آمال الخليج والصهاينة باستمالة روسيا ضد إيران تحطمها الحرب الأوكرانية
اعتبر الأكاديمي مارك كاتز، أستاذ الحكومات والسياسة بجامعة "جورج ميسون" الأميركية، أن اعتماد روسيا المتزايد، خلال حربها في أوكرانيا، على إيران للحصول على الدعم العسكري، قد يجبر دول الخليج و"إسرائيل" على إنهاء آمالهم في تلقي مساعدات من قبل موسكو في مواجهة طهران.
وشبّه كاتز، في تحليل نشره موقع "ناشونال إنترست"، "إسرائيل" والدول الغربية بالدول الأوروبية التي كانت تكره التخلي عن اعتمادها على الغاز الروسي بعد العملية الروسية الخاصة التي أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا.
واستعرض كاتز الأسباب التي تدفع "إسرائيل" والدول الخليجية إلى عدم التخلي على آمالهم بالحصول على دعم روسيا، مؤكداً أن تلك الدول وجدت الحماية الأميركية غير كافية، حيث لم تكن راضية عن محاولات الحكومة الأميركية إحياء الاتفاقية النووية مع إيران، وعدم رد واشنطن بشكل قوي على هجمات طهران بالمسيّرات عليها، بحسب قوله.
ومن ناحية "إسرائيل"، زعم الكاتب الأميركي أن لديها اتفاقاً لخفض التوتر مع روسيا، يسمح للدولة العبرية بضرب الأهداف الإيرانية وتلك المرتبطة بحزب الله اللبناني في سوريا. قائلاً: لو كانت موسكو قلقة حول التأثير الإيراني في سوريا، فإن السماح لـ"إسرائيل" بالحد مما يمكن لطهران وحلفائها الحصول عليه هناك يعتبر منطقياً.
ومهما كانت الدوافع الروسية للتعاون مع الدولة العبرية ضد إيران وحزب الله في سوريا، فإن "إسرائيل" تظل بحاجة ماسة لموسكو والإبقاء على الاتفاق قائماً.
لكل هذا ترددت "إسرائيل" بشجب الحرب الروسية في أوكرانيا، ومقاومة الدعوات لتقديم الدعم العسكري أو أية مساعدات للجانب الأوكراني.
الخليج وروسيا:
على الصعيد الخليجي، فإن حكومات تلك المنطقة الغنية بالنفط، مثل "السعودية" والإمارات، حاولت التخفيف من دعم موسكو لطهران عبر الاستثمارات في روسيا.
وفي الوقت الذي دفعت دول الخليج، وإن بشكل جزئي، للتعاون لكي تظهر استقلالها عن واشنطن، وكإشارة أنها قد تتعاون مع موسكو أكثر لو انتقدت الولايات المتحدة قادتها وسياساتها، إلا أن علاقات روسية قوية مع الإمارات و"السعودية" هي رسالة لإيران أن موسكو تقدّر علاقاتها مع دول الخليج ولا تريد من طهران تخريبها، بحسب مارك كاتز.
وقال إن طهران ليست راضية عن حجم التعاون الروسي مع أعدائها في الخليج و"إسرائيل"، لكنها مضطرة لأن تجامل وتتحمل. وبعد كل هذا فطهران غير مستعدة أو لا تستطيع التحول نحو الغرب وأميركا وتطلب المساعدة، معتبراً أن الصين تظل بديلاً غير متاح لإيران كمصدر للدعم لها، نظرا لعدم استعداد بيكين التدخل عسكرياً في قضايا المنطقة كما فعلت موسكو، ولأنها لا تريد تخريب علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج و"إسرائيل".
قلق خليجي ـ إسرائيلي:
وخلص كاتز إلى القول إن هذا الوضع تغير، مع زيادة اعتماد روسيا على إيران. فطهران لم تقدم طائرات بدون طيار لروسيا فقط، بل ساعدتها على كيفية استخدامها في الحرب بأوكرانيا أيضاً. وربما اشترت روسيا صواريخ باليستية قصيرة المدى من طهران أيضاً.
وكشفت التقارير الغربية عن تعاون عسكري أوسع بين البلدين، وافقت فيه طهران على بناء مصانع إنتاج لأسلحتها في روسيا. وربما وافقت موسكو على دعم طهران في مجلس الأمن، وعرقلت أي قرارات ضد طهران إثر ادّعاءات حول هجومها على جيرانها في الخليج.
ورغم كل هذا، فلن تتخلى لا "إسرائيل" أو دول الخليج عن أملها بأن تؤدي علاقات جيدة مع موسكو للحد من نشاطات إيران، وبالتأكيد فقد تخاف مما سيحدث لو لم تستمر في العلاقات الجيدة.
تحرّك إسرائيلي:
ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين القول إنهم "يأملون في استغلال التركيز الحالي على المساعدات التي تقدمها إيران للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا، كوسيلة لزيادة الضغط الدولي على طهران".
ولم يقف الكيان الصهيوني عند حدود القلق، بل تحرّك محاولاً مواجهة مخاوفه القادمة من ايران. وفي هذا الصدد، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، الأربعاء، نقلاً عن مسؤولين صهاينة وبرقيات صدرت عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن تل أبيب قدمت في الأسابيع الأخيرة ملفاً استخباراتياً حول عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا إلى سفاراتها في عشرات الدول الغربية، ومسؤولين كبار في حلف "ناتو".
