بعد إغلاق الحرم المكي.. آل سعود يواجهون كابوس إلغاء الحج والعمرة
التغيير
تسبب فيروس كورونا المستجد الذي ينتشر في أصقاع العالم في حالة من الخوف والهلع من تحوله إلى وباء عالمي، خصوصاً في المناطق التي تشهد اكتظاظاً واسعاً أو تجمعات جماهيرية.
حالة من الذعر في نحو 80 بلداً، دفعت سلطات مجموعة من البلدان الإسلامية لاتخاذ إجراءات خاصة فيما يتعلق بدور العبادة، وصلت إلى حد إغلاق مطاف الحرم المكي في الجزيرة العربية، وإغلاق كنيسة المهد في فلسطين، ومنع صلاة الجمعة في مساجد عدد من الدول.
وفي حدث تاريخي، وغير عادي، ظهر الحرم المكي في مكة المكرمة وهو خالٍ تماماً من المعتمرين والطائفين أثناء تعقيمه، في سابقة هي الأولى من نوعها، بعد أن علقت المملكة رحلات العمرة وزيارات المسجد النبوي الشريف كإجراء وقائي ضد فيروس كورونا .
ولعل قرار إغلاق الحرم المكي وفتحه وقت الصلوات فقط، وتعليق المملكة العمرة، تأتي ضمن سلسلة من القرارات التي من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على خطط المسلمين والاقتصاد السعودي بذات الوقت.
إغلاق الحرم المكي
في 5 مارس 2020، أعلنت سلطات آل سعود إغلاق الحرمين الشريفين ما بين صلاتي العشاء والفجر، ضمن ما قالت إنها "إجراءات احترازية لمنع العدوى"، وذلك بعد تسجيل البلاد خمس إصابات بفيروس كورونا المستجد، وفق تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التابعة لآل سعود (واس) عن مصدر مسؤول في الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
كما أوضح المصدر: "وفق الإجراءات الصحية الاحترازية الموصى بها من قبل الجهات المختصة، ولأهمية المحافظة على نظافة الحرمين الشريفين لمنع انتشار العدوى، ولضرورة تكثيف أعمال التنظيف والتعقيم في الحرمين الشريفين وذلك في غير أوقات الصلاة، تقرر إغلاق الحرمين الشريفين بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة".
المصدر السعودي قال أيضاً إنه "سيتم إغلاق صحن المطاف حول الكعبة المشرفة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة، وستكون الصلاة داخل المسجد فقط".
وتابع المسؤول: "يشمل قرار تعليق العمرة مؤقتاً للمواطنين والمقيمين، جميع القاطنين في مدينة مكة المكرمة، حيث لن يسمح للمحرمين بدخول المسجد الحرام والساحات المحيطة به"، وأردف: "كما تقرر عدم السماح بالاعتكاف والافتراش، أو إدخال الأطعمة والمشروبات، وسيتم إغلاق مشارب ماء زمزم".
كما أشار إلى أن "الإجراءات الاحترازية تشمل إغلاق المسجد القديم في الحرم النبوي الشريف، بما فيه الروضة الشريفة، وغلق مقبرة البقيع"، دون تحديد مدة هذه الإجراءات.
تعليق العمرة والسياحة
وسبق قرار إغلاق الحرم المكي، قرار آخر ضمن ما أسمتها المملكة "إجراءات احترازية"، وذلك بتعليق دخول الجزيرة العربية لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف بشكل مؤقت.
وقالت وزارة خارجية آل سعود، يوم الخميس (27 فبراير 2020)، إن الإجراء هو لتوفير "أقصى درجات الحماية من فيروس كورونا المستجد وسلامة المواطنين والمقيمين وكل من ينوي أن يفد إلى أراضي المملكة".
كما قررت سلطات آل سعود تعليق الدخول إلى الجزيرة العربية بالتأشيرات السياحية للقادمين من الدول التي يشكل انتشار فيروس كورونا فيها خطراً، وفق المعايير التي تحددها الجهات الصحية المختصة بالمملكة.
وأضاف بيان الخارجية أنه سيتم "تعليق استخدام المواطنين السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بطاقة الهوية الوطنية للتنقل من وإلى المملكة".
