هوامش على مشاركة بن سلمان في غسل الكعبة المشرفة!
[عبد العزيز المكي]
اعتاد ملوك السعودية المشاركة في غسل بيت الله الحرام قبل موسم الحج من كل عام، للتظاهر باحترام المقدسات الإسلامية، وفي هذا العام شارك ولي العهد محمد بن سلمان نيابة عن أبيه الملك سلمان في غسل الكعبة الذي جرى يوم 15/آغسطس/2023، وكما كان لقيام الملوك بهذه الخطوة أهداف ومقاصد بعيدة كل البعد عن التعبّد والإخلاص والتوجه الديني، وحب المقدسات الإسلامية واحترامها، بدليل أن بعض هؤلاء الملوك (أظنه فهد) أقام ( دورات مياه صحية، أي مراحيض) على أنقاض مواقع أثرية تعود للرسول (ص) منتهكين قدسية هذه المواقع، ومحاولين دثر وإزالة معالمها وآثارها التاريخية نهائياً والى الأبد!! نقول انه كما كان لهؤلاء الملوك أهداف ومقاصد لهذه المشاركة في عملية تنظيف الكعبة فأن لبن سلمان ذات الأهداف بل وزيادة عليها، نشير إلى بعض منها بما يلي:
1- إن المشاركة هي عملية استعراض إعلامي لبن سلمان لخداع الرأي العام الإسلامي داخل المملكة وخارجها، لمحاولة إعطاء أنطباع من خلال هذا الاستعراض أن بن سلمان " يحترم المقدسات ويهتم بها، وهو لا يختلف في ذلك عن الملوك الآخرين، ذلك لأن انفتاحه على المظاهر الغربية ونشره للقيم الغربية في ربوع السعودية، مثل الرقص وإقامة الحفلات الماجنة والمختلطة، وإنشاء شاطئ لشبه العراة المختلطة في جدة وفي المدن الساحلية الأخرى، ذلك فضلاً عن سماحه لليهود الصهاينة بالقيام بانتهاكات متكررة لحرمة المقدسات الإسلامية في مكة والمدية المنورة، ثم تغييره المناهج في إطار جهد أمريكي صهيوني سعودي مازال يمضي قدماً لتوائم هذه المناهج مع الرؤى الأمريكية والصهيونية، عبر تغيير الثوابت والمبادئ الإسلامية وتنشئة جيل جديد على قيم الإسلام الأمريكي الصهيوني، وكل أشكال عملية غسل الدماغ الفكري والثقافي التي تجري في مملكة بن سلمان عبر سن القوانين الجديدة التي تتيح ذلك، وإسقاط أخرى كانت تشكل عائقاً.. نقول كل ذلك وغيره كثير يطول الكلام حوله ترك انطباعاً عاماً عند المسلمين في المملكة وعند كل المسلمين في العالم الإسلامي أن بن سلمان يقوم بعملية منهجة لضرب المقدسات والثوابت الإسلامية ومحاولته تجريد المجتمع الإسلامي، عبر ذلك، من قيمه ومن عقائده ومبادئه التي تشكل حصانة له من الاختراقات الفكرية والثقافية، ولذلك اتهمه البعض حتى من مشايخ الوهابية التي تشكل الرافعة الدينية لنظام آل سعود، بأن هذا الغلام يسعى لتقويض الدين الإسلامي من معناه الحقيقي، وتحويله والمقدسات الإسلامية إلى مجرد ديكورات فارغة من أي معنى، وتحويله الدين إلى مجرد طقوس وعبادات لا صلة لها بواقع الناس ومعاناتهم وما يحاك ضدهم وما يراد لهم ولوطنهم ولثرواتهم وحضارتهم من الطامعين والعابثين أمثال الاميركان والصهاينة.
و لكي يكون هذا الاستعراض الإعلامي مؤثراً في الرأي العام سارع الذباب الالكتروني السعودي إلى الإطراء والإشادة ببن سلمان على هذه الخطوة بهدف محاولة إقناع الرأي بما أشرنا إليه قبل قليل!
2- بسبب سياسة الانفتاح على منظومة القيم الغربية، وضربه لمنظومة القيم الإسلامية، التي أشرنا إلى بعضها قبل قليل، تسبب في اهتزاز صورة المملكة عن بعض قطاعات المسلمين " السنة" في الكثير من البلدان الإسلامية، فاهتزت " مرجعيتها الإسلامية" التي يؤكد عليها دائماً ملوك آل سعود!! كما اهتزت قيادتها " للعالم السني" بحسب إدعائهم، واهتزت " حقيقتها" في إدارة ورعاية الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، حتى أن البعض من علماء المسلمين ومن بعض إعلامييهم ومفكريهم طالب الدول الإسلامية بتشكيل لجنة إسلامية أو هيئة إسلامية تتولى إدارة الحرمين الشريفين نيابة عن آل سعود بعد إخفاقاتهم وبعض انتهاكاتهم لحرمة المقدسات الإسلامية والعبث بها من خلال تمكين أشقائهم الصهاينة وأسيادهم الاميركان بانتهاكها وتدنيسها بأشكال وممارسات مختلفة!! صحيح كان الأسلاف ( الملوك السعوديون) يقومون بنفس الأدوار لكنهم كانوا يحرصون على القيام بها من وراء الكواليس، وحتى أن بعض ممارساتهم المعادية للمسلمين يؤطرونها باطار ديني لخداع الناس وإخفاء الفعل الحقيقي الذي يتناسب مع ما تريده امريكا، كما حصل لقتل آل سعود لحجاج بيت الله الحرام لمجرد أنهم أعلنوا البراءة من المشركين، من امريكا والصهاينة ومن قوى الاستعمار المعادية للمسلمين، الأخرى، أما بن سلمان فلم يُجِد هذا الإخفاء وذهب بعيداً في معاداته للإسلام وللمسلمين، بتحالفاته مع الاميركان والصهاينة وتمكين هؤلاء ومدهم بالقوة ومستلزماتها التي يستخدمون في مواجهة المسلمين وإسلامهم، وبتحدي ووقاحة منقطعتا النظير!!
لذلك يحاول بن سلمان من خلال هذا الاستعراض إعادة مكانة المملكة السابقة بين أوساط الدول الإسلامية، بل سعى أكثر من ذلك، بالسماح لبعض المنابر التهجم على الصهاينة وانتقادهم والدعاء ضدهم بعد أن منعها مدة من الزمن وزج بالسجن كل من انتقد الصهاينة من المشايخ السعوديين من الوهابية ومن غيرها، لكن ذلك بات غير مجدي لأن سبق السيف العذل كما يقولون !!
3- محاولة بن سلمان التغطية على جرائم القمع التي ازدادت بشكل لافت في الآونة الأخيرة!! ففي هذا السياق كشف موقع " مرآة الجزيرة" نقلاً عن مصادر خاصة، عن إصدار أوامر بن سلمان بتخصيص 24 مليون دولار لصالح وحدة أمنية أنشئت حديثا لتتبع وقمع المعارضين في الخارج، وذكرت المصادر للموقع ان بن سلمان رفع رواتب الوحدة الأمنية الجديدة وأمر بتوفير كل هذه الوحدة مباشرة لجهاز الأمن السعودي الذي يتبع مباشرة لبن سلمان. يضاف الى ذلك قالت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان، ان 30 معتقلاً يواجهون أحكاماً بالإعدام في السعودية ، بينهم من يواجه تهماً تتعلق بالتعبير عن الرأي والتظاهر، ومن بينهم خمسة قاصرين! وعرضت تلك المنظمة تقريراً مرعباً عن الإعدامات في السعودية وارتفاع وتيرتها في الفترة الأخيرة، وعن المحاكمات الصورية والهزلية، وضياع العدل والإنصاف!!
و قالت المنظمة المذكورة في تقريرها، ان السلطات السعودية أعدمت في الستةِ أشهر الأولى من عام2022/120 شخصاً، وهذا الرقم يقترب من ضعف العدد الذين تم اعدامهم في العام 2021 بأكمله، ذلك على الرغم من وعود الرياض بتخفيض عقوبة الإعدام! وتوقعت المنظمة ارتفاع عدد الضحايا من المعدومين بوتيرة متوالية عددية مع التقدم في الزمن. ذلك فضلاً عن التعذيب والتنكيل بالمتهمين حتى ان بعضهم قضى تحت هذا التعذيب بحسب تقارير العفو الدولية!!
وللإشارة فأن هذه الممارسات التعسفية للنظام السعودي بحق المعارضين من أصحاب الرأي وغيرهم باتت تحرج حتى أسياده الأميركان المعروفين بإجرامهم وعدم اكتراثهم بما يمارسهُ الاستبداديون بحق شعوبهم من عملائهم وخدمتهم، فقد انتقد المتحدث باسم الخارجية الامريكية ليد برايس في 18/اغسطس/2022 الحكم الذي أصدرته المحاكم السعودية بحق الناشطة الحقوقية السعودية سلمى الشهاب، والذي يقضي بسجنها لمدة 34 سنة! وقال لسيد " نحن نتحدث ونسعى للدفاع عن هذا الحق الأساس- حرية التعبير- الذي نعتبره رئيسيا للأفراد في المملكة العربية السعودية كما هو الحال في العديد من البلدان حول العالم" بحسب زعمه وادعائه، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية تحدثت مع المسؤولين السعوديين حول ما اسماه حقوق الإنسان السعودي، محاولاً التملص من مسؤولية ما يرتكبه بن سلمان المدعوم أمريكيا من جرائم بحق الشعب هناك، وقال " هذا هو الحال في اجتماعات الرئيس بايدن في جدة وكان هذا هو الحال عند ما تحدث وزير الخارجية انتوني بلينكن إلى نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان. ولقد كان هذا الحال عند ما تحدث مسؤولون كبار آخرون في الحكومة الأمريكية مع نظرائهم السعوديين" على حد زعمه.
4- أراد بن سلمان أن يوجه رسالة للداخل والخارج بأنه الملك الفعلي في البلاد ذلك من أجل أن يجعل الأمر حقيقة وواقعاً فعلياً، وبالتالي بعث اليأس والإحباط في نفوس المعارضين من الأمراء، وحتى من الأطراف الخارجية خصوصاً من الأمريكيين، وبالتالي حمل كل تلكم الأطراف الداخلية والخارجية على التسليم بالأمر والقبول بالأمر الواقع.
و قبل الختام تجدر الإشارة إلى أن بن سلمان وبعكس، ملوك آل سعود ظهر متكبراً متعالياً، أمام بيت الله الحرام، لم يبدِ أي احترام أو أي خضوع كما يحرص بقية الملوك على ابدائه، ولو تصنعاً من أجل خداع الرأي العام ، ما يؤشر ذلك إلى عنجهية وتكبر وطاغوتية هذا الفرعون الصغير.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق