, والانسحاب من اليمن مع البقاء على مخابراتها ومرتزقتها اليمنيين, أي الحرب غير المباشرة, وطرد هادي وشلته من السعودية, بعدما أصبحوا أدوات غير مرغوب فيها!
3ـ وإلى جانب رغبة السعودية في الخروج من هذا المستنقع, فأن الولايات المتحدة باتت اليوم خاصة بحاجة ماسة إلى وقف الحرب في اليمن نظراً لتداعيات الأزمة الأوكرانية, فالإدارة الأمريكية في أحوج ما يكون للنفط والغاز السعودي والإماراتي وحتى اليمني, للتعويض به عن الغاز والنفط الروسيين اللذين يتدفقان حالياً نحو أوربا, فأمريكا تريد قطع الضخ الروسي إلى أوربا من النفط والغاز في إطار مساعيها لإضعاف روسيا وضرب اقتصادها, فيما ضربات الحوثيين لمنشآت شركة أرامكو في السعودية, يمكن أن تربك الخطط والمساعي الأمريكية الرامية إلى توفير البدائل عن النفط والغاز الروسيين على أوروبا على الأقل في مدة الشهرين القادمين, ولذلك فإن أمريكا دخلت على خط المفاوضات في مسقط بقوة عبر واجهة الأمم المتحدة, فهذه الأخيرة لم تكن ذات تأثير يذكر طيلة تحركاتها خلال السبع سنوات الماضية, فهي بالإضافة إلى أنها منحازة لجانب العدوان السعودي, فإن أطراف العدوان لا يعترفون بدورها ومشاريعها إلا إذا كانت تتواءم ومصالحهم.. بينما في هذه الجولة أصبحت فعالة لأن الولايات المتحدة تقف خلفها وهي التي دفعت النظام السعودي للموافقة على شروط أنصار الله, لأنها باتت كما أشرنا بحاجة إلى تلك الهدنة لحماية ولضمان تدفق النفط والغاز السعودي والإماراتي على الأقل في تلك الفترة, بالإضافة إلى ذلك, إن الولايات نشطت منذ عدة أسابيع على صعيد الاستثمار في اليمن في شبوة وحضرموت والمهرة لإنتاج واستخراج النفط والغاز ومشتقاتهما, وكانت قد عقدت اتفاقيات نفطية مع محافظتي شبوة والمهرة, ولذلك فإن تلك الهدنة مهمة لتحركات شركاتها وفرقها الاستكشافية في تلك المناطق والتي قال عنها اليمنيون أن واشنطن بدأت بإطلاقها في الاراضي اليمنية, وما يعزز قوة الدفع الأمريكي لتلك الهدنة, هو مباركة الإدارة الأمريكية والتأييد لها في بيان صدر من البيت الأبيض بعيد الإعلان عنها وتقديم بايدن الشكر للرياض ومسقط, بل واعتبر الهدنة, في إشارة لافتة, منطلقاً لحل دائم في اليمن!
على أي حال, فحتى لو كانت الهدنة مجرد مناورة لقوات العدوان لالتقاط الأنفاس فإنها تعتبر مكسباً مهماً حققته حكومة أنصار الله وقيادتهم, فبالإضافة إلى تحقيق فرصة التخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب اليمني بإدخال الوقود إلى اليمن وتنشيط مطار صنعاء وميناء الحديدة وتبادل الأسرى... بالإضافة إلى ذلك وغيره أن صنعاء حققت المكاسب التالية:
1ـ الانتصار العسكري لأنصار حزب الله, مقابل إقرار العدوان بالهزيمة العسكرية وهذا ما أكده أكثر من خبير عسكري غربي وعربي.
2ـ اتساع دائرة الاعتراف الإقليمي والدولي بأنصار الله, كطرف سياسي عسكري أساسي في اليمن, بعدما كانت السعودية وأعوانها يعتبرونهم "حركة إرهابية انقلابية لا بد من شطبها من الخريطة السياسية والعسكرية اليمنية". فصمود الأنصار والتفاف الشعب حولهم في مواجهة العدوان, أرغم الاخير على الاعتراف بواقع الأنصار وبعمقهم الجماهيري والعسكري في اليمن, والذي الحق الهزيمة بقوى العدوان.
3ـ ستوفر الهدنة الفرصة لأنصار الله لإجراء معالجات لمواقع الخلل في صفوفهم, سواء كانت اختراقات أمنية, أو إخفاقات عسكرية واقتصادية وما إليها, وبالتالي تقوية الصفوف ورصها في مواجهة العدوان.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق