ويكند الرعب" يسيطر على المملكة ورائحة الدم تفوح في سمائها
[حسن العمري]
* حسن العمري
ليست المرة الأولى التي يتنكّر فيها آل سعود لقضايا أبناء الجزيرة القابعين في ظل حكم ديكتاتوري دموي قمعي، ولا لقضايا الشعوب العادلة حيث تاريخهم حافل بالخزي والخذلان لقضايا العرب المحقّة والتفنن في قتل واغتيال وتقطيع المعارضين في داخل مملكة الموت أم عبر تعقبهم في خارج البلاد، وآثار بصماتها واضحة للعيان خلف كلّ جريمة ومجزرة وإرهاب تشهده المنطقة طيلة العقود الماضية وحتى يومنا هذا.. كما انها ليست المرة الأولى التي يتنكرون فيها لعباءة الدين، ولعباءة الوهابية القاتلة التي طالت بها كل فكر حرّ أراد أن يكون الدين نصيحة وهدياً، لا اتّباعاً أعمى لمشايخ السلاطين والحكّام، أولئك الذين عهدنا بهم أنَّ أصواتهم كانت "تلعلع" فوق المنابر وفي الساحات تحريماً وتحليلاً، حتى يكاد ينطبق عليهم قول الشاعر: "كان الحرامُ وما تحلّ حلالاً".
مهرجانات الضلالة والخزي والعار والفسق والفجور باتت اليوم السمة الواضحة لبلاد الحرمين الشريفين، بطريقة لا يصدقها حتى الأنظمة العلمانية في العالم وبات الشارع السعودي من معلقاً من رقبته أو خاضعاً لسيف الحرابة بالعشرات في ظل مهرجان الصحراء وموسم الرياض واحتفالات رأس السنة الميلادية وكذا "الهالوين" ويكند الرعب وزي الشر، السمة الأكثر معروفية بفضل الذباب الإلكتروني لمحمد بن سلمان والإعلام المأجور الذي عرف بمحاباته وتصفيقه لسلطة المال والنّفط في بعض الأنظمة التي أبدعت منذ نشأتها بتحييد كلّ من يعارضها أو يخالف أهواءها السياسية والدينيّة والاجتماعيّة واضطهاده ومعاداته، وصولاً الى قتله ونشره.
اكتسحت شوارع المملكة ظواهر بشرية وهي ترتدي الأزياء التي تحاكي أبطال أفلام الرعب والشخصيات الخارقة في الاحتفالية بعيد الهالوين التي بدأت في الـ31 من أكتوبر، حيث ارتداء أقنعة وملابس مخيفة، وكائنات مثل الأشباح والسحرة والهياكل العظمية ومصاصي الدماء.. ما تعكس الصورة الحقيقية للسلطة السعودية الحاكمة وما يعانيه ابناء الجزيرة العربية من مظالم وقمع وقتل وإخفاء قسري واعتقالات بالجملة وقطع للرؤوس في ظل انشغال المجتمع والإعلام بإنعكاس صور عن هذه المهرجانات البلية وغير الاخلاقية سمح لها سياسياً ودينياً لأول مرة في بلاد الوحي والتنزيل وذلك منذ سطوة "الدب الداشر" على السلطة بكل جوانبها وإحكام قبضته الحديدية عليها في 2017.
تسارعت الأحداث على المستويات كافة داخل المملكة واصطدمت محاولات ابن سلمان بعد وصوله ولاية العهد، بحواجز عديدة لم تسمح له بتلميع صورته كما أراد، والتغطية على سياسة القمع التي انتهجها منذ وصوله للحكم، فحاجات المجتمع السعودي باتت تتجاوز «مكرمات وانفتاح» ولي العهد، ولا توضع في خانة «التطور أو الحداثة» التي يتكرم بها الأمير الشاب على رعيته، كالسماح للمرأة بقيادة السيارة مثلا، أو فتح دور السينما، وغيرها من الأمور التي ظن من خلالها ابن سلمان أن بإمكانه التعمية على سياساته الداخلية، وخنقه للحريات، أو الإيحاء بأنه استطاع لجم المؤسسة الدينية وتطويعها، فأتجه نحو بناء الملاهي والمراقص وإقامة جملة الاحتفالات الماجنة المختلطة لتبييض سجله الدامي لكن دون جدوى ايضاً.
"ويكند الرعب" صفة تنطبق بكامل معنى الكلمة على عقلية وسيرة وسياسة محمد بن سلمان تجاه المجتمع وحتى أفراد الأسرة الحاكمة طالما هناك من يعارضه في بلوغه العرش، أو يطالب بحرية الرأي والتعبير والعدالة والمساواة، ونقض التمييز الطائفي والقبلي والأسري القائم على نظام حكم آل سعود منذ بداية سطوتهم على الجزيرة العربية وحتى يومنا هذا، ليظهر بشكل قبيح ووقح أكثر من ذي قبل على عهد نجل سلمان المدلل الذي لن يتوانى حتى في كبح جماح أعمامه وأبناء عمومته وأقرب المقربين اليه.. سعياً منه الى السلطة المطلقة دون جدل ولن يبالي لأن تكون سمعته سيئة وتستعرض وحشيته في وسائل الاعلام، فما يهمه أن يخافه الجميع القريب قبل البعيد وسيف الحرابة الديني الرمز البارز لجداول الدم الجارية في السعودية - وفق ما كتبه «غرايم وود» على موقع «ذي أتلانتك».
المعتقلون في سجون "بن سلمان" باتوا إما يختفون وإما صدرت بحق العشرات منهم أحكاماً بالاعدام وقطع الرؤوس بتهم بالية صدرت على ضوء اعترافات انتزعت تحت التعذيب القسري الجسدي والنفسي وحتى التجاوز الجنسي على المعتقلين من كلا الجنسين، حيث ينتظر أكثر من 45 مواطناً من أبناء المناطق الشرقية والغربية وتبوك تنفيذ هذه الأحكام المجحفة الباطلة بين عشية وضحاها فيما الشارع السعودي تم اشغاله بهالوين وموسم الرياض ومراقصه ومخدراته وسكره وميعان شبابه وصمت أدعياء حقوق الإنسان عربياً وغربياً، تم شراء ذممهم بمال البترول المنهوب من لقمة عيش المواطن المغلوب على أمره والفقر تتجاوز نسبته أكثر من 25%، والبطالة تعدت 20% وفق احصائيات رسمية لمجلس الشورى تم التكتم عليها.
صحيفة "ميدل إيست مونيتور" وفي مقال لها سلطت الضوء على السياسات القمعية والوحشية التي يتّبعها محمد بن سلمان وخطواته الأخيرة، واصفة إياه بـ"المتغطرس والمتعجرف الذي فتّت المملكة" وقضى على ثلاثة أمور تمثّل عمادها: رجال الأعمال ورجال الدين والأسرة الحاكمة، تشبه ما جرى في المسلسل المكسيكي «Mexican soap opera». فأولى حلقاته بدأت بالإطاحة بولي العهد محمد بن نايف من منصبه، أعقبتها حملة اعتقل فيها المثقفون ورجال الدين المعتدلين.. فيما الحلقة التي كانت مليئة بالإثارة أكثر فهي قبضه على الأمراء من أبناء عمومته، حيث اُحتُجز المعتقلون داخل فندق «ريتز كارلتون» بعد إيهامهم بحفل عشاء مع الملك، وكان بمثابة العشاء الأخير الذي لم يتم؛ إذ جُرّدوا من هواتفهم ومتعلقاتهم الشخصية، ومن ثمّ مصادرة ممتلكاتهم بحجة الفساد.
مراقبون يؤكدون أنه في السعودية، حيث يسود الغموض، السياسيات الحكومية، بينما تجتاح التغييرات الاجتماعية جميع أنحاء البلاد، لم يكن الحدث الذي ترعاه الحكومة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مهرجانًا للهالوين، وفق تقدير نيويورك تايمز.. فمظاهر الاحتفال بعيد الهالوين في شوارع الرياض تشير الى التغير الحاصل في السعودية التي كانت تعتقل كل من يفكر في إحياء هذه "المناسبة الغربية"، وباتت مظاهر التحول "المخيفة" هي مظلة على القمع القهري والقسري الذي يعاني منه أبناء البلاد جراء سياسة محمد بن سلمان منذ أن بدأ ولياً للعهد وأصبح وريث العرش ورئيس الوزراء، سعياً منه في التخلص من القيود الاجتماعية واحدة تلو الأخرى للجم أفواه المعارضين في داخل الأسرة والمجتمع واخفائهم دون ضجيج إعلامي.
"لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية"، حذرت مرة اخرى من مجزرة جديدة في السعودية “مملكة الرعب والإعدام”. مشيرة الى خطورة الوضع الإنساني والحقوقي في المملكة، حيث تصاعد وتيرة صدور أحكام الإعدام من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، بحق عشرات المواطنين، لأنهم مارسوا حقهم بالتعبير عن آرائهم وإبداء وجهات نظرهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر الخروج في مسيراتٍ سلمية تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء الوطن.. كاشفة عن أن "أحكام الإعدام الجماعية صدرت بحق عدد كبير من المعتقلين من بينهم القاصر "يوسف المناسف" وآخرين.
الكاتب الأمريكي الشهير "نيكولاس كريستوف" كتب في مقال له قبل ايام، إن ولي عهد السعودية محمد سلمان “ألد أعداء السعودية” وهو يستمر في إخفاقاته السياسية، بطريقة تضر بالمملكة نفسها.. ولي العهد المتهور تخبط في غزوه لليمن، وخلافه مع قطر، وقتله للصحفي جمال خاشقجي.. وأخطأ بدعمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وهو السبب في تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة لبلاد البترول - وفق وكالة “فرانس برس”.. فيما موقع صحيفة (Byline Times) البريطانية، كتب أن محمد بن سلمان المعروف باسم MBS مستعد لسجن وقتل أي شخص بقوة منقطعة النظير، ويمتلك سجلاً إجرامياً يفوق الكثير من الحكام الديكتاتوريين الاخرين.
ارسال التعليق