هل يستجيب النظام السعودي لنصائح جنرالاته بوقف الحرب على الشعب اليمني المظلوم!؟
[عبد العزيز المكي]
طبقاً لما نقله موقع " العربي نيوز" في 2/3/2022 خاطب قائد عسكري سعودي برتبة لواء القوات السعودية البرية والخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، اللواء المتقاعد أحمد الفيفي.. ما يسمى " بتحالف دعم الشرعية" بقيادة الرياض، بضرورة إنهاء الحرب على اليمن سريعاً، وقال الخبير السعودي المشار إليه في تغريدة له على تويتر.." إذا لم يستغل التحالف إنهاء الحرب في اليمن في ظل الظروف الراهنة وانشغال العالم بالشأن الروسي الأوكراني فستمتد الحرب إلى سنين قادمة". ونبه اللواء المتقاعد أحمد الفيفي إلى المتغيرات المتسارعة في العلاقات الدولية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، مشيراً إلى معارضة بعض الدول لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن حظر تزويد أنصار الله بالسلاح، ومنها البرازيل التي قال هذا الخبير أنها تربطها مصالح مع السعودية! ويقول الموقع المذكور، أن تغريدات اللواء أحمد الفيفي، الذي كان يشغل منصب مساعد قائد القوات السعودية في جيزان لقيت تفاعلاً واسعاً من سياسيين وعسكريين سعوديين ويمنيين أيضاً، ذهبت باتجاه تأييد تحذيراته ومطالباته بسرعة إنهاء " التحالف" الحرب على اليمن، قبل ظهور متغيرات مفاجئة، جراء الأزمة والحرب الروسية الأوكرانية.
وللإشارة، أن نصيحة هذا اللواء المتقاعد لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقتها نصائح عديد لجنرالات متقاعدين وغير متقاعدين، في الجيش السعودي، طالبوا بن سلمان بوقف العدوان على اليمن، وحذروا من استمرار هذا العدوان، لأن نتائجه ستكون في غير مصلحة المملكة السعودية. وفي الحقيقة أن هذه التحذيرات ترتكز إلى نظرة استراتيجية تستند بدورها إلى قراءة دقيقة لمعطيات العدوان وتطوراته على كل الأصعدة، والتي يمكن الإشارة إلى بعضها بما يلي:-
إن السعودي، ورغم تفوقه الجوي، والدعم الذي يتلقاه من أمريكا والكيان الصهيوني، ومن بعض الدول الغربية، بالخبراء العسكريين والتسليح والدعم العسكري اللوجستي.. ورغم الحصار الذي يفرضه على اليمن جواً وبحراً وبراً، ورغم تدميره البنى التحتية لهذا البلاد وقتله مئات الآلاف من الشعب اليمني بارتكابه المجازر المروعة، ورغم اصطفاف الإمارات معه، واستئجارهما الآلاف من المرتزقة من السودان، ومن الدواعش وغيرهم.. نقول إن النظام السعودي رغم كل هذا الدعم، ورغم مرور سبع سنوات على هذا العدوان.. إلا انه من الناحية الواقعية خسر الحرب، برأي الخبراء والمعلقين العسكريين، ففي هذا السياق، كتب السياسي الأمريكي فيليب جوردون منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط في عهد باراك أوباما، مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست، بعد ثلاث سنوات من شن العدوان السعودي على اليمن أكد فيه " أن السعودية خسرت الحرب في اليمن وان الحوثيين أصبحوا أقوى من أي وقت مضى" وكان موقع " مودرن دبلوماسي" الأمريكي قد نقل عن محلل ألماني مخابراتي مرموق، بعد أكثر من أربع سنوات على العدوان، قوله " السعودية خسرت حرب اليمن نهائياً بعد هجوم أنصار الله بالطائرات المسيرة على حقل النفط في منطقة الشيبة" مؤكداً بقوله " هزم فقراء اليمن السعودية الغنية".
وقبل أسابيع جدد الخبير في الشؤون السعودية والمسؤول السابق في السي آي اي بروس ريدل التأكيد على ان السعودية خسرت الحرب في اليمن ونصحها بوقفها قبل فوات الاوان. وهذا ما أكده أيضاً في 2/3/2022 عضو الكونكرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي (روخانا) بأن السعودية خسرت حرب اليمن وعليها ان تفهم أنها بحاجة لتسوية سلمية تخرجها من ورطتها، داعياً الرئيس الأمريكي جو بايدن الى وقف بيع الأسلحة للسعودية. إذن مهما طالت الحرب فأن النتيجة يوما بعد آخر، تتعزز لصالح أنصار الله، لأن النظام السعودي استخدم كل الأساليب العسكرية وكل أساليب الانتقام الدموية ضد أنصار الله، لتغيير المعادلة لصالحه لكن دون جدوى، فقد ازداد النظام ضعفاً وازداد أنصار الله قوة وتهديداً للسعودية.
