أوراق صنعاء الرابحة لإنهاء عدوان تحالف الرياض
السفير محمد محمد السادة
عقلية سطحية ومتخبطة تسيطر على مواقف الرياض وسياستها في المنطقة لاسيما في عدوانها على اليمن ،وتتجلى بعض جوانب تلك السطحية في المؤتمر الصحفي الهزلي الأخير للناطق بأسم ما يُسمى التحالف العربي تركي المالكي الذي سحب فيه جزء كبير من الإتهامات الموجهة لإيران بشأن تدخلها في اليمن والتي ظلت تُردد طوال سبع سنوات من العدوان على اليمن وتحويل وإلصاق تلك التُهم بحزب الله،حيث يعتقد ساسة الرياض مخطئون أن التقارب مع طهران من شأنه التأثير سلباً على محور المقاومة كإضعاف حزب الله وإخضاع لبنان، و إفساح المجال لرفع وتيرة التصعيد العسكري ضد صنعاء دون رد رادع.
المرحلة القادمة من شأنها إثبات أن أي نجاح للمحادثات بين الرياض وطهران، وعودة العلاقات بين البلدين، أو التوصل لإتفاق دولي بشأن الملف النووي الإيراني لن يكون له تأثير سلبي مُباشر على صنعاء ،بل قد يُلقي بظلال إيجابية على المنطقة وأمنها الجماعي،كما أن تقارب الرياض وطهران من شأنه أن يكشف إستقلالية القرار لدى صنعاء،ومدى مصداقية التُهم حول تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وحقيقة مواقفها المبدئية والمعلنة تجاه قضايا المنطقة كالقضية الفلسطينية والعدوان على اليمن، لاسيما وأن مواقف إيران المُستمدة من مبادئ ثورتها الداعمة للشعوب المستضعفه، والرافضة للهيمنة والتدخل تظل محل تشكيك خصومها.
في الوقت الذي تنحسر فيه خيارات العدوان ويبدو فيه إعادة التصعيد العسكري ضد صنعاء مجرد محاولات يائسة توفر لصنعاء فرصة سانحة للردع في إطار ما تملكه من خيارات مفتوحة ،و بنك أهداف يمتد في العمق الحيوي للسعودية والإمارات، حيث تملك صنعاء وقواتها القدرة على مواجهة التصعيد بتصعيد أكبر، والردع بعمليات عسكرية نوعية برية وجوية أو حتى بحرية ذات فاعلية كُبرى على غرار ما أحدثته عملية إستهداف منشأت أرامكو في خريص وبقيق ، وقد تتجه صنعاء وفق ما تقتضية الضرورة والمصلحة الوطنية نحو إستخدام أهم أوراقها الرابحة من خلال إستراتجية نقل ثقل المعركة إلى العمق السعودي وإسقاط المدن .
الحدود الطويلة المترامية الأطراف بين اليمن والسعودية أكبر نواحي الإنكشاف والضعف التي تٌقرها الرياض، وبذات القدر تُمثل أبرز الأوراق الرابحة والمؤجلة لصنعاء التي أصبحت قوات صنعاء تتمركز على طول مناطق الشريط الحدودي لمحافظاتها الشمالية مع السعودية عدا مأرب التي تخوض فيها قوات صنعاء المرحلة الأخيرة من معركة إستعادة مركز المدينة .
سبق أن أثبتت قوات صنعاء قدرة عالية على نقل المعركة إلى العمق السعودي، وسهولة إجتياز قواتها للحدود التي يدافع عنها مجاميع من المرتزقة، بل و وصلت قوات صنعاء إلى مشارف مُدن نجران وجيزان وعسير الحدودية في إطار تكتيكات الكر والفر والإستنزاف،لذا قد يستدعي التصعيد العسكري الهستيري لتحالف عدوان الرياض في هذه المرحلة إتخاذ القيادة الثورية والسياسية لصنعاء قرارا حاسما ينقل جزء من ثقل المعركة إلى عمق الأراضي السعودية بتكتيكات وإستراتيجية جديدة تصل بمستوى الإستنزاف للرياض المثقله بالأعباء المالية إلى الحد الأقصى ،و تُمكن قوات صنعاء من توغل عسكري واسع ومستمر يهدف لإسقاط وإستعادة مُدن في إطار مناطق سعودية “بالضم” ،لكنها تظل يمنية الأصل تاريخياً.
يظل التوغل العسكري البري لقوات صنعاء في العمق السعودي أكبر هواجس الرياض كونه يُعزز الصورة المهزوزة للنظام داخلياً وخارجياً ويُعيد للأذهان الهزائم المدوية للجيش السعودي التي تلقتها على يد قوات صنعاء في وقت كانت تحتل السعودية المرتبة الثالثة عالمياً من حيث حجم الإنفاق العسكري الذي بلغ 70 مليار دولار عام 2020 ليتراجع بفعل الإستنزاف العسكري إلى المرتبة التاسعة عالمياَ العام القادم 2022 بحجم إنفاق عسكري يبلغ 48.58 مليار دولار وفق تقرير منشور على موقع سي ان ان بتاريخ 16 ديسمبر الجاري،كما أن قدرة الرياض اليوم على توفير دعم عسكري عربي وإسلامي أو حتى غربي لحماية حدودها أصبحت محدودة،لاسيما في ظل التفكك التدريجي للتحالف العسكري الدولي الذي تقوده في عدوانها على اليمن منذ سبع سنوات، وإدراكاً منها لهذا الإنكشاف بادرت الرياض مُبكراً بعرض تفاهمات على صنعاء لتأمين حدودها،و كانت أولى تلك التفاهمات عام 2016.
في إطار المعطيات السابقة فالرياض غير قادرة على تحمل تكرار سقوطها عسكرياً داخل حدودها،و تبدو أكثر إستعداداً لأي عمليات عسكرية كُبرى تقوم بها صنعاء ضدها في البحر كتلك التي إستهدفت بوارجها، أو في عمقها كتلك التي تستهدف منشأتها الحيوية،حيث ترى الرياض في مثل هذا النوع من الهجمات فرصة يُمكن توظيفها بمعية حليفتها واشنطن لتأليب المجتمع الدولي ودفعه لإتخاذ إجراءات تصعيدية ضد صنعاء من خلال تصنيف عملياتها العسكرية الدفاعية بأنها إرهابية تستهدف المصالح الدولية وإمدادات الطاقة وأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
بضوء أخضر من واشنطن تستآنف الرياض تصعيدها العسكري ،ويُكثف تحالفها غاراته الجوية على المدن اليمنية في ظل قرار أمريكي بإستئناف صادرات السلاح للنظام السعودي ،يُرافق ذلك توجه مكشوف نحو مزيد من الذرائع لرفع وتيرة التصعيد والضغط على صنعاء للحيلولة دون إستكمال قواتها إستعادة ماتبقى من مدينة مأرب ،وقبولها برؤى منقوصة للسلام لاتُلبي الحد الأدنى من مطالبها المشروعة لإحلال السلام العادل والشامل لليمن والسعودية،والتي تتمثل في الوقف الفوري للعدوان، وفصل المسار الإنساني عن السياسي كمدخل لبناء إجراءات الثقة وهو مايقتضي إنهاء الحصار ، ومن ثم توفير أرضية مشتركة للمفاوضات تقوم على تجاوز التحديات التي تقف أمام السلام والتسوية كالقرار الأممي 2216 ومايُسمى بالمرجعيات الثلاث،مع ضمان إنهاء تواجد القوات الأجنبية،و تحمل دول التحالف مسؤولية جرائمها التي إرتكبتها ، بالإضافة لإلتزامها بدفع التعويضات وجبر الضرر ، وإعادة الإعمار .
رغم زخم الحراك الدبلوماسي الذي تشهده مسقط لإحلال السلام في اليمن، لاتبرح مساعي المبعوث الأممي الجديد هانس جروندبرغ سقف رؤى واشنطن ومبعوثها إلى اليمن تيموثي ليندر كينج،فيما أصبح الموقف الروسي أكثر نضجاً وإيجابية وإن إرتبط في توقيته بالتوترات القائمة بين موسكو وحلف الناتو حول أوكرانيا، فقد دعت روسيا المجتمع الدولي خلال جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول اليمن للإعتراف بالواقع الجديد ، والمتغيرات في ميزان القوى التي يستحيل معها التسوية في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2216،كما كشف مندوب روسيا خلال الجلسة حقيقة الموقف الغربي المستند على مصالحه الضيقة قائلاً ” إن الدول الغربية ترفض إيجاد حلول للأزمة اليمنية، و تظهر إستعداد للتضحية بوحدة مجلس الأمن الدولي في قضية اليمن”، كما رفض المندوب الروسي إستخدام العقوبات ضد طرف معين من أطراف النزاع قاصداً بذلك الحصار المفروض على صنعاء.
ختاماً، على تحالف واشنطن-الرياض وهو يُصعد ضد صنعاء أن يستحضر نتائج التصعيد من خلال إعادة قراءة التاريخ لسبع سنوات من عدوانه لتتجلى مرارة الهزيمة الكبيرة التي تجرعها على يد صنعاء التي واجهت تحالف لأكثر من 15 دولة إمتلك كل الإمكانات المادية والعسكرية والبشرية الهائلة والكافية لحسم المعركة والسيطرة على اليمن أرضاً وإنساناً، إلا أنه فشل ،ولم يكن السبب في أن اليمن لديه إمكانات مادية وعسكرية تفوق ما حشدوا له ،بل كان السبب في ما قدمته صنعاء للعالم من فلسفة صمود فريد لشعب عظيم إستمد التفوق والنصر من رصيده الإيماني والأخلاقي ومن إرثه الحضاري والثقافي،وتلخصت فلسفة صمودة في قول سماحة قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ” لينتظروا المستحيل، والله لأَن نتحول إلى ذرات تُبعثر في الهواء أشرفُ لدينا وأحبُّ وأرغبُ إلينا من أن نستسلمَ،.. تنزع الروح من أجسادنا دون أن تُنزع العزة والكرامة من مبادئنا وأخلاقنا” ،وبهكذا فلسفة تظل صنعاء محتفظة بأقوى الأوراق الرابحة التي يفتقدها الأعراب والطارئون على التاريخ والمنطقة.
كاتب ودبلوماسي يمني
ارسال التعليق