التصهين السعودي من البديهيات التي لا يمكن إنكارها
تبنى الإعلام السعودي منذ السابع من أكتوبر 2023، خطابا إعلاميا متحررا من أي قيود. فلم تمنعه مشاهد مجاز القتل والدمار والإبادة من تحميل مسؤولية الإجرام الصهيوني إلى "حماس"، واتهام الأخيرة بالإرهاب، وكذا الضغط للتضييق عليها ومعاداتها.
وبطبيعة الحال، لا يمكن لمثل هذا النهج الإعلامي إلا أن يترافق مع حملة تخوين إلكترونية للمقاومة في غزة ولبنان. وهذا ما دأب على إتمامه المئات من كتّاب البلاط خلال فترة زادت عن عام من عمر الحرب.
أكد الناشط الحقوقي عادل السعيد، في تطرقه إلى دور الإعلام السعودي المواكب لطوفان الأقصى وتغطيته للأحداث، أن الإعلام السعودي "غير مستقل ويمثل وجهة النظر الرسمية". وأردف قائلاً "منذ سنوات والسعودية تمهد للتطبيع مع إسرائيل وفي ذات الوقت تجتهد في تشويه صورة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وسخّرت في سبيل ذلك موارد كبيرة، ولكن جاء طوفان الأقصى بشكل مفاجئ وبعثر كل أوراق الحكومة السعودية. وعليه، ما يمارسه الإعلام السعودي اليوم من تشويه للحقائق والانحياز الواضح للرواية الإسرائيلية هو استكمال لمشروع التطبيع الذي تعمل عليه السعودية منذ عدة سنوات بشكل علني".
ورأى السعيد أن "السعودية لا يمكن أن تعترف بانتصار أي طرف على إسرائيل، أو فشل الأخيرة وعجزها عن تحقيق أهدافها في لبنان أو غيرها". وذكّر بموقف "السعودية" خلال حرب تموز، "على الرغم من اعتراف القيادات الإسرائيلية بانتصار حزب الله وفشلهم في تحقيق أهدافهم، استمرت السعودية بالترويج لانتصار إسرائيل وهزيمة حزب الله".
وعن تأثير اوضاع المنطقة، سيما في غزة ولبنان، على تغييب الواقع الحقوقي في "السعودية" عن التداول، شدّد المدافع عن حقوق الإنسان على "أن الإبادة في غزة والحرب على لبنان شكلت محور الاهتمام الإعلامي والشعبي في المنطقة، لأنها أكبر وأوسع وتتعلق بأمن ومستقبل المنطقة على المستوى الاستراتيجي، ما جعل العديد من القضايا في المنطقة تتراجع إلى الوراء ولا تحظى باهتمام بارز كما في السنوات الماضية، ومن بينها الواقع الحقوقي في السعودية، الذي لا يزال في حالة سيئة للغاية، سواء ملف الإعدام الذي وصل هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة أو ملف الاعتقالات التعسفية والمحاكمات المسيسة"، مبديا اعتقاده بأن "الحالة الحقوقية والسياسية في السعودية ستأخذ نصيبا أكبرا من الاهتمام إذا ما توقفت الحروب في المنطقة".
لقد أثارت المشاهد المنقولة من فعاليات موسم الرياض، بالخصوص الاستعانة بمجسم شبيه للكعبة في أحد عروض الأزياء، إلى استياء كبير في صفوف الرأي العام العربي. إذ أتت هذه المشاهد بالتوازي مع مشاهد القتل والدمار في غزة ولبنان. بالنسبة للحقوقي السعيد فإن "الرأي العام العربي يتفاعل بشكل آني مع الإهانات المتكررة للشعائر الإسلامية وقيم المجتمع، لكنه غير منظم ما يجعله غير قادر على التأثير على السياسات السعودية، كما هو الحال مع شعب الجزيرة العربية".
أما عن الخطاب السياسي السعودي والموقف المتخاذل تجاه فلسطين، فقد اعتبر السعيد أنه "منحاز بوضوح للرواية الإسرائيلية، ويسعى لتشويه القضية الفلسطينية وكسر إرادة شعبه وتأليب مكوناته على بعضها البعض"، لافتا إلى أنه "أثر بشكل مرحلي على وعي الشعوب العربية، وسرعان ما جلب السخط والغضب على دول التطبيع". ورأى السعيد أن"هذا الوعي المرحلي بحاجة لقيادات ومؤسسات من شأنها حراسة وتطوير هذا الوعي كي لا يتراجع ويتم العبث به وادخاله في صراعات داخلية لإضعافه وتشتيته من أجل إعادة السيطرة عليه مرة أخرى".
ورداً على كل ما أتينا على ذكره، أتت حملة التصدي لطشف التصهين السعودي باعتبارها "خطوة أولى توعوية عن خطر سياسة التصهين على المجتمع والمنطقة، وهي تأتي في توقيت مهم خاصة في ظل حرب الإبادة على غزة، ومفاوضات التطبيع المستمرة بين السعودية وأمريكا"، بحسب الحقوقي عادل السعيد.
يُذكر أن قناة "العربية"، شكلت النبراس الأساس لإدارة دفة الخطاب الإعلامي السعودي، حيث استضافت المتحدث باسم الجيش الصهيوني دانيال هاغاري، ولم يكن هذا الاستقبال الأول للقناة السعودية لشخصية إسرائيلية، بل سبق وأن استضافت القناة أفيخاي أدرعي وهو رئيس وحدة قسم الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، وكذا أطلّ المتحدّث السابق باسم حكومة الكيان، إيلون ليفي، على شاشتها وعلّق على منصة “إكس” قبل المقابلة قائلاً: “أنا على وشك الظهور على التلفزيون السعودي، وتغطيتهم أكثر إنصافاً من عدد من وسائل الإعلام الغربية”.
لم تكفِ هذه الشهادة الإسرائيلية لقناة “العربية” فقد نشرت صحيفة “هآرتس” مقالًا تحت عنوان “ثورة قناة العربية”. صفق المقال للـ”العربية”، واصفاً إيّاها بأنّها “بديلة للأصوات المناهضة لإسرائيل في وسائل الإعلام العربية”، و”ناطقة بلسان وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان”. وأشار أيضًا إلى “تعاون إسرائيل في نقل الرسائل إلى القناة”. وأضاف: “هذا جزء من القصّة العظيمة لقناة “العربية”، التي تناضل من أجل تشكيل الوعي الجماعي في دول الخليج، ولا تتورّع عن عرض سياسات الجانب الإسرائيلي. وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن القناة أجرت في شباط/فبراير مقابلة مع تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السابق، تناولت آفاق التطبيع في المنطقة، علاوة على ذلك، قامت باستضافة حادة لرئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، بعد عملية طوفان الأقصى، وطرحت عليه أسئلة لا تطرح في العالم العربي، ومنها التساؤل حول “إمكانية الاعتذار للمدنيين الإسرائيليين عن الهجوم”.
ارسال التعليق