هل ستمنع "الهاسبارا" تبديد أحلام المنشار والإطاحة به
[حسن العمري]
أشار الكاتب البريطاني المعروف “باترك كوبرن” وفي مقال له بصحيفة “آي” البريطانية، "إن حاجة محمد بن سلمان للوصول الى العرش أصبحت أكثر إلحاحا، لكنه أساء التقدير مرة اخرى، بسبب معاركه على العرش (حملات الاعتقالات الواسعة التي طالت مئات الأمراء ورجال الأعمال والمعارضة)، الى جانب اضطراب الوضع الداخلي بسبب انتشار كبير لفيروس كورونا في المملكة الذي طال حتى القصور الملكية قد تغير المشهد السياسي، وتهدد سلطته التي تواجه أزمات أسرية وداخلية وإقليمية ودولية بصورة لا يمكن للإعلام التضليل عليها رغم إنشغاله بأخبار وأخطار "كوفيد -19" الخطير، حيث الأشهر القادمة تحمل مفاجأة كبيرة لأبن سلمان بخصوص الانتخابات الأمريكية ربما يفقد بسببها الداعم الرئيسي لاعتلائه العرش".
"الهاسبارا" مصطلح صهيوني يوازي "التواصل الإستراتيجي" هدفه جلب الدعم اللازم لكيان أو شخص أو سياسة عنصرية هدامة إجرامية عبر تبييض صورتها على المستوى الداخلي والخارجي مستخدمة بذلك "البروباغاندا" الدعائية لتبرير أفعال الهدف الإجرامية منها والطائشة وغير الحكيمة، بخلق حالة تعاطف جماعي في المجتمع المستهدف والحليف الأجنبي للحد من كشف المستور وفضح الشخص أو الكيان المعني ولما يقترفه في السر والعلن، بالتطميع والترهيب والرشا واتفاقيات لا تجني للبلد سوى الدمار والعار وتحوله الى مخزن كبير لأسلحة الخردة التي يفرضها الداعم الأجنبي.
رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” الكاتب البريطاني الشهير "ديفيد هيرست" كتب مؤخراً يقول: "إن ولي العهد السعودي أقدم على أكبر مغامراته بحملة الاعتقالات التي طالت أمراء بارزين في المملكة واستمراره احتجازهم، فهذا دليل على غباء مستشاريه المحيطين به الذين لم يدركوا فظاعة الخطأ الذي ارتكبه حينما أمر باعتقال هؤلاء الذي قد يكلفه العرش الذي يأمل الوصول اليه في أقرب وقت ممكن". مضيفاً أن الاستقرار كان ملازما للسلطة في المملكة، لكن الحال لم يعد كذلك، فقد ولت تلك المرحلة، ولك أن ترى الاهتزاز العنيف الذي يتعرض له المركب الملكي السعودي بدليل قائمة الأحداث التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية.. بعد أن كانت البلاد تحكم من قبل مجلس من الأمراء هم أبناء المؤسس الملك عبد العزيز. وكان هؤلاء يوزعون خيرات البلاد فيما بينهم، مع الحرص على أن تكون جميع فروع العائلة الحاكمة ممثلة".
" شخص محمد بن سلمان كان يستحوذ على اهتمام حكومات وإعلام الغرب؛ فالرجل خالفَ المألوف في تسلسل السلطة في السعوديّة، لناحية إهمال تقليد الوراثة حسب السن، أو لناحية المجاهرة بالموقف التاريخي (العلني) لآل سعود إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي، بفضل انحيازه العلني لإسرائيل - هو مكمن الإغراء في شخصيّته بالنسبة إلى حكومات وصحافة الغرب.. وقد كانت الكتابات عنه قبل اغتيال وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي تبجيليّة تبخيريّة بالخالص؛ كلّ الكتّاب والخبراء الصهاينة تلقّوا دعوات للقائه، مثل: دنيس روس وتوماس فريدمان وغيرهما (مقابل 10 آلاف دولار بحسب تقرير لـ « ديلي بيست ») - بكتابات تدعو دول الغرب الى مؤازرته لبلوغه العرش- من كتاب صدر حديثاً لبِنْ هَبِردْ مسؤول مكتب صحيفة نيويورك تايمز في بيروت، عن محمد بن سلمان تحت عنوان « إم.بي.إس: صعود محمد بن سلمان الى السلطة».
بفضل شركات الدعاية الأمريكية والبريطانية يسعى منشار آل سعود استخدام "الهاسبارا" للتضليل على غبائه وتهوره وطيشه وجرائمه، ونجاحه في محاربة وقمع كل الجهود الرامية الى نزع الشرعية المزيفة التي منحها والده إياه لاعتلائه العرش وقيادة السلطة في بلاد الحرمين الشريفين، وهو ما يروق للحكومات الغربية وفي مقدمتهم البوفالو الأمريكي باستحلابهم البقرة الحلوب حتى جفاف ضرعها كما وصف ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراراً وتكراراً دون خجل أو استحياء خلال كلماته قُبيل وبعد دخوله البيت الأبيض في مؤتمراته الصحفية وخطاباته أمام أنصاره، وذلك على المستوى الخارجي الى جانب جلب دعم أمراء الأسرة الحاكمة ضعيفي النفوس على المستوى الداخلي بالتطميع والترهيب.
"كوبرن" أشار في مقاله الى “مقامرة محمد بن سلمان بالقطيعة مع روسيا وإغراق السوق بالنفط السعودي الخام، في وقت يشهد فيه الطلب العالمي تراجعاً شديداً بسبب التأثير الاقتصادي لتفشي وباء كورونا"، حيث لم تعد الأخيرة في حسابات غباء وطيش وجبروت منشار آل سعود التي تفوح رائحتها على مختلف المستويات الداخلية والخارجية منها الحرب على اليمن وقمع المعارضة الداخلية ودوره في الإرهاب التكفيري الذي يعصف بالمنطقة، وسجله الأسود في مجال حقوق الانسان وتقطيع معارضيه وقتلهم في الداخل والخارج، موضحاً أن آخر شخص تصرف بهذه الغطرسة والتطرف في الشرق الأوسط كان الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" الذي قاد حرب مع ايران، وغزو للكويت.
تقارير إستخباراتية غربية وأمريكية تؤكد أن نجل سلمان لا يزال يحتجز العشرات من الأمراء واصحاب المراتب والمناصب العسكرية ورجال الأعمال الغالبية منهم في أماكن غير معلومة، مشيرة الى استمراره احتجاز 11 من كبار أمراء آل سعود وهم :- أحمد بن عبد العزيز وولده نايف، وولي العهد المخلوع محمد بن نايف وأخوه نواف، وولدي الملك عبد الله متعب وفيصل وتركي، وكذلك محمد بن سعد وولدي طلال الوليد وسلمان وغيرهما، وهم جميعاً معتقلون في "مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات" الموجود شرق فندق الريتز كارلتون مباشرة والملاصق له، بتهمة "الخيانة العظمى"، بدون تفاصيل وقد طلب الأمير أحمد التوضيح عن ماهيّة وتفاصيل هذه الخيانة المزعومة ولم يتم الرد عليه؛ تشير التقارير الواردة الى أن حالة البعض منهم خاصة محمد بن نايف وخيمة.قبل أيام نشر الناشط المعارض "عبدالرحمن السهيمي" مقطع فيديو عبر موقع "يوتيوب"، في 27 مايو/أيار الماضي، أعلن خلاله تشكيل مجلس تنسيقي للمعارضة السعودية يضم 3 أمراء من العائلة الحاكمة و15 ممثلا فاعلا لقبائل المملكة، هو الأول من نوعه يقول أن المجلس هذا لا يهدف الى إسقاط الملكية السعودية أو إقصاء العائلة الحاكمة، وإنما للضغط باتجاه إقصاء "محمد بن سلمان" من موقعه، والانتقال الى صيغة "ملكية دستورية" تضم برلمانا منتخبا من الشعب؛ ضم الإعلام رسالة تقول: "نطالب الملك سلمان بإزاحة ولده من كل المناصب، بما فيها ولاية العهد (..) إذا كان الملك سلمان يريد توريث الحكم لابنه فنحن لسنا عبيدا عنده، فهذه دولة وليست لعبة".
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نشرت تقريراً ذكرت فيه "أن مملكة آل سعود أوصلت لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون شروط"، وأنها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمّة العربية عام 2002، التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها؛ كشف بعض المراقبين أنها جاءت بناء على توصيات من قبل جاريد كوشنر صهر وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب وحشد المستشارين المحيطين بنجل سلمان لإنقاذ سلطة الأخير الهاوية ودعمه لبلوغ العرش.
يرى مراقبون للشأن السعودي أن الاستقرار لم يفارق سلطة الأسرة الحاكمة طوال وجودها "تقريباً". منوهين بأنها سلطة مطلقة تتعامل مع كل من يعارضها بقسوة شديدة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء داخل البلاد والخطف خارجها. في تلك الأثناء استخدم النظام "الوهابية" أداة لفرض السيطرة والتحكم دينياً واجتماعياً، بينما عمل الملوك على شراء الولاء من خلال ما يوزعونه على الأمراء والمحيطين بهم وداعميهم الأجانب من عطايا أموال النفط المنهوبة من سفرة المواطن السعودي، تلك هي الآلية التي عملت من خلالها الأسرة الحاكمة لعقود دون الكثير من المشاكل داخلياً.
ارسال التعليق