أزمة الكيان الصهيوني تُقلق النظام السعودي: التطبيع في خطر!
بقلم: منصور العلي...
لم تهدأ عاصفة الأزمة الداخلية التي تعصف بالكيان الإسرائيلي بسبب الخلاف على إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساعي حكومته الرامية على إقرار تشريعات تحدُّ من استقلال المحكمة العليا، ما بدا أن الكيان على وشك الانزلاق إلى الهاوية.
الاختلاف شديد بين الحكومة والمعارضة في الكيان. إذ تسعى الحكومة للسيطرة على المحكمة لفرض أهدافها اليمينية المتطرفة والدينية، أما المعارضة فتسعى لحماية استقلال المحكمة لإحباط مرامي الحكومة. وبين هذا وذاك يتعالى الجدل حول هوية الكيان ومستقبل خططه الرامية للتطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها النظام السعودي، خصوصا في ظل تنامي الخلاف بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
أزمة عميقة:
وترى حكومة نتنياهو اليمينية أنها ما دامت فازت بالانتخابات عبر صناديق الاقتراع، فإن لديها الحق في تنفيذ برنامجها، ولكل حزب في الائتلاف الحاكم نصيب من أهداف التعديلات القضائية، فالصهيونية الدينية تريد الحدَّ من تدخل المحكمة لتحصل على ما تريد من أراضي الضفة الغربية المحتلة، والأحزاب الدينية الأرثوذكسية تريد منع المحكمة من إرسال طلاب المدارس الدينية إلى الجيش، أما نتنياهو فيريد منعها من إرساله إلى السجن إذا أُدين في القضايا المتهم بها.
في المقابل، ترى المعارضة العلمانية أن صيانة استقلال المحكمة العليا لا غنى عنه لحماية ما يرونه "ديمقراطية إسرائيل" وأسلوب العيش فيها. وقد بلغت المعارضة انتصاراً كبيراً بتعليق هذه التعديلات لفترة، وما زال لديها مئات الآلاف من المتظاهرين الذين باشروا النزول مرة أخرى إلى الساحات العامة، علاوة على جنود الاحتياط، الذين هددوا بعدم الخدمة في الجيش، ورجال الأعمال الذين هددوا بمغادرة الكيان.
وفي غمار الانشغال بكل هذه القضايا والخلافات، لم يعد لدى صناع السياسة في الكيان طاقة للتعامل مع الأزمات الخارجية، التي يوشك تفاقمها على إثارة عاصفة كبرى من الاضطرابات. فقد تدهورت الأحوال في الضفة الغربية المحتلة والقدس، وسط تزايد الاحتكاك بين المستوطنين وقوات الاحتلال من جهة، والفلسطينيين أصحاب الأرض من جهة أخرى. كما وُضعت جهود التطبيع في ثلاجة انتظار المشهد النهائي في الكيان مع الحرج الذي أصاب عرب التطبيع إزاء ضبابية المشهد في الكيان من جهة، وإيغال نتنياهو في سياساته العدوانية والاستيطانية بحق الفلسطينيين.
وفيما يواصل المستوطنون الصهاينة شن الهجمات العنيفة على الفلسطينيين وحرق منازلهم وممتلكاتهم، يتصدى المقاومون الفلسطينيون لاقتحامات قوات الاحتلال، ولا يردعهم وعيدها، ووزراء الحكومة الإسرائيلية المتطرفون يحرضون شباب المستوطنين على الإرهاب ويغضون الطرف عما يرتكبونه.
حرج المطبّعين:
في وسط هذا المشهد، يقف النظام السعودي، كجزء من المحور الذي يضمّ دولاً ذات تفكير متشابه تسعى إلى تحقيق أهداف منسّقة في السياسة الخارجية، تتشارك الدوافع الاستراتيجية مع الإمارات والبحرين إزاء الكيان الصهيوني، في موقف المرتقب. ولا يخفى أن النظام السعودي يتعاون وتل أبيب سرّاً وعلانية في المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية، لكنّ للمملكة ظل التطورات المتسارعة تتبلور للنظام حساباته الخاصة في ما يخص استعداده لجعل العلاقات مع الكيان الصهيوني رسمية، رغم الإشارات الصادرة عنه، وعن الشريحة التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يتجه بوضوح نحو مقاربة مختلفة مع الكيان لا تستثني تطبيع العلاقات حتى قبل التوصل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية.
وكمثال، يُضعف نهج الحكومة الإسرائيلية العلاقات مع الأردن، ويقوِّض خطوات التقدم في اتفاقات التطبيع مع الدول العربية وعلى رأسها النظام السعودي. وقد حذرت الإمارات علناً من التبعات غير المحمودة لإذكاء الصراع مع الفلسطينيين، ورفضت تحديد موعد لزيارة نتنياهو المقررة لأبوظبي. أما النظام السعودي الذي كان نتنياهو يأمل في انضمامه إلى دائرة التطبيع، فمالَ، ولو مرحلياً، إلى المصالحة واستئناف العلاقات مع عدو الكيان الصهيوني، إيران.
وفي الحديث عن إيران، فهي تضع المزيد من الضغوط على تل أبيت والرياضي معاً، إذ تواصل مسيرتها نحو بلوغ العتبة النووية، وزعم مسؤولون أميركيون مؤخراً أنها تحتاج إلى 12 يوماً فقط لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم للاستخدام في صنع قنبلة نووية. وقد تمكنت طهران في الوقت الراهن من تخطي محاولات العبث الإسرائيلية السعودية الأميركية للعبث في أمنها الداخلي، وتجاوزت تحركات تخريبية عمت أرجاء البلاد، وأقامت تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين.
تدهور العلاقات الإسرائيلية الأميركية اجتماع هذه العوامل كلها يستدعي إنذاراً بالخطر لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد اعتمدت الولايات المتحدة طويلاً على الكيان الصهيوني، وأغدقت عليه المساعدات العسكرية السخية. لكن، بحسب فايننشال تايمز، فإن هذا الدور الإسرائيلي ما انفك يتآكل، ليس فقط بفعل الانقسام الداخلي وأزمة التعديلات القضائية، بل أيضاً بسبب إصرار حكومة نتنياهو على المضي في خطط بناء المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأجيج التوتر مع واشنطن بشأنها.
يقول آرون ديفيد ميللر، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمفاوض السابق للسلام في الشرق الأوسط بوزارة الخارجية: "هذا (الوضع) لا يشبه أي أزمة أخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". و الأسابيع الأخيرة غيرت بشكل كبير تصورات الولايات المتحدة عن نتنياهو، مقلِّلةً الثقة بشكل كبير لدى مسؤولي إدارة بايدن في إمكانية احتواء الخلافات مع الزعيم الإسرائيلي وحكومته اليمينية.
التطبيع في خطر:
وفي ظل عدم الاستقرار في الكيان الصهيوني وأميركا، وتضاؤل اهتمام واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط، يقول باحث في مؤسسة “الحقيقة من أجل الشرق الأوسط” الأميركية الموالية للكيان: إن اتفاقات التطبيع في خطر. وذكر الباحث بالمؤسسة جوزيف إبستين في مقال له بمجلة نيوزويك (Newsweek) الأميركية أن الأمر لدى الإدارة الأميركية الحالية و"إسرائيل" لم يعد يتعلق بتوسيع هذه الاتفاقات، بل بالتأكد من عدم تفككها.
ووصف إبستين اتفاقات التطبيع بأنها “أعظم إنجاز سياسي أميركي في المنطقة”، فالدافع الرئيسي للموافقة على هذه الاتفاقات لدى بعض الدول العربية، وعلى رأسها النظام السعودي، هو الاعتقاد المبالغ فيه بأن الطريق إلى أميركا يمر عبر "إسرائيل".
ومع ذلك، فقد أظهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنها مهتمة أكثر باتباع سياسة عدم التدخل المتزايد في الشرق الأوسط، مما دفع دول المنطقة إلى البحث عن ضمانات للاستقرار من القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا، والتفكير في تقليص علاقاتها بالكيان.
لكن عدم الاستقرار داخل الكيان الإسرائيلي وضعف حكوماته وتآكل التماسك الاجتماعي فيه أثار قلق بعض الدول العربية الموقعة على اتفاقات التطبيع. فمنْح حكومة نتنياهو كثيرا من السلطة لمتطرفين مدفوعين بالأيديولوجيا، وعدم استجابة نتنياهو للتعليقات التحريضية التي أدلى بها عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش؛ عوامل أثارت مخاوف الدول الموقعة على اتفاقات التطبيع بشأن مصداقية نتنياهو بوصفه شريكا.
من ناحيتها، أصبح أن دول الخليج العربية حذرا متزايدا إزاء الديمقراطيات التي تعدّها غير قادرة على ضمان التزاماتها وطول أمدها غير مؤكد، “هذه الدول تقدر الاستقرار والقوة. وإسرائيل لا تتوقع ذلك في الوقت الحالي”، بحسب إبستين. وهنا، يتساءل ريان بول، الكاتب في "ستراتفور": هل "الديمقراطية الليبرالية التقليدية" في الكيان الصهيوني، كما هي مبنية اليوم، مناسبة لمواجهة تحديات البيئة العالمية التي شكلتها منافسة القوى العظمى؟ ليجيب: بالنسبة للبعض داخل الكيان على الأقل، الإجابة هي لا.
ارسال التعليق