هل نحن على أعتاب خطين سياسيين متوازيين في السياسة الخارجية للمملكة؟
[علي ال غراش]
استغل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارة والده الملك سلمان القصيرة إلى شرم الشيخ للمشاركة في القمة العربية الاوروبية، فأصدر مرسوما أقال من خلاله شقيقه الأمير خالد بن سلمان من منصب سفير المملكة في السعودية وعينه نائبا له في وزارة الدفاع، واختار ريما بنت بندر لتحل مكان أخيه في منصب سفير المملكة في واشنطن.
الملك سلمان ونجله ولي العهد اتخذا مسارين متفاوتين في السياسة الخارجية بعد حادثة مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، فبينما اختار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز رئيساً جديداً لوزارة الخارجية السعودية ، وقد أخذ إبراهيم العسّاف كدبلوماسي كبير في رحلته إلى مصر لحضور القمة العربية الأوروبية ، اختار ولي العهد ان يرافقه الوزير السابق عادل الجبير في رحلته الآسيوية، وهذا يظهر لنا أن هناك مجموعتين متوازيتين للسياسة الخارجية في المملكة بدأتا تتشكلان في الوقت الحالي، واحدة تحت قيادة الملك والثانية تحت قيادة ولي العهد.
إن أحكام ولي العهد المتسرعة لاستدعاء شقيقه من واشنطن وتعيين واحدا من المقربين له بمنصب سفير قد عززت مرة أخرى فكرة انشاء خط موازي لسياسة المملكة الخارجية الكلاسيكية.
مؤامرة لاحداث تغييرات في النظام الملكي
على الرغم من أنه ليس من الواضح ما هي الآلية التي يتم من خلالها التنسيق بين محمد بن سلمان ووالده في السياسة الخارجية السعودية، أو مدى تأثير الأمراء في عملية اعلان الولاء له في مواجهة والده، إلا أن محاولة اخراج الملك من الحكم خلال سفره إلى مكان ما ليس بالامر الجديد في شبه الجزيرة العربية.
في عام 1964 ، تآمر فيصل بن عبد العزيز، بعد عامين من وصوله إلى ولاية العهد، مع أخوته فهد وعبد الله وسلطان، على الملك السعودي سعود بن عبد العزيز عندما ذهب إلى الخارج في رحلة علاجية، وخلال فترة غيابه عن المملكة تم تعيين أخيه فيصل ملكا للبلاد عوضا عنه.
في قطر أيضا، في عام 1995 ، قام حمد بن خليفة ، والد أمير قطر الحالي، بالإستيلاء على العرش عندما ذهب والده في رحلة إلى سويسرا. في الوقت الحالي، في إمارة أبو ظبي ، محمد بن زايد ، وهو صديق حميم لولي العهد السعودي، ومع الأخذ بعين الاعتبار ان خليفة بن زايد الحاكم الرسمي للإمارة، إلا أن محمد بن زايد في الحقيقة هيمن على جميع صلاحيات أخيه غير الشقيق خليفة بن زايد ويدير الامارة كما يريد.
القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ
تم تعيين السفير السعودي الجديد لدى واشنطن في نفس الفترة التي سافر فيها الملك إلى شرم الشيخ للمشاركة في القمة العربية والأوروبية.
اجتمع القادة العرب والأوروبيون في قمة بشرم الشيخ في مصر في الـ 24 من فبراير/شباط الحالي، بحضور رؤساء دول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ، وبحضور ممثلين من حوالي 50 دولة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز من بين أهم القادة العرب الذين حضروا الاجتماع ، اما أوروبيا فقد كان حاضرا كلا من دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية عن الاتحاد الأوروبي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وأخرين.
وتضمن جدول أعمال القمة، السعي إلى تعزيز التعاون في عدة مجالات كالتجارة والاستثمارات وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلة تغيّر المناخ إلى جانب مشاكل المنطقة مثل القضية الفلسطينية وعودة الاستقرار إلى كل من ليبيا وسوريا واليمن.، ومن المسائل الهامة التي طّرحت للنقاش، هي طرق وسبل التعاون والتنسيق بين الأطراف الدولية لمكافحة الإرهاب وأسبابه من جذوره والعمل على مراقبة تدفق "الإرهابيين" الأجانب ومصادر تمويله.
في الختام؛ يمكن القول أن ولي العهد ومنذ اطلاق يده في المملكة وهو يحاول ان يغرد خارج سرب جميع من سبقه، وإن كان لم يستطع فعل ذلك حتى اللحظة إلا ان المحاولات مستمرة شرقا وغربا، ولكن هناك حالة من الضياع موجودة في سياسة ابن سلمان وازدواجية معايير واضحة في التعاطي مع جميع قضايا المملكة الداخلية والخارجية، فالامير الشاب يريد أن يعطي المرأة السعودية هامشا أكبر من الحريات لكنه في الوقت نفسه يعتقل عشرات الناشطات اللاتي يدافعن عن حقوق المرأة، ولكي يبيض صورته يعين سيدة مثل ابنة ابن عمه ريما في منصب سفير المملكة في واشنطن.
هذا التعامل من قبل ولي العهد السعودي يجعلنا نتسائل حول ما اذا كان ابن سلمان يريد أن يعطي الحرية للمرأة بشكل مؤقت أو استخدام الاسلوب الاصلاحي لفترة وجيزة في محاولة لتثبيت نفسه في العرش أم أنه جدي فيما يفعل لكن ضغوطا خارجية وداخليه تمنعه من اكمال الخط الذي يسير عليه.
ارسال التعليق