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن وزارة الخارجية أرسلت في 20 أكتوبر الماضي، برقية سرية إلى عشرات السفارات الإسرائيلية في الدول الغربية تطلب منهم البدء في إثارة قضية نقل الطائرات المسيرة الإيرانية إلى روسيا، بالإضافة إلى احتمال نقل صواريخ باليستية. وأظهرت البرقيات أنه بعد فترة وجيزة، أرسلت الوزارة ملفا ًإلى السفارات نفسها تتضمن معلومات استخباراتية عن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن السفير الإسرائيلي في موسكو أثار القضية مع نائب وزير الخارجية الروسي، وعرض مخاوف إسرائيل في هذا الشأن. وأضافوا أن بلادهم ترغب بتنظيم مؤتمر دولي في "إسرائيل" حول انتشار الطائرات المسيرة الإيرانية، وأنهم بدأوا بمناقشة الفكرة مع الحلفاء.
وقال الموقع إن الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية الجديدة تمثل تغييرا في السلوك الإسرائيلي بشأن دور إيران المفترض في الحرب في أوكرانيا، والذي لم يتضمن حتى الشهر الماضي ضغطاً نشطاً بشأن هذه القضية لتجنب التوترات مع روسيا.
ويخشى الكيان الصهيوني أن تزود روسيا حليفتها إيران، بمنظومات تسليحية كالطائرات المتقدمة، ومنظومات دفاع جوي مثل "إس-400" وتقنيات حرب السايبر. كما يخشى من أنه إن لم تحتط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فقد تحوّل مسيرات إيرانية المستوطنات الإسرائيلية في أية حرب قادمة إلى "كييف ثانية".
لا ثقة ببايدن!:
ومما فاقم خطورة تعاظم التعاون الروسي الإيراني، في نظر الكيان الصهيوني، إصدار إدارة الرئيس الأميركي جون بايدن وثيقة "إستراتيجية الأمن القومي" الخاصة بها التي اعتبرت الصين التهديد الأول على الأمن القومي الأميركي بوصفها القوة التي تعمل على المس باستقرار النظام العالمي.
ففي مقال نشرته مؤخراً صحيفة "يسرائيل هيوم"، رأى تامير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أن سلم الأوليات الذي تمليه إستراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن لا يلزم الولايات المتحدة بالتحرك لمواجهة إيران إلا في حال عمدت إلى إنتاج السلاح النووي، مما يعني منحها ضوءا أخضر لتعزيز تمركزها في المنطقة بشكل يمس بمصالح تل أبيب.
لقد دفعت المخاوف من تعاظم التعاون الإيراني الروسي في أوكرانيا الكيان الصهيوني إلى إعادة النظر من موقفه من الحرب الأوكرانية الروسية، حيث إنه بات يبدي مؤشرات على تحرر حذر من الحياد ويتجه إلى تقديم دعم غير مباشر ومحدود لأوكرانيا.
فبعد أن امتنعت إسرائيل عن إدانة الغزو الروسي في المحافل الدولية، باتت لا تتردد في التنديد بالسلوك الروسي في أوكرانيا، حيث أعلنت عدم اعترافها بضم روسيا مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا لها.
واتجهت "إسرائيل" إلى محاولة تقليص رهان روسيا على المنظومات التسليحية الإيرانية، لا سيما المسيرات، من خلال تزويد أوكرانيا بمعلومات استخبارية تساعدها على التصدي لهذه المسيرات، كما كشفت "نيويورك تايمز".
لكن الصهاينة يبدون تردداً في تزويد أوكرانيا بمنظومات سلاح متقدمة. هذا التردد لا يعود فقط إلى مخاوفهم من ردة الفعل الروسي المباشر، بل إنهم تخشمن أيضاً أن تقع هذه المنظومات في أيدي الروس، الذين يمكن أن ينقلوها للإيرانيين مما قد يساعدهم على الاستفادة منها في بناء منظومات مماثلة أو بلورة حلول تكنولوجية لمواجهتها.
ورغم أن بنيامين نتنياهو الذي سيعود لتولي رئاسة الوزراء في الكيان قد صرح مؤخراً بأنه يدرس تزويد أوكرانيا بالسلاح، فإن سلوكه خلال فترة حكمه الطويلة يدل على أنه يتبنى سياسات حذرة على الصعيد الخارجي، مما قد يدفعه إلى التريث كثيرا قبل اتخاذ قرار من هذا القبيل.
وفي الوقت ذاته، فإن إسرائيل تبدي حذرا إزاء التداعيات الجيوبوليتيكية للصدام مع روسيا في أعقاب تقاربها الكبير مع إيران. فهذا الصدام سيفضي إلى تعزيز التعاون بين موسكو وطهران في ظل ضعف حضور وإسهام دول المنطقة التي ترتبط إسرائيل بها بعلاقات سلام وتطبيع أو علاقات سرية في الساحة الإقليمية، مما يزيد من حجم الأعباء على كاهل تل أبيب.
ارسال التعليق