وأشار البيان إلى أنه سيتم "استثناء السعوديين الموجودين في الخارج في حال كان خروجهم من المملكة ببطاقة الهوية الوطنية، ومواطني دول مجلس التعاون الموجودين داخل المملكة حالياً، ويرغبون في العودة منها إلى دولهم، في حال كان دخولهم ببطاقة الهوية الوطنية، وذلك لتتحقق الجهات المعنية في المنافذ من الدول التي زارها القادم قبل وصوله إلى المملكة، وتطبيق الاحترازات الصحية للتعامل مع القادمين من تلك الدول".
وأكّدت سلطات آل سعود أن هذه الإجراءات مؤقتة، وتخضع للتقييم المستمر من قبل الجهات المختصة، كما تجدد دعمها لكل الإجراءات الدولية المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا.
ولفتت خارجية آل سعود إلى أن الجهات الصحية المختصة تتابع عن كثب تطورات انتشار فيروس كورونا المستجد، مؤكدة حرص آل سعود على تطبيق المعايير الدولية المعتمدة لوقف انتشار الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه.
وبالرغم من انتشار الفيروس بشكل كبير في دول الخليج لا يمكن التأكد تماماً من صحة عدد إصابات "كورونا" بالمملكة، خصوصاً أنها ممتدة على مساحة جغرافية واسعة، وأصبح أغلب جيرانها (الإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عُمان والعراق) فيها حالات إصابة.
مخاطر متوقعة
وفي المقابل، ستوثر قرارات إيقاف تأشيرات العمرة (أو الحج فيما بعد) على الاقتصاد السعودي أيضاً الذي يعاني من خسارات واضحة، بعد تأثير الفيروس على أسعار النفط، إذ تزامن ذلك مع كشف المملكة عن عجز يصل إلى 50 مليار دولار في الموازنة القادمة.
ويعد انتشار الفيروس في صفوف المعتمرين كارثة إنسانية كبرى فيما لو حدثت، بسبب الازدحام الكبير والتدافع، حيث بلغت أعدادهم في شهر رمضان (2019) نحو (7.2) ملايين معتمر من خارج المملكة، فيما تجاوز أعداد المعتمرين من داخلها مليون معتمر.
وتزداد أعداد المعتمرين في ما يعد "موسم العمرة" في المملكة، وهي أشهر (رجب وشعبان ورمضان بالتقويم الهجري)، وهو ما يوافق مارس وأبريل ومايو بالتقويم الميلادي لهذه السنة.
ومع انتشار المرض وتمدده من الصين شرق آسيا إلى إيران والخليج العربي في غربي القارة وعدم إيجاد أي دواء له حتى الآن قد يهدد الفيروس بإلغاء أجزاء من موسم العمرة الذي بدأ فعلياً بالمملكة بالإضافة إلى موسم الحج أو تخفيض أعداد الحجاج لأكبر قدر ممكن.
واقترب عدد الحجاج، العام الماضي، من 2.4 مليون حاج، أكثر من 1.7 مليون حاج منهم جاؤوا من خارج المملكة، حيث تستقبل المملكة واحداً من أكبر التجمعات البشرية في العالم بوقت واحد.
وفي موسم الحج تزداد حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الزكام والتهاب الرئة، بالإضافة إلى أمراض النزلة المعوية والإسهال وغيرها من الأمراض التي تعد في غالبيتها معدية، ما يعني زيادة احتمالية الإصابة بكورونا بين الحجيج فيما لو انتشر الفيروس بالمملكة.
خسائر كبيرة
لم يعد خفياً حجم المورد المالي الذي يشكله موسم الحج للسعودية، والذي يزيد عن 9 مليارات دولار ينفقها مليونان ونصف المليون من الحجيج.
وقدم ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان مقاربة اقتصادية جديدة من خلال رؤية المملكة 2030، تطمح إلى استضافة ثلاثين مليون حاج ومعتمر بإجمالي إيرادات يصل إلى 50 مليار دولار سنوياً حال تحقيق الرؤية، لكن كيف يربح آل سعود من الحج؟
بداية مع استصدار الحجاج لتأشيرات تبلغ قيمتها ألفي ريال سعودي – ما يعادل 533 دولاراً- على أن تتحمل الدولة هذا الرسم عن القادم لأداء الحج والعمرة لأول مرة، بعد أن كانت لا تتجاوز 350 ريالاً، بنسبة تضخم تصل إلى %500.
ولا تقل أدنى تكلفة مالية للراغب بأداء المناسك بإحدى الشركات عن 3456 ريالاً سعودياً- ما يعادل 921 دولاراً– لحجاج الداخل من فئة الحج الميسر.
البرنامج مصمم ليكون ذا تكلفة ثابتة لمن يرغبون المبيت خارج مشعر منى في عمائر سكنية في محيط مشعر منى، لكن المتوسط العام لأسعار الحج في برنامج الحج العام يتجاوز سبعة آلاف ريال سعودي (ما يعادل 1866 دولاراً).
يبلغ إجمالي تكلفة الحج بالنسبة للشخص الواحد من حجاج الخارج بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف دولار في المتوسط، فيما يبلغ متوسط إنفاق الحجاج على السكن والطعام والهدايا نحو 2500 دولار.
خوف ودعوات للتأجيل
ويُخشى في إطار الانتشار المتسارع للفيروس من انتقاله إلى قاصدي الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة لصعوبة التعامل مع الأمر في ظل الأعداد الضخمة الموجودة في بقعة صغيرة.
يضاف إلى ذلك انتشار دعوات في عدة دول عربية لتأجيل الذهاب إلى تأدية مناسك الحج والعمرة لهذا العام خشية إصابتهم بفيروس كورونا.
وسبق أن دعا إعلاميون وناشطون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إيقاف السماح للقادمين من خارج المملكة لأداء شعائر العمرة؛ كإجراء احترازي.
وقال الإعلامي وحيد الغامدي، يوم الاثنين (24 فبراير 2020)، في حسابه بموقع تويتر: "بعد أسبوعين سيكون وقت (عمرة رجب) التي يعتقد كثير من المسلمين ضرورتها وبعضهم من بلدان انتشر فيها الفيروس".
وأضاف: "أعتقد مع كورونا قد نحتاج لإيقاف العمرة والزيارة لمدة شهر أو شهرين للقادمين من خارج المملكة، حتى يتبين مصير هذا الوباء".
فيما علقت الكاتبة أريج الجهني على دعوة الغامدي بالقول: "ليس فقط العمرة كل الرحلات غير المستدعية للعلاج أو يستدعي عليها خسائر مادية فادحة يفترض إلغاؤها، الآن يمكن عقد الاجتماعات عبر التقنيات العديدة، المرض مستأسد وفي نوبة انتشار، ولا زلنا نتعاطى معه باستهتار، بل أحدهم أخذته نوبة شماتة وتندر! تخفيف الزيارات والسلام التقليدي مطلب".
ودعا الإعلامي المصري نشأت الديهي (محسوب على السلطة) إلى عدم تأدية مناسك الحج والعمرة هذا العام لاحتمالية وجود فيروس كورونا في أماكن مكتظة مثل الحج.
وتعد مصر الدولة العربية الأولى التي يفد منها حجاج إلى بيت الله الحرام كل عام، والرابعة عالمياً، وتصل أعدادهم إلى نحو 100 ألف حاج، فيما تتجاوز أعداد المعتمرين المصريين سنوياً نصف مليون معتمر، بحسب أرقام رسمية سعودية.
وفي 2 فبراير 2020، سارعت دار الإفتاء المصرية إلى إجازة ارتداء "الكمامة الطبية" مع لباس الإحرام وأنه لا فدية عليه.
وكانت وزارة الصحة والسكان المصرية حذرت المعتمرين من الحضور في أماكن الزحام والتجمعات الكبيرة أثناء أداء مناسك العمرة، مؤكدة ضرورة اتباع التعليمات الوقائية بارتداء الكمامات ذات اللون الأبيض التي تحمي من انتقال الفيروسات والأوبئة مثل كورونا.
في ذات الوقت تحدثت صحيفة "الشروق" الجزائرية (29 يناير 2020) أنه رغم الاحتياطات التي تحدثت عنها المملكة لحماية المعتمرين من فيروس كورونا فإن الخوف من العدوى يسكن في قلوب الجزائريين الراغبين بأداء هذه المشاعر.
ونشرت منظمة الصحة العالمية إرشادات ونصائح مؤقتة موجهة للسلطات التي يغادر منها الأشخاص المتوجهون إلى أداء شعائر العمرة أو الذين يودون الذهاب للحج فيما بعد، وكذلك موجهة لسلطات آل سعود، وهو يؤكد جدية خشية المنظمات العالمية أيضاً من انتشار الفيروس.
ارسال التعليق