الاشتباك الألماني السعودي.. ضربة جديدة لصورة المملكة
من يتابع أجواء العلاقات الألمانية والسعودية يرى أنها منذ نهاية العام الماضي وبداية العام 2018 ليست بأفضل حالاتها، وإنما تتعرض لتوتر ملحوظ نتيجة الانتقادات الواضحة والمباشرة من قبل المسؤولين الألمان للسياسات السعودية في الداخل والخارج لا سيما ما تعلق بحملات الاعتقالات التي نفتها السلطات بأمر مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وطالت مجموعة كبيرة من رجال الدين والأعمال وصولا لأفراد من العائلة السعودية بينهم أسماء كبيرة لها ثقلها الاقتصادي دوليا كالوليد بن طلال، بالإضافة إلى احتجاز رئيس حكومة لبنان سعد الدين الحريري وإجباره على تقديم استقالته وما تركه ذلك من استياء نتيجة التصرف غير اللائق وغير الدبلوماسي في العلاقات الدولية، الأمر الذي لم تتقبله بأي شكل ألمانيا.
والانتقادات الألمانية للمملكة تركزت بشكل أساسي على الحرب التي تقودها على اليمن مع كل ما يحصل هناك من انتهاكات لحقوق الإنسان وقتل عشوائي وضرب البنية التحتية للدولة اليمنية وازدياد في الأزمات الإنسانية والطبية هناك، كل ذلك دفع بالحكومة الألمانية إلى اتخاذ القرار بوقف تصدير الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن، ومن ضمنها السعودية والإمارات، وذلك التزاما بقرار الائتلاف الذي تشكل بين التحالف المسيحي الألماني بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي بوقف تصدير الأسلحة لكافة الدول المشاركة بشكل مباشر في حرب اليمن.
انزعاج سعودي.. ولكن؟!
الموقف الألماني أزعج قيادة المملكة التي عبرت عن استيائها إزاء وقف صادرات الأسلحة الألمانية للدول المشاركة في الحرب على اليمن، حيث اعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن "قرار ألمانيا هو قرار غريب"، ولفت إلى أنه "بإمكان الرياض إيجاد الأسلحة في مكان آخر"، وأوضح أن "بلاده غير معتمدة على الأسلحة الألمانية"، وخاطب الألمان "لا نحتاج إلى أسلحتكم وسنجدها في مكان آخر".
ويأتي الموقف الألماني بعد الاعتراضات التي سجلت في بريطانيا ضد زيارة وزير الدافع السعودي محمد بن سلمان إليها على خليفة الحرب في اليمن والجرائم التي ترتكب هناك بحق الإنسانية، كما ارتفعت الأصوات لوقف بيع السلاح البريطاني للمملكة، وقد وقعت عريضة داخل مجلس العموم بهذا الخصوص، كل ذلك أدى إلى تأجيل زيارة محمد بن سلمان حيث أعلن أنه سيتم التحضير لها بشكل جيد.
أضرار إضافية واهتزاز صورة المملكة..
وتضاف هذه المطالبات اليوم بوقف تصدير السلاح للمملكة إلى العديد من المطالبات التي سبق أن برزت منذ بدء الحرب على اليمن منذ ما يقارب الـ3 سنوات لا سيما في كندا وبعض الدول الأوروبية نتيجة المخالفات القانونية والإنسانية الجسيمة التي ترتكب هناك، هذه المواقف السابقة مضافة إلى الموقف الألماني الجديد والحاسم كلها ستصب في خانة زيادة الضغط على المملكة السعودية وستساهم بتشويه صورتها أكثر أمام الرأي العام الدولي، ويؤكد مسؤوليتها عن كل الانتهاكات التي ترتكب في اليمن ولا مجال لها للتنصل أو رمي المسؤولية على غيرها من الدول، خاصة أن تحالف الحرب على اليمن تشكل بقرار سعودي مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان الذي أعلن عنه شخصيا وألزم العديد من الدول بإعلان موافقتها عليه.
كل ذلك قد يفتح الباب على مصراعيه للإضرار بمصالح المملكة التي تعلن في كل يوم عن رؤى وخطط جديدة للانفتاح وجذب الاستثمارات والمستثمرين الأجانب، وبالتالي فالخلاف مع دولة كألمانيا سيؤدي إلى مزيد من الاهتزاز في صورة المملكة اقتصاديا أمام رؤوس الأموال الألمانية وغير الألمانية، كما أن الحديث عن الحريات وترك الناس لإقامة الحفلات والتركيز على تفعيل الجانب السياحي هو من المسائل التي ستلقى خسائر بمعاداة الألمان والأوروبيين، كما أنها ستثبت أنها مجرد دعاية فارغة من المضمون لأن من يرتكب انتهاكات جسيمة وفاضحة في اليمن والداخل ويتورط بكل هذه الجرائم لا يمكن تصديق كلامه عندما يتحدث عن انفتاح حقيقي بالداخل ولا يعطي مؤشرات وتطمينات للأجانب بأن المملكة باتت موطنا للحقوق والحريات.
الملاحقات القانونية.. والحماية الوهمية
كما أن كل ما يجري مع التوثيق اليومي للجرائم المرتكبة في اليمن قد يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية وقضائية بحق المملكة ومسؤولين سعوديين وآخرين مسؤولين في التحالف ضد اليمن، برفع دعاوى ضدهم لمسؤولياتهم وارتكاباتهم هناك، ولو بعد سنوات كما يجري اليوم في الولايات المتحدة بخصوص قانون جاستا وأحداث 11 أيلول، حيث ترفع الدعاوى لمقاضاة المسؤولين السعوديين والمملكة عن دعمهم الإرهاب، ولذلك قد نجد ولي العهد السعودي والفريق الذي نظر ومهد وساهم بإطلاق الحرب على اليمن موضع محاكمة في يوم من الأيام سواء في ألمانيا أو غيرها من الدول التي تسمح قوانينها بملاحقة مسؤولين ارتكبوا جرائم في دولة أو دول أخرى، ولكن كيف يمكن تصور أن أحد الأشخاص الذي يعد نفسه والمحيط وكل شيء في الدولة كي يخلف والده الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز سيصبح محلا للملاحقة والتوقيف والمحاكمة؟
والأكيد أن كلام الجبير يصب في خانة تثبيت التهم على المملكة أكثر مما يساهم في تلميع صورتها، وربما الرجل يعتمد اليوم على الحماية التي تؤمنها الإدارة الأمريكية بوجود الرئيس دونالد ترامب وصهره جيراد كوشنير ولكن ماذا سيفعل الجبير وباقي المسؤولين السعوديين لا سيما المتورطين في حرب اليمن عندما يرفع الغطاء الأمريكي عنهم ويذهب ترامب وصهره من البيت الأبيض، وأي حماية سيتظللون بها بعد ذلك، كلها أسئلة برسم الرأي العام السعودي الذي يجب أن يرفع الصوت للمطالبة بوقف تشويه صورة الدولة لأغراض سياسية وطموحات فردية لبعض الأشخاص
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق