هل نحن أمام استنساخ للحقبة الدموية الصدامية في العراق...في مملكة آل سعود!؟
[عبد العزيز المكي]
هذا السؤال بدأ يطرح نفسه بقوة على كل متابع للوضع الأمني في المملكة السعودية بعد تدهور أوضاع الحريات وتكميم الأفواه، وبعد تواتر تقارير المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان عن تصاعد عمليات القمع والملاحقة والاعتقال والتعذيب والإعدام بشكل مقلق ومرعب أيضاً، وكان آخر هذه التقارير وليس أخيرها، هو تقرير المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان، الذي نشر ترجمته العربية موقع " عربي 21" في عام 22/7/2023، وقد تضمن هذا التقرير معلومات مفزعة عما يجري داخل المملكة السعودية من عسف وظلم وتنكيل وعمليات إعدام طالت حتى القصر لا لذنب يستحق هذا العقاب القاسي، سوى الاعتراض أو التعبير على تويتر بعدم الرضا عن سياسات بن سلمان وما شابه ذلك...فالتقرير يعطي إحصاءات مهولة عن الإعدامات وخطها التصاعدي منذ مجيء بن سلمان في عام 2015 وحتى اليوم، بعد تولي أبيه الملك سلمان العرش في نفس العام2015، بعد رحيل أخيه من أبيه الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز.. ويقول تقرير المنظمة المشار إليها... انه " مع انتهاء النصف الأول من عام 2023تكون السعودية قد نفذت 1083 حكم إعدام في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه الذي بدأ في كانون الثاني من عام 2015"! وأضاف التقرير: أن.." مسار الانتهاكات التصاعدي في السعودية، ونكث الوعود بشكل مستمر، والاستخفاف التام بالالتزامات والقوانين الدولية، يؤكد ان الخطر على حياة المعتقلين والمحكومين بالاعدام في السعودية في تزايد"!! واشار التقرير الى انه " فيما يؤدي انعدام الشفافية الى جهل بأرقام المحكومين حالياً، فأن معلومات المنظمة الاوربية السعودية لحقوق الانسان تؤكد ان 64 معتقلاً على الأقل يواجهون أحكاماً بالاعدام. من بين المهددين حالياً تسعة قاصرين على الأقل، هم عبدالله الحويطي، عبد الله الدرازي، جلال اللباد، يوسف المناسف، علي المبيوق، حسن زكي الفرج، علي حسن السبيتي، جواد قريريص، ومهدي المحسن"!! وشرح التقرير ان التهم، هي التظاهر والاساءة للعائلة الحاكمة، مبينا ان المعتقلين والمحكومين بالاعدام تعرضوا الى تعذيب شديد وانتهاكات جسيمة، فيما تطالب النيابة السعودية العامة بقتل علماء وباحثين بينهم حسن فرحان المالكي، وسلمان العودة وعلي العمري وغيرهم!!".
و ذكر التقرير ان السلطات السعودية، كانت قد أعلنت عن تنفيذ 61 اعداما خلال النصف الاول من لعام2023، وان أول الإعدامات التي تم الأعلان عنها نفذت في آذار/مارس 2023، وبالتالي، فأن كل الأحكام الواحدة والستين نفذت في أربعة أشهر!!
و لأن القمع والملاحقة في مملكة بن سلمان وكذلك الإعدام بحق معارضي الرأي وصلت حداً لا يطاق ودون توقف، انبرى بعض " العلماء والدعاة" المحسوبون على المؤسسة الوهابية، لانتقاد ما يجري في البلد من عسف وظلم وتكميم للأفواه وما الى ذلك، فهذا الشيخ الداعية بدر المشاري الذي تأكد ان بن سلمان اعتقله وضيّع أخباره، كان قد وجه رسالة للحاكم الظالم طبقاً لما ذكره حساب " معتقلي الرأي" المختص بمتابعة أخبار معتقلي الرأي في السعودية، وقال فيه " أنا أقول للظالم، أياً كان ظلمك... وأيا كانت مظلمتك...إن كنت تتوقع أقوى من الذين ظلمتهم فاعلم أن عين الله لم تنم"...
