هل سيتخلى بايدن عن "بن سلمان" أم إبتزاز من نوع آخر؟!
[جمال حسن]
* جمال حسن
الأيام القليلة الماضية كانت حبلى بقرارات أمريكية جديدة العهد على النظام السعودي وأخواته الخليجيات في تاريخ العلاقة الوثيقة بين الجانبين، كانت سحب منظومات باتريوت الدفاعية من أراضي المملكة أهم وأخطر تلك الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن حتى الآن.
سماح الرئيس الأمريكي بايدن لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بنشر وثائق مهمة ودامغة تشير الى تورط مسؤول قنصلي سعودي وعميل استخبارات سعودي بتقديم الدعم لعدد من السعوديين الذين اختطفوا الطائرات في 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001، ضربة موجعة قاضية تصفع وجه النظام السعودي، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.
هذا الأمر جاء قبل أن تفيق السلطات السعودية ومن لف لفها في الأنظمة الخليجية من وقع صفعة الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد عقدين من الزمن وإنفاق أكثر من تريليوني دولار دون جدوى، لتجر القوات الأمريكية أذيال الخيبة بهذا الخروج المخزي لأعتى قوة عسكرية عالمية (لاننس أنه تم باتفاق مع طالبان برعاية قطرية وليس سعودية).
الإنسحاب هذا حمل رسالة واضحة لجميع الأنظمة الخليجية وفي مقدمتها النظام السعودي القمعي من أن الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحليف الاستراتيجي الذي يبتز الأنظمة الرجعية القمعية ليل نهار لم يعد مستعداً أن يحارب مجدداً نيابة عن دول مجلس التعاون ولا عن مصالحها ولا عن نفطها، وهو ما اعترف به أستاذ العلوم السياسيّة الإماراتي والمُقرّب من سلطات أبو ظبي عبد الخالق عبد الله.
وكأن الأمر موجهاً الى النظام السعودي قبل غيره بأنه عليه ان يتكيف مع الوضع الخليجي الجديد بعيداً عن الدعم والإسناد الأمريكي لنظام مارق مجرم أغرق المنطقة الخليجية والشرق الأوسط بدماء إجرامه ولم يرضخ للدعوات الأممية وطلبات الحلفاء بالكف عن دعم الجماعات الارهابية المسلحة وانهاء العدوان على اليمن الشقيق.
ثم بعد ذلك جاء قرار سحب أنظمة الباتريوت الامريكية التي كلفت النظام السعودي مئات مليارات الدولارات دون جدوى حيث أثبتت فشلها الذريع في التصدي لحملات الدرون اليمني وصواريخه من أقصى بلاد الجزيرة الى ادناها، حيث لا يمكن أن ننسى خيانة النظام الإماراتي في وضع بنك الأهداف السعودي تحت تصرف الحوثي حرصاً على سلامة بلادهم واقتصادهم.
في خضم كل ذلك وجهت الادارة الأمريكية الحليفة رسالة من ثلاثة بنود للرياض لتنفيذها والعودة بذلك الى الحظيرة دون تعلل أو تملل، تقدمها وجود استضافة المملكة أكثر من عشرة آلاف أفغاني ممن كانوا يتعاونون مع المحتل الأمريكي في أفغانستان على أراضيها حتى حين.
فقد كشفت تقارير الاستخبارات الأمريكية والأقليمية، قبول الرياض بذلك شرط عدم ذكر اسمها، وسرعان ما أقدمت على تجهيز مباني خاصة من بينها أبراج منى لاستضافتهم، تمهيداً لتجنيسهم وانتهاء واشنطن من هذه المعضلة الكبيرة التي تشكل عبء كبيراً عليها وعلى سمعتها.
ثم طلبت إدارة بايدن من ولي العهد محمد بن سلمان رفع انتاج النفط السعودي عبر أوبك أو غيرها، الى جانب وقف الرياض صفقات التسلح الروسي بأي ثمن والذي أقدم عليه نجل سلمان كورقة تهديد للحليف الأمريكي لكن جهوده باءت بالفشل كالمعتاد.
وقبل أيام وقع نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد) ونظيره الروسي العقيد ألكسندر فومين، خلال المنتدى العسكري التقني الدولي "جيش 2021" في 24 أغسطس / آب، اتفاقية تهدف إلى تطوير التعاون العسكري المشترك بين البلدين، بعد محادثات طويلة مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بخصوص سبل تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين موسكو والرياض، وهو ما أغاض واشنطن كثيراً.
تزامناً مع ذلك نشر موقع Middle East Monitor الأمريكي تصاعد الاتهامات الأمريكية الموجهة لنظام آل سعود بتعمد إغراق اليمن بالفوضى، وعدم استجابتها للدعوات الأممية والدولية الصديقة بوقف الحرب على اليمن وإنهاء الأزمة الانسانية العصيبة التي يواجهها عشرات الملايين من اليمنيين هناك جراء العدوان والحصار الظالم منذ سبع سنوات.
في هذا الاطار قالت منظمة العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير” (Care International) إن نظام الرياض مسئول عن قتل عشرات آلاف المرضى الأبرياء في اليمن بفعل ما تفرضه من قيود على البلاد، خاصة على مطار صنعاء المغلق منذ خمس سنوات، حيث يُحبس ملايين اليمنيين في منطقة حرب وتمنع حركة البضائع الإنسانية والتجارية.
كل هذه الأمور تشير الى تعكير الأجواء بين واشنطن والرياض ولم يعد ما هو مؤمل لأبو منشار اعتلائه العرش بسهولة ودون إراقة الدماء داخل الأسرة الحاكمة وهو خطر كبير عسى ولعل ينتهي به الأمر الى فقدانه رأسه هو خاصة وإن الإجراءات التي تمت مؤخراً تدل على وجود حراك عائلي مهم ضد "المدلل".
قرار بايدن برفع السرية عن وثائق هجمات 11 سبتمبر 2001، أربك الأجواء داخل النظام السعودي الذي سارع وعبر سفارته في واشنطن بالترحيب بهذا الأمر نافياً تورط السلطات السعودية في هذا العمل الارهابي، فيما الوثائق المعروضة على المحاكم الفدرالية تؤكد تورط الرياض مباشرة بالأمر وعلى ضوء ذلك سيتم تنفيذ قانون "جاستا" ضد الثروة السعودية لدى الخزانة الأمريكية قريباً.
كما أن قرار سلمان بن عبد العزيز بإنهاء خدمة الفريق الأول خالد بن قرار بن غانم الحربي، مدير الأمن العام، وإحالته إلى التقاعد مع إحالته للتحقيق!!، بناء على ما رفعته الجهة المعنية عن ارتكابه تجاوزات ومخالفات عديدة بمشاركة ثمانية عشر شخصاً من منسوبي القطاع العام والخاص؛ تشير الى وجود مكامن خطر امام نجله الأرعن بعد.
مقربون من القصور الملكية في الرياض أعربوا عن خشية النظالم من الأسوأ بعد خطوة الرئيس الأمريكي جو بايدن، برفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي في (هجمات) 11 سبتمبر/ أيلول” 2001، والتي تشير الى تورط مسؤولين في نظام السعودي.
لا يخفى على المتتبع للسياسة الأمريكية - الخليجية من أن الثعلب الماكر بايدن قد إكتسب خبرة "العصا والجزرة" منذ أن كان نائب للرئيس أوباما، حيث يلاحظ أن تصرفاته على الصعيد السياسي والعسكري هي المصالح الأمريكية الإستراتيجية، ومن هذا المنطلق نراه بدأ بتوجيه الصفعة تلو الاخرى للنظام السعودي لإبتزاز أكبر مما ابتزه سلفه ترامب.
الرئيس الأمريكي بايدن يحاول بشتى الوسائل فرض المزيد من الضغوطات على سلمان ونجله الطائش تارة بالضغط عليه بتفكيك "مجموعة القتل" أو "فريق الموت" الذي إنتهى دوره بعد تنفيذ مهمة قتل خاشقجي، وتارة اخرى بقضية إنهاء العدوان على اليمن، وكذا رفع سقف انتاج البترول ثم إستضافة المجندين الأفغان؛ حيث لا يعلم ما سيطلبه بايدن من "بن سلمان" مستقبلاً بذريعة ضمان العرش لآل سعود.
المراقبون يؤكدون أن ترامب تصرف كزعيم مافيا بفرضه الخوات علناً على آل سعود وأشقائهم في المنظومة الخليجية، فيما بايدن يبتز لكن بدهاء لا مثيل له ولا يكشف كل أوراقه التي ستساعده في المستقبل؛ فسماحه بنشر مقاطع مدروسة بعناية فائقة حول تقرير مقتل خاشقجي، ثم رفع السرية عن تقرير اللجنة الفدرالية الأمريكية بخصوص احداث 11 ايلول؛ كلها ستكون ورقة مساومة مسلطة على رقبة ابن سلمان ليستعملها ضده في المستقبل.
ارسال التعليق