هيئة كبار العلماء في المملكة.. بين النصائح والفضائح
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
كشفت حسابات هيئة الترفيه ومنها "بلاتينوم ليست" و"كاليندر السعودية" الخاصة بالفعاليات الفنية في السعودية عن إقامة احتفالات طرب متنوعة تشمل ألعاب نارية و"دي جي" وموسيقى وغناء و.. في مدينة ملهم بالعاصمة الرياض يوم 31 من الشهر الجاري بليلة رأس السنة الميلادية الجديدة 2020 المعروفة بـ"الكريسماس"، وذلك في سابقة هي الأولى في تاريخ بلاد الحرمين الشريفين.
وقال رئيس هيئة الترفيه السعودية "تركي آل الشيخ" إن منطقة "البوليفارد"، مقر الفعاليات الرئيسية في الرياض، ستظهر بحلة جديدة قبل نهاية العام الجاري؛ حيث واجه هذا الاعلان ردود فعل صاخبة وغاضبة كبيرة في الشارع السعودي مبدياً صدمته الشديدة لما يجري في بلاد الوحي والتنزيل، فيما تسابق البعض للسؤال عن التذاكر المتاحة وكيفية حجزها!.
الامعان في تسمية المواقع والأماكن التي تعلن عن إقامة احتفالات بـ"الكريسماس"، يثير العديد من الشكوك، مثلاً "كاليندر السعودي" يعني "روزنامة السعودية" أو نظام التقويم السنوي للسعودية، أما "بلاتينيوم ليست" يعني اللون الرمادي المعتدل أي سياسة "الاسلام المعتدل" وهو المصطلح الذي أطلقه محمد بن سلمان على ثورته الثقافية ضد تمسك شعب الحجاز بالشريعة الاسلامية والتي كان يضرب بها المثل الأعلى في هذا المجال؛ و"بلاتينيوم" أيضاً ماركة مسجلة للكثير من أستديوهات فاضحة خلقياً متواجدة في بلاد الأفرنجية ومنها استديوهات "لارابي ساوند"، و"ذا فيلج"، و"ويستليك" في لوس أنجلوس، استديوهات "بلاتينيوم ساوند"، و"روك ذا مايك" في نيويورك سيتي، واستديوهات "ذا بنكر" في باريس.
أما منطقة "البوليفارد" يعني الشارع العريض المشجر بالفرنسية، أما بالهولندية فتعني "تحصين المدينة"، والمقصود منها هو تحصين بلاد الحرمين الشريفين من كل ما هو له صلة بالمعتقدات الاسلامية والعادات والتقاليد الاجتماعية المحافظة لشعبنا، ليس إلا.
وقد واجه إبتذال هيئة الترفيه سكوت هيئة كبار العلماء ومفتي عام المملكة على تكرار مثل هذه الأمور التفسيقية التفسيدية لمجتمعنا المحافظ ردود فعل واسعة، حيث تداول ناشطون مقاطع فيديو أثارت جدلا واسعا في المملكة، لفتيات وهن يرقصن بشكل "مثير للغاية" و"شبه عاريات "في مهرجان "ميدل بيست" للموسيقى ضمن فعاليات موسم الرياض الترفيهي منتقدين بشدة ما تم الكشف عنه داخل المهرجان الفني من أفعال خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، والتي لا تتوافق مع طبيعة المملكة، وانتهاك القائمين عليه التي تضم الحرمين الشريفين. ليرد عليهم "آل الشيخ" قوله "أن فعاليات الترفيه التي تواجه انتقادات مجتمعية، تأتي بتوجيه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان".
وتجاوزت الوقاحة بسخرية أحكام الدين المبين حداً كبيراً وسط صمت الهيئة والمفتي وكبار "الدعاة"، حتى نشر المستشار بالديوان الملكي، مقتطفات من لقاء له في برنامج "ليالي الكويت"، يقول فيها: "اللي غير هو محمد بن سلمان وليس تركي آل الشيخ (...) وأنا وكل مسؤول بالمملكة نعمل بدعم من الله أولا ثم من قيادتنا الرشيدة الملك سلمان وولي عهده".
ما يدور في المملكة يعيد للذاكرة كيف كان مفتي عام المملكة وكبار العلماء والدعاة، يطلون علينا في الفضائيات وهم يصدرون الفتاوى الملونة بما يدور في الأمة حتى بانت عورتهم بتجريم وتحريم كل من يدعو لمحاربة الصهاينة، ثم تحريم التظاهرات الداعمة للمقاومة الفلسطينية أمام تجاوزات وقتل القوات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين العزل، ودفع الشباب البسيط ليلتحق بركب المجموعات المسلحة في سوريا والعراق لإراقة دماء الأبرياء، ناهيك عن دعمهم الفاضح للحرب على اليمن.
والأمر لم ولن ينتهي بهذا، حيث يطل مفتي عام المملكة آل الشيخ في برنامج فتاوى على القناة السعودية الأولى، مشدداً على وجوب طاعة ولي الأمر وعدم «إغتيابهم أو نقدهم» في المجالس ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي!!، لأفعالهم وتصرفاتهم وسياستهم وإن كانت تتنافى مع العقائد والأحكام الاسلامية والتقاليد الاجتماعية لمجتمعنا المحافظ.. وهو يؤكد أنه «واجب وحق ولاة الأمر على الدعاة وطلاب العلم؛ يتمثل من خلال دعوة الناس الى محبتهم والتعاون معهم وشد أزرهم».
الكيل بمكيالين في فتاوى هيئة كبار العلماء وهبلهم لن يتوقف عند هذا الحد بل تجاوز الكثير الكثير حتى بات "الصمت" سمتهم الغالبة على كل فعل منكر يروج له في بلاد الوحي والتنزيل من قبل محمد بن سلمان ومنها إقامة الاحتفالات الماجنة الكبيرة بـ"الكريسماس" هذا العام وهي سابقة خطيرة بعد أن كانوا قد أفتوا بحرمة كل من يحتفل بمثل ذلك في خارج المملكة وداخلها.
وكان الشيخ عبد العزيز آل الشيخ قد حرم ذلك من قبل بقوله "أن المشاركة في احتفالات أعياد الميلاد في رأس السنة الميلادية تعد تأييداً لما يحدث فيها من تعظيم "الصليب" وإرتكاب الأمور المحرمة" - صحيفة "المدينة" السعودية الأربعاء 29-12-2010، مشدداً إن "أعياد الميلاد تقوم على تعظيم الصلبان وعلى كلمات سيئة من جعل عيسى عليه السلام رباً أو ابناً لله ثالث ثلاثة وهى أعياد تقوم على أمور محرمة تنافى الإسلام والعقيدة الصحيحة".
ومن قبله حرمها الشيخ أبن باز بقوله "لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم" - مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية، المجلد السادس عشر (العقيدة). كما أكد عضو هيئة كبار العلماء السعودية الدكتور صالح الفوزان في العديد من المرات والفتاوى أن "المشاركة في احتفالات رأس السنة الميلادية حرام شرعاً"، واصفاً إياها "بالبدعة الشرعية".
كما حرم المفتي محمد بن صالح العثيمين تهنئة ما أسماهم بـ"الكفار" بعيد "الكريسماس" أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم في كتابه: "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم؛ والدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يشدد على حرمة الاحتفال بـ"الكريسماس" وقال: إن "هذا أمر لا يجوز لأنه بدعة".
لكن سرعان ما تبدلت هذه الآراء والفتاوى بعد لقاء المفتي العام عبدالعزيز آل الشيخ مع ولي العهد في ديسمبر 2017 وإذا به يخرج بفتوى حرمة تناول خطباء الجمعة أمور غير الصلوات وصلة الرحم وإكرام الجار والصدقة، مشدداً على ضرورة احترام رأي "ولي الأمر".. إما خوفاً منه على مقامه وسلطته والمال الحرام الذي يدر عليه، أم كي لا تكون عاقبته كمصير الشيخ عمر المقبل الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة القصيم الى سجون آل سعود لأنه أنتقد نشاطات هيئة الترفيه السعودية بقوله أنها "تسلخ المجتمع عن هويته".. و"نحن لسنا ضد الترفيه بل ضد سلخ المجتمع عن هويته، وضد ذبح الحياء باسم الترفيه".
أكثر من ثمانية عقود تمر على زواج المسيار بين المؤسستين الدينية السياسية في دويلة آل سعود الثالثة، والتي كانت هيئة كبار العلماء بالمملكة السند الكبير في تبرير إجرام وإنحراف وخيانة الأسرة الحاكمة في بلاد الحجاز، والذي أضحى أكثر وضوحاً وإنصياعاً لرغبة الطيش والرعونة الجاهلية خلال السنوات الخمسة الماضية أي منذ مجيئ سلمان ونجله للسلطة، فرحبت بالسينما ومسارح الرقص والغناء، وتسابق الفتيات للملاعب للتمايل يمين يسار في أحضان الشباب، وتبرر قرارات السلطة الجائرة حتى في زيادة الأسعار والضرائب ورفع الدعوم الحكومية بقولها: أن "الله هو من يرفع الأسعار"، وتعدَّى الأمر سلسلة من الفتاوى التي تتعلق بحياة الناس الخاصة والتي كانت في السابق من المحرمات.
ارسال التعليق