وأضاف المشاري قائلاً: " خالد البرمكي كان حاكماً يقود ثلاثة أرباع الأرض، وفجأة في ليلة هُجم عليهم وقُتٍل منهم مَنْ قُتِل، وأسِر منهم مَنْ أُسِر، وسُجن هو ولده، فقال له ولده بعد صلاة العشاء... يا أبتي كنا في الصباح ملوكاً نقود الأرض اليوم نحن مساجين، فرد عليه قائلاً يا بني دعوة مظلوم نمنا عنها والله ليس عنها بنائم" وتابع المشاري قائلاً : أنا أطَمئِن المظلوم..إطْمَئن ونم قرير العين، فأن الله تبارك وتعالى يطلع ويري".. هذا، وعبرت بدورها منظمة سند الحقوقية عن أسفها لاستمرار النظام السعودي في سياسة الاعتقالات وانتهاك حقوق الإنسان، داعية للافراج الفوري وغير المشروط عن بدر المشاري.. وفيما المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، تواصل تصعيد مطالباتها المجتمع الدولي بالوقوف ضد موجة القتل والإعدام والاعتقالات وانتهاك حقوق الإنسان في السعودية، فأن هذه الموجة الدموية تؤشر إلى جملة معطيات منها ما يلي:-
1- كما أشرنا في مقالات سابقة، ان بن سلمان يبدو وكأنه يستنسخ الحقبة الصدامية في مملكة آل سعود! فصدام انقلب على رفاقه بعد انقلاب 17 تموز 1968 المشؤوم في العراق وقضى عليهم بإلصاق التهم لهم وآخرهم احمد حسن البكر، وحوّل حزب البعث الى جهاز بوليسي ونشر القتل في كل مكان وتحول العراق الى مقابر جماعية تضم الملايين من أبناء العراق صفوا على أيدي جلاوزة أجهزة الدكتاتور في ليالي ظلماء حتى تحول العراق كله الى مقبرة للشعب العراقي والقصة معروفة لدى الجميع، وبن سلمان كما فعل صدام انقلب على ابناء عمومته ولي العهد محمد بن نايف ومتعب وعمه مقرن وحل مكانه بعد ازاحته، ثم زج بالامراء أبناء عمومته، وبكبار القيادات والمسؤولين السابقين في البلد واودعهم السجن، ومحاولة تطويعهم واسكاتهم او إنهاء دورهم نهائياً من خلال وجبات التعذيب والقمع اليومية التي يصبحون عليها وكذلك يمسون، وبالسيطرة على أموالهم، ومازال بعضهم يقبع في السجن، الذي حوله بن سلمان الى سجن لهؤلاء..و بعد ان انضم اليهم العشرات من علماء السعودية ، يقوم بن سلمان بعمليات قمع مستمرة لأبناء المملكة تماماً على شاكلة ما كان يقوم به نظام البعث الصدامي المقبور بأهالي العراق الغيارى!! ولا استبعد ان تصل الأمور، اذا ظلت على هذا المنوال، الى إقامة بن سلمان حفلات المقابر الجماعية على شاكلة صدام، ولعل ما يجري في منطقة الحويطات مؤشر على ذلك لا سمح الله بذلك.
2- يؤشر تسارع المملكة في الذهاب إلى الحقبة الصدامية، إلى أن بن سلمان تحرر من الضغوط الأمريكية والغربية التي كان إلى حد ما يخشاها ومن سيره السريع نحو الوصول إلى هذه الحقبة، وهنا من الجدير الإشارة إلى أن أمريكا والدول الغربية دول منافقة تستخدم حقوق الإنسان للتوظيف السياسي والمصلحي!! فأمريكا التي تعتبر ومعها الدول الغربية بدرجات متفاوتة المنتهك الأول والأساسي لحقوق الانسان في الدول المستضعفة، بل وحتى في أمريكا نفسها، لكنها رغم ذلك تستخدم انتهاك الانظمة المستبدة العملية لها على شاكلة النظام السعودي، في إبتزازه وفي حمله على السير في مشاريعها وما يصب في مصلحتها حتى ولو كان ذلك، يخالف مصلحة المملكة، ووفق هذا المنطق المنافق استخدمت أمريكا، هذا السلاح ضد عملائها واعدائها، وهكذا استخدمته ضد بن سلمان بعد قتله جمال خاشقجي الصحفي السعودي الحليف السابق للبلاط الملكي السعودي، ذلك من أجل الضغط، وحمل ولي العهد السعودي على اعلان التطبيع مع العدو الصهيوني، وعلى تنفيذ سياسات أمريكية أخرى في المنطقة فخلال الشهور الماضية كنا نرى بين الحين والآخر يتحرك الكونغرس ضد النظام السعودي لمعاقبته على تلك الجريمة، أو يتحرك مسؤول في البيت الأبيض الأمريكي ليطرح حقوق الإنسان، وتصاعد الانتهاكات لها في السعودية وتصاعد عمليات الاعدام، والاعتقالات، والدعوة إلى الإفراج عن بعض الناشطات من النساء السعوديات، وهكذا.. وكما اشرنا قبل قليل كانت هذه الضغوط تشكل تحديات لبن سلمان جعلته يتردد نسبياً في التصعيد في عمليات القمع الدموية، غير انه في الآونة الأخيرة حسمت الإدارة الأمريكية موقفها بالموافقة على بن سلمان ليكون من يعتلي عرش المملكة بعد ابيه، اذ كانت المؤسسات الأمريكية منقسمة على نفسها في تأييد وعدم تأييد بن سلمان، ذلك لان بن سلمان خضع لكل الشروط الأمريكية، ولأنه بات يتمتع بتأييد صهيوني واسع بعد اطلاقه عربة التطبيع مع هذا العدو ولو بدون اعلان رسمي! نقول بعد تراجع الضغوط الأمريكية، بعد تراجع التوظيف السياسي والمصلحي الأمريكي لحقوق الإنسان في المملكة اعتبر بن سلمان انه بات محرراً بل ومغطى إعلاميا من قبل أمريكا والغرب ليتحرك بكل هذه السرعة في عملية الجرف للمجتمع في المملكة وتصعيد عمليات القتل لإرهاب المعارضين وكل من يفكر في التخلص من الحالة البوليسية المتصاعدة التي تشهدها المملكة.
3- ان عملية جرف بن سلمان للمجتمع في المملكة على شاكلة صدام، هي كما قلنا قبل قليل لارغام هذا المجتمع على السكوت -بسبب الرعب والهلع الذي أدخله في كل بيت- على سياسات بن سلمان، ويتصدر هذه السياسات الإعلان الرسمي عن التطبيع مع العدو بعدما قطع شوطاً كبيراً على كل المستويات، وبعد الضغوط المتواصلة لأمريكا والعدو، لحمل بن سلمان على هذه الخطوة، كثمن لموافقة الاميركان والصهاينة على اعتلائه عرش المملكة..
4- تصعيد عمليات القتل والملاحقة في السعودية يؤشر بوضوح ان الطواغيت والمستبدين لا يستعبرون من تجارب التأريخ فصدام لم يأخذ العبرة من تجربة حاكم بنما نورييغا،عضو السي آي اي وتاجرها للمخدرات في امريكا الجنوبية، ولم يأخذ العبرة من مصير الشاه الإيراني المقبور فوقع في ذات الخطأ وكانت النتيجة ان تخلى عنه الشعب العراقي وانقلب عليه أسياده الأميركان الذين جلبوه الى الحكم وارتكب كل هذه الجرائم بإشرافهم وتوجيههم، وأسقطوه واحتلوا البلد وعاشوا فيه فساداً ودماراً والى الآن، وكذلك سيكون مصير بن سلمان عند ما تستهلك ورقته ولم يعد ينفع الاميركان، وحينها يُرمى في مزابل التأريخ مع صدام والسادات وشاه إيران ويقيه العملاء والمستبدين الذين باعوا بلادهم وشرفهم لأسيادهم ومستعمريهم!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق