هل معركة "الحُديدة" قضيّة يمنية؟
[ادارة الموقع]
يعتقد المراقبون أن إصرار التحالف "السعودي - الإماراتي" على السيطرة على ميناء الحُديدة لا يرتبط بمصلحة اليمن كما زعم التحالف في عدّة بيانات له، مؤكدين في الوقت نفسه بأن المعركة حول هذا الميناء لم تعد قضية يمنية، بل هي محاولة من التحالف لتحسين وضعه الميداني والتفاوضي، خاصة وأن مبعوث الأمم المتحدة "مارتن غريفيث" يقوم حالياً بتسويق خطّة تسوية لإنهاء النزاع بشأن اليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن المبعوث الأممي كان قد أكد في وقت سابق بأن معركة الحُديدة ستعرقل المفاوضات حتى قبل أن تبدأ.
وجاء تصريح "غريفيث" في وقت أشارت فيه تقارير خبرية إلى أن الإمارات وسَّعت من علاقاتها التجارية والعسكرية إلى مناطق جديدة وهي أرض الصومال وجيبوتي وإرتيريا، وهذا التحرك هو جزء من خطة أكبر للسيطرة على "مضيق باب المندب" الممر الاستراتيجي للملاحة الدولية جنوب البحر الأحمر.
من جانبها حذّرت منظمات إغاثية وإنسانية من أن معركة الحُديدة قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع المأساوية في اليمن بعد أن برزت هذه المحافظة كنقطة محورية في مناورة التحالف "السعودي - الإماراتي"، حيث تعتبر المدينة مركزاً مهماً غرب العاصمة صنعاء.
السر الخفي وراء معركة الحُديدة
أثارت معركة الحُديدة مخاوف المجتمع الدولي خصوصاً بعد أن أعطت الإدارة الأمريكية برئاسة "دونالد ترامب" الضوء الأخضر للإمارات والسعودية لبدء الهجوم على المدينة وفق ما أكدته العديد من وسائل الإعلام الغربية ومن بينها مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية.
وبغضّ النظر عن التطورات الميدانية في الحُديدة، لازال الوضع السياسي غامضاً خصوصاً بعد أن تحدثت أنباء عن احتمال إزاحة رئيس الحكومة الهارب "عبد ربه منصور هادي" الذي يخضع للإقامة الجبرية في الرياض، واستبداله بأحمد ابن الرئيس الأسبق "علي عبد الله صالح" الذي قُتل في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
ويجدر التنويه إلى أن أحمد صالح الذي كان قائداً للحرس الجمهوري في اليمن قد تطورت علاقاته مع الإمارات بشكل لافت منذ مقتل والده، خاصة مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".
وحتى يتم القبول بأحمد كبديل لهادي، فإنه بحاجة لرفع العقوبات الأمريكية التي فرضت عليه بسبب تحالفه في وقت سابق مع حركة أنصار الله التي تتصدر المشهد السياسي في اليمن، وهو ما يرجح حصوله في وقت قريب لتحقيق مآرب واشنطن التي لاتطلق العنان لأحد حلفائها أو مرتزقتها للتصرف دون حسابات، ولاتطيّر طيراً في ضباب كما يقال.
وينبغي القول بإن التطورات الأخيرة في اليمن جعلت من هذا البلد نقطة محورية في المخطط الإقليمي الذي تستفيد منه السعودية والإمارات، خاصة أبوظبي التي أرسلت في شهر مايو/أيار الماضي قوات عسكرية لإحتلال جزيرة "سقطرى" اليمنية عند مدخل خليج عدن.
معركة الحُديدة ورقة للابتزاز السياسي والمادي
تدرك كافة دول العالم والمنظمات الحقوقية أن الحرب في اليمن ليست متكافئة، وليس غريباً على الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وحلفائها في المنطقة وفي طليعتهم السعودية المتاجرة بحقوق الإنسان، وممارسة الابتزاز من خلال التوظيف السياسي لهذا الملف، لكن الغريب هو مطالبة المسؤولين في هذه الدول بالسيطرة على ميناء الحُديدة لـما أسموه "دواعٍ إنسانية"، وكأنه لا يوجد طريق آخر لإدخال المساعدات إلى اليمن سوى عن طريق هذا الميناء.
وتسعى واشنطن ومعها الكثير من المنظمات المتاجرة بحقوق الإنسان للحصول على المزيد من الأموال من السعودية "البقرة الحلوب" مقابل السكوت عن جرائم آل سعود وانتهاكاتهم البشعة لحقوق الإنسان داخل البلاد وفي دول أخرى لاسيّما في اليمن.
وبالأمس القريب تحدثت مصادر عن محاولات لتمرير قرارات أممية من خلال القيام بمبادرات ممزوجة بالإغراءات السعودية والإماراتية، تصب جميعها في اتجاه واحد هو الضغط على جماعة أنصار الله ودفعها لتسليم الحُديدة، كمدينة وميناء ومنفذ بحري، إلّا أن تلك المحاولات جوبهت بموقف حازم من قبل حكومة صنعاء التي رفضت المساومة على سيادة اليمنيين على أرضهم أو التنازل عن أي جزء منها.
واليوم وبعد أن استنفدت قوى العدوان كل الخيارات التي راهنت عليها طوال أكثر من ثلاث سنوات، وفي ظل العجز العسكري واستمرار الحرب دون أفق سياسي وجد التحالف "السعودي - الأمريكي - الإماراتي" نفسه أمام تحدٍ يفرض عليه السعي لإيهام المجتمع الدولي بأن ثمّة أوراق لم تستخدم بعد لحسم المعركة لصالحه، وهو أمر يشكك بصحته وواقعيته معظم المراقبين لأن الوقائع على الأرض تثبت غير ذلك وهو ما ظهر جليّاً في التخبط السياسي والإعلامي والعسكري لقوى التحالف، ومن هنا ندرك أن السعودية والإمارات ومن ورائهما لا يبحثون عن ماء الوجه للخروج من المستنقع الذي تورطوا فيه ووضع نهاية لخسائرهم العسكرية والاقتصادية بقدر ما يبحثون عن سبل لتحقيق أهدافهم الرامية إلى تمزيق اليمن والوصاية عليه سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وذلك من خلال السعي لشكيل حكومة وفق مواصفاتهم ولايعنيهم إن تعارض ذلك مع إرادة الشعب اليمني أو أدى إلى إدخال البلاد في صراعات وحروب أهلية لا تنتهي.
أخيراً يمكن القول من خلال التأمل فيما يجري هذه الأيام باليمن بأن الهجوم على الحُديدة والذي تم التخطيط له في غرف المخابرات الأمريكية والإسرائيلية يهدف فيما يهدف إلى حرف الأذهان عن الفشل الذريع الذي تكبده التحالف رغم الإمكانات العسكرية الهائلة والخسائر البشرية والاقتصادية الكبيرة التي مُني بها جراء العدوان على بلد فقير يسعى شعبه للاستقلال والتنعم بحياة حرّة كريمة بعيداً عن أي تسلط أجنبي.
ارسال التعليق