النظام السعودي يشطب شارع الثورة عن لائحة شوارع القطيف
بقلم: حسن الطالب...
دمغ النظام بالدم إسم "الملك عبد العزيز" على شارع الثورة في القطيف. رسميا، "شطب آل سعود شارع الثورة من سجلات الأماكن، في محاولة لنسفه من سجلات الذاكرة وما يعنيه. وكي لا يكبر طفل قطيفي ويسأل: لماذا سمّي الشارع بهذا الإسم؟
لايزال شارع الثورة في حي العوامية ندبة يسعى آل سعود لإخفائها، بما كشفه من هشاشة للنظام. في تشرين الأوّل 2022، بدأت "أمانة المنطقة الشرقية" تنفيذ فصل جديد من "مشروع تطوير شارع الملك عبد العزيز"، مستهدِفةً هذه المرّة "شارع الثورة" الذي انطلقت منه انتفاضة عام 2011، والذي يحتضن 28 معلماً أثرياً وعدداً من المساجد والأوقاف الشرعية
وفي صباح السادس عشر من سبتمبر/أيلول 2023، بدأت الجرافات السعودية عمليات تجريف البيوت والبنايات والمحال المطلة على شارع الثورة بعد أسابيع من عمليات تجريف واسعة داخل حي الشويكة. وما استهداف “شارع الثورة” في وسط القطيف مَهْد الحرك السلمي المطلبي، سوى استهداف لماهيّة الحراك وإرثه وآثاره.
وعلى الرغم من أن المسار المعلن لخطة الهدم عبر البلدية كان يقتصر على شارع الإمام زين العابدين، حيث تم الإعلان عن هدم 13 مبنى في شهر مايو/أيار 2023، إلا أن قوات النظام السعودي وسعت من هامش الانتقام لديها وتوغلت ناحية البلدات التاريخية القديمة، تحديداً بلدات الجش وأم الحمام والملاحة، البعيدة كلّيا عن الشارع المستهدف ضمن خطة التجريف. هذا ولم يتورع النظام السعودي من تهديد العائلات التي امتنعت عن الخروج من أحياء “شارع الثورة”، حتى تجد بديلا لمنازلها الآيلة للهدم، وتوعد باستخدام القوة لإخراجهم بعظ حظر الدخول والخروج من وإلى تلك الأحياء. ووزعت القوات السعودية منشورا توعدت فيه باستخدام القوة المسلحة كما حدث في العوامية عام 2017 في حال لم يخرج المواطنون من بيوتهم.
عند ذكر انتفاضة الكرامة الثانية عام 2011، لا يمكن أن لا يتبادر إلى ذهن أي قطيفي أو متابع للملف "شارع الثورة"، لما يمثله من رمز للتحركات الشعبية. الشارع الذي شهد أوسع التحركات الشعبية وأوسع عمليات القمع في آن، من قبل قوات النظام السعودي، في زمن وزير الداخلية الأسبق محمد بن نايف آل سعود.
ضجّ الشارع حينها بشعارات مثل: "الموت لآل سعود" ، "يسقط يسقط بن نايف"، "فليسمع رأس الدولة هيات من الذلة" ،"بالروح بالدم نفديك يا قطيف ". شعارات عكست حجم الكبت والمعاناة المتراكمة على مرّ السنين، ليحمل الشيخ نمر ابقر النمر هموم ومطالب مريديه ويرفعها بالصوت ومعه الآلاف من المؤمنين بخيار المواجهة السلمية وضرورة التخلص من الخوف الذي دأب النظام السعودي على تربيته في النفوس.
سقط نايف وانتهى على يد ابن عمه، محمد بن سلمان، في اللحظة التي قرر فيها سلمان تعيينه وليا للعهد في أبريل/نيسان 2015. نهاية الرجل "القوي" أتت لتمهد الطريق نحو إحكام بن سلمان قبضته على الحكم.
لم يغيّر بن سلمان في استراتيجية التعامل مع أبناء القطيف والأحساء، بل ظلّت حاضرة ضمن سياساته التوسعية ولوّ أتت بشكل معاكس لرؤية 2030 وادعاءات الانفتاح والتسامح الديني التي شملت اليهود، لكنها لم تشمل أبناء الطائفة الشيعية. رفع بن سلمان منذ إمساكه فعليا بالحكم من مستوى الإعدامات، بحيث لم تعدّ تقتصر على أبناء القطيف بل تجاوزتهم لتشمل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي والأكاديميين من المطالبين بالإصلاح، ورجال الدين الرافضين لقرار "ولي الأمر" بـ "قلب وجه المملكة" وإباحة المحرمات.
ما يتعرض له شارع الثورة اليوم، من تغيير لمعالمه واسمه وتهجير قاطنيه وهدم كل ما يمكن أن يحيي ذاكرة أبناء القطيف بمرحلة ذهبية من الاحتجاجات لهو فعل واع غرضه نسف أحد أهم معلم من معالم انتفاضة القطيف والأحساء والتي انطلقت منها المظاهرات في المنطقة عام 2011، واستهداف لماهيّة الحراك وإرثه وآثاره.
تحت شعار "التنمية والتطوير"، ينتهج النظام السعودي مسارا مدروسا لإبعاد أبناء المنطقة عنها، تهجيرهم رغما عنهم أولا، ودفعهم نحو الانتقال إلى مناطق أخرى بقرارهم الخاص في مرحلة لاحقة بعد مضاعفة جرعات الضغط والحصار بأساليب منع البناء، ورفع كلفة الإيجارات، الامتناع عن مدّ المناطق بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وتعبيد الطرقات.
مكن اختصار واقع الحال الذي وصلت إليه المنطقة وأهلها بغياب سياسة الإسكان في القطيف وحضور سياسة الهدم، فسكان المناطق هذه هم على موعد غير محدد لكن خطره دائم. وسط وصم أهالي وشباب هذه المناطق بالإرهابيين، لتسهيل نسب أي تحرك رافض قد يقومون به، إلى الاتهامات التي اعتاد عليها آل سعود. ومحاولة تشتيت النسيج الشيعي واستهداف إحداث تغيير ديموغرافي في هذه المناطق الغنية بالموارد. مع مساع متتالية لطمس الهوية التاريخية للمنطقة. يجدر التنويه، أن الجرافات التي تعمل على الهدم، تعمل في غياب إجراءات السلامة المعتمدة عالميا وهي احاطة البناء المراد هدمه بسور مرتفع وتزويده بوسائل الإضاءة الكافية واللوحات التحذيرية اللازمة أما واقع الهدم الآليات تعمل والسيارات تسير وسط الأبنية المتساقطة ما يهدد بشكل مباشر حياة المارة ويؤكد عدوانية القوات القائمة على عملية الهدم، كما الجهات التي أرسلتها.
ارسال التعليق