أزمة #السودان : فشل أميركي سعودي مشترك وتنافس شرس بين المحمدين
بقلم: حسن الطالب...
مرّت حتى اليوم مئة يوم على اندلاع القتال في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص، وفق إحصائيات محلية رائجة، وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم وإلى زيادة حادة في أعمال العنف المدفوعة عرقياً وإلى تشريد أكثر من ثلاثة ملايين سوداني.
يأتي كل ذلك، فيما يقيم ممثلون عن كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية لإجراء محادثات ترمي إلى التوصل لهدنة، إلا أنه لا توجد دلائل على إمكانية نجاح النظام السعودي في دفع الطرفين إلى وقف القتال والسعي لتحقيق السلام.
السودان: فشل غربي:
في الأصل، فإن جوهر الصراع في السودان هو محلي الصنع، ونتيجة لمشاكل لم يتم حلها منذ عقود: صراع على الموارد ونهب للسلطة من قبل بعض الفاعلين السياسيين وقبل كل شيء العسكريين في البلاد، وهذا يفتح نافذة واسعة على التدخلات الخارجية من قبل اللاعبين والمؤثرين في السودان، مثل الولايات المتحدة الأميركية والنظام السعودي والإمارات ومصر.
رغم ذلك، فقد أرتكب الغرب أخطاء تجاه السودان منذ عام 2019، يوم تمت الإطاحة بحكم عمر البشير. وتقول مصادر غربية إن الخطأ الأكبر في هذا الصدد تمثل في عدم مشاركة قطاعات كبيرة من المجتمع المدني في المفاوضات والمحادثات الرسمية. بل جرى بدلاً من ذلك، الاعتماد بشكل كبير على الجيش. هذا الرأي يؤيده الكثير من الناشطين المدنيين داخل السودان اليوم.
انتقاد سياسة الغرب تجاه السودان في السنوات الأخيرة، يطال بالمقام الأول الإدارة الأميركية، التي أرادت الاحتفاظ بعلاقات وثيقة بين طرفي الأزمة في السودان، وأصرت على وصف الانتقال الذي تم في البلاد بأنه "بقيادة مدنية"، ولكن كثر اعتبروا الأمر خطأ فادحاً في التقدير، فالانتقال في السودان لم يكن بأي حال من الأحوال مدنياً.
حرب بالوكالة بين المحمدين:
ليس الغرب وحده مسؤولاً، فمع دخول القتال في السودان شهره الرابع وعدم ظهور أي بوادر على انحسار المعارك، صار واضحاً أن الصراع بين البرهان وحميدتي ليس مجرد نزاع داخلي، بل يمتد إلى منافسة بين الإمارات والنظام السعودي لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.
عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار في السودان انتهكها كل من قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع. فالسودان يعتبر جسراً يربط الشرق الأوسط وأفريقيا، وموارده الطبيعية الوفيرة، تعني أن معركة الخرطوم اتخذت بعيداً إقليمياً.
وفي هذا الصدد، قالت "فورين بوليسي"، إن النظامين السعودي والإماراتي يعتبران أن "الحرب فرصة لترسيخ مكانتهما المهيمنة في الشرق الأوسط". لذلك، تدعم الرياض البرهان فيما تدعم أبوظبي حميدتي.
وترى المجلة الأميركية أنه بالنظر إلى الشرعية الدولية للبرهان، فإن فرص انتصار قوات الدعم السريع على الجيش السوداني ضئيلة. وترجع أن البرهان وحميدتي يؤسسان مناطق سيطرة متنافسة في السودان تحاكي الوضع في ليبيا، حيث أدى التنافس المستمر بين مختلف الفصائل السياسية والعسكرية إلى خلق دولة مجزأة ذات مراكز قوة متعددة.
وفي مثل هذا السيناريو، ذكرت المجلة أن "قوات الدعم السريع ستكون شوكة في خاصرة البرهان وفاعليه الخارجيين، ما يمنح الإمارات نفوذا إضافيا في مستقبل البلاد ويساعد على ترسيخ أبوظبي كقوة بارزة ناشئة في الخليج".
والرياض وأبوظبي، وكلاهما عضو في مجلس التعاون الخليجي، كانا حليفين ظاهريين لعقود، لكن علاقتهما الحالية أصبحت تتعلق بالمنافسة على السيادة الإقليمية التي تتصاعد الآن. وفي السنوات الأخيرة، وسع الطرفان من المنافسة بينهما لتشمل أفريقيا، خاصة السودان لما تتمتع به من موقع استراتيجي وموارد متعددة.
ولعبت دول الخليج دورا مهما في السودان منذ الإطاحة بالبشير، ومولت أبوظبي والرياض على الفور المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة، بما قيمته 3 مليارات دولار من المساعدات. وفي ذلك الوقت، كانت المصالح السعودية والإماراتية في السودان متوافقة بشكل عام. وانتزعت الدولتان تنازلات من الخرطوم، منها تقديم السودان دعما عسكريا للنظام السعودي في عدوانه على اليمن، كما توسطت الإمارات في انضمام الخرطوم إلى اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وباعتبارهما من القوى المهيمنة الناشئة في الشرق الأوسط، فالنظامان السعودي والإماراتي الآن على خلاف، فكل منهما يسعى للسيطرة على موارد السودان وطاقته وبوابات الخدمات اللوجستية من خلال التوافق مع البرهان وحميدتي، على التوالي.
فقد اكتسبت الإمارات الثقة في حميدتي، لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا نشطين في جنوبي اليمن، منذ عام 2015. وفي عام 2019، توسعت إلى ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر، أحد القادة المنافسين في البلاد المدعوم من أبوظبي. وبينما تعاون النظام السعودي مع مصر في دعم البرهان، تعاونت الإمارات مع روسيا في دعم قوات الدعم السريع من خلال مجموعة فاغنر شبه العسكرية، التي تعمل في السودان منذ عام 2017، عندما وقعت عقودا مع وزارة الموارد في البلاد لمشاريع في دارفور، حيث كانت قوات الدعم السريع نشطة.
لذلك كله، تقول "فورين بوليسي" إن "سقوط السودان تحت سيطرة البرهان أو حميدتي، وبالتالي إما منطقة النفوذ السعودي أو الإماراتي، من شأنه أن يغير ميزان القوى في الخليج ويصعد التوترات بين الرياض وأبوظبي. لكن من غير المرجح أن تكون نتيجة الحرب بهذا الوضوح، إذ من المتوقع تكرار سيناريو ليبيا، بحيث سينقسم السودان إلى مناط قوى مختلفة ربما على أساس الانتماءات العرقية والقبلية".
فشل سعودي أميركي:
فشل جديد سجله النظام السعودي ومن خلفه الادارة الأميركية، هذه المرة في السودان. إذ لم تنجح جهود إدارة بايدن مع النظام السعودي في إنهاء إراقة الدماء في السودان أو حتى الحفاظ على وقف إطلاق النار، ولم يقدم البيت الأبيض أي إجابة فيما إذا كان هناك أي شيء يمكن فعله لوقف ما يحدث، باستثناء التصريحات الدبلوماسية حول رغبتها في رؤية وقف للنار وتقديم المساعدات الإنسانية والانتقال إلى السلطة المدنية.
تقول العديد من المصادر الإعلامية الأميركية، إنه لم تكن هناك أي مفاجأة في الفشل الأخير، فما هو إلا استمرار للنهج الأميركي الفاشل تجاه السودان منذ فترة طويل، أُضيف إليه راهناً الدور السعودي.
ولما كانت واشنطن قد أعلنت مراراً أن الحل الدبلوماسي هو المطلوب لحل النزاع في السودان، وليس الحل العسكري، وقالت إنها واصلت الضغط على الجانبين وفرضت قيوداً على التأشيرات كما فرضت عقوبات اقتصادية، وأيّدها النظام السعودي في ذلك، حتى بدا الطرفان كمن شكّل غرفة عمليات موحدة لإدارة الصراع السوداني. ظهر ممثلا أطراف الصراع، البرهان وحميدتي، في مفاوضات جدة مَن يحرص في الغالب على نوع من التقرب إلى السعوديين والأميركيين، بدلاً من استخدام هذه المنصة بشكل موثوق للتوصل إلى اتفاق.
في الواقع، لم تنجح واشنطن والرياض في العثور على حل من خلال القنوات السياسية، حيث تم تعليق محادثات جدة، التي وجد الكثير من المراقبين الأميركيين أنها لن تحقق طموحات إدارة بايدن العلنية بجلب الديمقراطية إلى السودان ولكنها قد تكون أقرب إلى الطموحات السعودية بتحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة. كما لاحظوا أن إدارة بايدن قد تستخدم مباحثات جدة كوسيلة للمساعدة في التقريب بين شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الكيان الصهيوني، ويمكن أن تكون المحادثات أداة ليس فقط لتحقيق الاستقرار في منطقة البحر الأحمر ولكن لحرمان روسيا والصين من ذلك.
لكن علاقات واشنطن مع مصر والنظام السعودي والإمارات متوترة بالفعل، ما سيزيد التهديد بالعقوبات من نفور الحلفاء للتعامل مع الأزمة وتقليل التوترات.
سباق مصري اثيوبي:
بعد الفشل السعودي الأميركي والذي أدى إلى تعليق مباحثات جدة، التي أظهرت تعثّرا في حل الأزمة السودانية الممتدة منذ منتصف أبريل الماضي، دخلت مصر وإثيوبيا في سباق للدخول على خط الأزمة السودانية في محاولة لانتزاع موافقة من قادة الجيش وقوات الدعم السريع على مبادرة لقبول الوساطة تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النار، يمهد لترتيبات أمنية وسياسية طويلة الأمد تشمل انسحاب المقاتلين من وسط المدن، وإقناعهم بالعودة إلى الثكنات، وبدء رسم المسار السياسي بمشاركة مدنية، أملا في إحياء الاتفاق الإطاري الموقَّع في ديسمبر الماضي.
ترى القاهرة وأديس أبابا أنهما تمتلكان الحق الحصري البديهي في الوساطة بسبب الجيرة الجغرافية والتأثر المباشر بما يحدث في الجارة السودان في ظل كثرة الوسطاء الذين طرقوا أبواب الخرطوم، لكن مساعيهم لم تُوفق رغم امتلاكهم جزءا وافراً من مفاتح التأثير، وجعبة ممتلئة من العقوبات الجاهزة. سعت كلتا الدولتين لحجز مقعدها في التفاوض، والوصول منفردة إلى الحل، لجني ثمار وساطتها منفردة، مثلما نجحت إثيوبيا في المرة الأولى عقب الإطاحة بالبشير، وهي التجربة التي لا تريد القاهرة تكرارها.
بالنسبة إلى مصر، لم يكن هناك سبب آخر للانتظار بعد أن أخَّرت خطواتها منعا لحدوث شرخ في الصف العربي بعد المبادرة السعودية، لكن بعد إعلان فشل المباحثات رسميا، مضت القاهرة في خطواتها على الفور، واستضافت قمة دول جوار السودان، ووجهت دعوة رسمية لإثيوبيا، لكنّ الأخيرة لم تؤكد الحضور في البداية، ولم تسعَ لإبراز أهمية التحركات المصرية، لأنها في المقابل، استضافت أول اجتماعات اللجنة الرباعية الأفريقية التي شكَّلتها قمة مجموعة "إيغاد" من إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان وكينيا، على مستوى رؤساء الدول والحكومات بتمثيل أميركي، دون التفات لمبادرة القاهرة، ودون الإشارة حتى إليها.
ارسال التعليق