ان السعودية لم تخسر الحرب فحسب، بل ان هذه الحرب باتت تهدد استقرار المملكة، وتهدد حتى وجود النظام السعودي نفسه.. فعلى الصعيد الاجتماعي عمق العدوان مظاهر الاحتقان والتذمر لدى قطاعات وشرائح كثيرة من شعب المملكة بسبب الخسائر التي يتعرض لها الجيش السعودي، وبسبب الضغوط الاقتصادية التي تتزايد بصماتها على حياة المواطن اليومية في هذه المملكة، بسبب النفقات الهائلة على شراء الأسلحة، واستئجار المرتزقة من اليمنيين والسودانيين وغيرهم، وقد عبر هذا الاحتقان بين الحين والآخر عن مظاهر تمرد ومواجهات بالرصاص الحي بين الجماهير الغاضبة وبعض قوى الأمن السعودية، كتلك التي حصل بعضها في الرياض والمدينة وجدة، وكان آخرها وليس أخيرها، ما سربته بعض وسائل الإعلام عن حصول محاولة انقلاب على بن سلمان، فاشلة.. ولأن النظام السعودي يفرض سياسة التكتيم على ما يدور في الساحة الداخلية من تطورات، فأن ما يتسرب من الأحداث يشكل النزر اليسير، وإلا ان هناك تحركات ومواجهات كثيرة تحصل في الساحة الداخلية بسبب آثار الحرب على المجتمع في السعودية لكن يجري كما قلنا التعتيم عليها.
وللإشارة فأن الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية والأمريكية تطل بين الحين والآخر، تنشر التقارير والتحاليل حول تزايد آثار استمرار العدوان السيئة على السعودية والنظام، ففي هذا السياق، بعد مرور خمس سنوات على العدوان، يقول الخبير في شؤون الخليج في مركز الخدمات المتحدة الملكي في لندن مايكل ستيفتر...
ان الحرب كانت مضرة للسعودية ولليمن.. وأضاف " ان الحرب لم تحقق فائدة تذكر للسعودية، ومن الناحية الاستراتيجية يمكنك القول ان الرياض في وضع أضعف مما كانت عليه في عام 2015". هذا ويذكر الخبراء الاقتصاديون أرقاماً مهوّلة حول خسائر النظام السعودي المالية والاقتصادية والتي كما قلنا يتزايد ضغطها على كاهل المواطن السعودي، حيث يقدرون هذه الخسائر بمئتي مليون دولار يومياً، واذا ضربناها في عدد الايام لقرابة الثمان سنوات فسيكون الرقم كارثياً!! أما مركز مالكوم-كير كارنيغي للشرق الاوسط الأمريكي فهو يشير الى تأثير الحرب على المواطن بسبب ارتفاع الضرائب وزيادة الأسعار والنفقات، حيث يعطي صورة مزرية للوضع داخل السعودية تنذر بانفجار الوضع هناك في أية لحظة!!
و بالأضافة الى ان استمرار العدوان على اليمن، يعني استمرار استنزاف السعودية على كل الاصعدة وتعطيل التنمية فيها، فأن الأهم من ذلك، ان النظام السعودي استنجد بالولايات المتحدة وحتى بالمجتمع الدولي بالتدخل لانهاء الحرب، بمساعدته في تحقيق مخرج مشرف له من هذه الحرب، وجاءت هذه المطالبات على لسان اكثر من مسؤول سعودي ومنهم وزير الخارجية بن فرحان نفسه، لكن بايدن رفض التدخل المباشر في الحرب بمساعدة السعودية بتدخل الجيش الأمريكي في محاربة أنصار الله، واكتفى بمدها بالاسلحة الفتاكة وبالدعم اللوجستي والاستخباري، الّا ان كل هذا الدعم لم يغير من معادلة الميدان التي باتت ترجح يوما بعد آخر لصالح أنصار الله، وذلك ما عمق المخاوف عند النظام السعودي، التي عززتها هزيمة واشنطن في أفغانستان، حيث تركت هؤلاء الحلفاء طعمة سهلة لافتراسهم من قبل حركة طالبان، معيدة بذلك أي واشنطن مشهدها ترك حلفائها الفيتناميين! وجاءت حرب اوكرانيا لتؤكد هذه القناعة عند النظام السعودي، انه في الساعات الحرجة وهي آتية لا محالة بحسب الخبراء، سيكون حاله لا يختلف عن الرئيس الاوكراني الذي يستنجد بالزعماء الأوربيين وبالاميركان وهم يرفضون التدخل عسكرياً خوفاً وتفادياً للمواجهة مع القوات الروسية.
و على خلفية هذه القناعة، بات الخبراء السعوديين يتخوفون من ان استمرار النظام السعودي في عدوانه على اليمن، اذا لم يوقف هذا العدوان ويتراجع الآن، سوف يضعه أمام خيار الانتحار الحتمي، حيث سيجد نفسه بعد تفويت الفرصة الآن، انه ليس بامكانه التراجع، وبالتالي سوف يذهب لا محالة إلى مصيره المحتوم وهو الانتحار المؤكد، والسقوط المدوي! وكأن لسان حال هؤلاء الخبراء يقول، التراجع الآن مع حفظ القليل من ماء الوجه أفضل من الانتحار والسقوط المحتوم!!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق