أمن البحر الأحمر.. كيف يختبر الساحل الغربي لليمن معادلة التطبيع
تحمل "معادلة التطبيع" تأثيرات مهمة على التحالفات البحرية في الشرق الأوسط وخاصة في البحر الأحمر.
وتشير "معادلة التطبيع" هنا إلى التعاون المتنامي بين الإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة.
ولا يزال الهدف الرئيسي لهذه الدول هو مواجهة إيران وحلفائها ووكلائها مثل الحوثيين في اليمن.
ومع ذلك، فإن هذه الدول تظهر بشكل متزايد تصورات وسياسات مختلفة فيما يتعلق بطهران.
ومع بقاء الموقف الإسرائيلي دون تغيير، عاد الإماراتيون إلى الدبلوماسية أولا في سياستهم الخارجية في الوقت الذي يتحدث فيه السعوديون مباشرة مع الإيرانيين.
ويثير ذلك سؤلا حول رغبة وقدرة أبوظبي والرياض في التخفيف من موقف إسرائيل تجاه إيران؟
ومن المرجح أن يعتمد جزء من الإجابة على تطور الصراع في اليمن، خاصة على طول الساحل الغربي.
مناورات عسكرية بحرية غير مسبوقة:
وبتنسيق من القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، أجرت الإمارات والبحرين وإسرائيل مناورات عسكرية بحرية غير مسبوقة في البحر الأحمر في الفترة من 11 إلى 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ كنتيجة مباشرة لـ"اتفاقيات أبراهام" التي قامت أبوظبي والمنامة من خلالها بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب في عام 2020.
وتضمنت التدريبات تكتيكات "الهبوط والصعود والبحث والمصادرة" بهدف المساعدة على "ضمان حرية الملاحة والتجارة الدولية".
ونظرا لافتقارها إلى العلاقات الرسمية مع إسرائيل، تظل السعودية خارج هذه المعادلة.
ومن المرجح أن يقلل ذلك من الخيارات السعودية بالرغم من العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين.
وأثناء إجراء التدريبات البحرية التي استمرت 5 أيام، انسحبت القوات اليمنية المشتركة المدعومة من الإمارات من ميناء الحديدة (الميناء الرئيسي على البحر الأحمر) وجنوب المحافظة لتعيد انتشارها في خطوط المواجهة الأخرى، خاصة مأرب وشبوة.
وسمح الانسحاب بشكل غير مباشر بسيطرة الحوثيين على المواقع الشاغرة على الأرض مما يجعل "اتفاقية ستوكهولم" لعام 2018 على حافة الهاوية.
ولم يتم إبلاغ "بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة" (وهي البعثة المدنية التي تراقب تنفيذ اتفاقية ستوكهولم) بشأن انسحاب القوات المشتركة التي تشهد انقسامات بشكل متزايد بين عناصر الحرس الجمهوري التابعة لـ"طارق صالح"، وكتائب العمالقة، ومقاتلي "مقاومة تهامة" المحليين.
ولم تكن الحكومة المعترف بها دوليا على علم أيضا بهذه الخطط.
الساحل الغربي لليمن:
سوف تشكل ديناميكيتان مترابطتان النتيجة الجيوسياسية لـ"معادلة التطبيع" في البحر الأحمر، أي خفض التصعيد أو المواجهة مع إيران وحلفائها الإقليميين.
أولا: الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار وحرب الظل البحرية بين إسرائيل وإيران.
ثانيا: الوجود الدائم للحوثيين في الساحل الغربي لليمن وقدراتهم على ضرب وتعطيل أهداف في البحر الأحمر.
واعتمد الحوثيون "الطائرات بدون طيار" كأدوات للحرب الهجينة منذ عام 2017.
وبدون اتفاق دبلوماسي سريع لحل النزاع، سيعزز تواجد الحوثيين في الحديدة التهديد البحري، ما يضع مزيدا من الضغط على السعودية.
وقد استهدفت الزوارق الانتحارية ناقلات النفط ومنشآت الموانئ السعودية بما في ذلك ميناء جدة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أدى هجوم حوثي من طائرات بدون طيار وصواريخ إلى تدمير ميناء المخا اليمني إلى حد كبير.
وتم إغلاق البنية التحتية أمام الشحن التجاري منذ عام 2015، وكان من المقرر استئناف الأنشطة المدنية بعد إعادة التأهيل التي يحتمل أن تدعمها الإمارات. والآن، مع إعادة انتشار القوات المشتركة المدعومة من الإمارات بعيدا عن الحديدة، يتحول الموقف لصالح الحوثيين في المدينة، ما يزيد من العنف على الأرض وكذلك التوترات البحرية.
شركاء الأمن:
تأتي مواجهة التهديدات غير المتكافئة وحماية الأهداف الساحلية على رأس أولويات القوات البحرية الإقليمية في البحر الأحمر وما وراءه.
وتعد مصر أيضا جزءا من "معادلة التطبيع".
وقد زارت سفينة حربية أمريكية "قاعدة برنيس" في أغسطس/آب للمرة الأولى منذ افتتاحها.
وأكد المسؤولون الإسرائيليون أن النشاط البحري الإسرائيلي في المنطقة نما "بشكل كبير" خلال الـ3 أعوام الماضية، بما في ذلك نشر فرقاطات الصواريخ والغواصات.
وأطلق الأسطول الخامس الأمريكي (يقع مقره في البحرين ولكن منطقة مسؤوليته تشمل أيضا البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن) فرقة عمل جديدة وهي فرقة العمل 59. وتضم الفرقة الجديدة سفنا محمولة جوا وبحرا، وغواصات ذاتية القيادة.
ويعد الهدف هو زيادة الردع والوعي البحري، خاصة في المياه الضحلة، ومراقبة الأنشطة السطحية وتحت الماء.
وكانت البحرين أول شريك إقليمي يتعاون مع فرقة العمل الأمريكية 59 في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي تلك المناسبة، أكملت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية تدريب "نيو هورايزون"، الذي تضمن دمج السفن غير المأهولة مع السفن المأهولة في مياه البحر الأحمر للمرة الأولى.
الولايات المتحدة في إطار حوكمة الأمن الأحمر:
ويمكن أن تكون "معادلة التطبيع" أكثر تأثيرا على حوكمة أمن البحر الأحمر على المدى المتوسط والطويل من منتدى متعدد الأطراف مثل مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر والتي تضم إسرائيل ولا تشمل الإمارات.
وبالنسبة للولايات المتحدة، تعد التدريبات البحرية المشتركة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل خبرا سارا بالتأكيد.
ويمكن موازنة فك الارتباط بالشرق الأوسط من خلال تعزيز قدرات الدفاع والتعاون البحري في المنطقة.
وتؤكد التحركات الأمريكية الأخيرة على هذا الاتجاه.
وبعد "اتفاقات التطبيع"، نقل البنتاجون إسرائيل من القيادة الأوروبية الأمريكية إلى القيادة المركزية الأمريكية، لتعزيز التعاون الوثيق بين دول الخليج وإسرائيل.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وقعت واشنطن اتفاقية مبدئية مع السعودية لاستخدام القواعد الجوية والموانئ في غرب المملكة، مثل ينبع وتبوك والطائف.
وتسلط هذه الخطوات الضوء على نهج "الشبكة اللوجيستية المرنة" الذي يركز على مرافق الحلفاء الإقليميين ويعزز البنى الأمنية المتجذرة في المنطقة، وبالتالي يقلل من الحاجة إلى الوجود الأمريكي الدائم والمباشر.
تفاوت وجهات النظر بين الحلفاء:
وفي اليمن، أدى استيلاء الحوثيين على الحديدة بشكل غير مباشر إلى تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، ما يوفر لطهران منفذا محتملا على البحر الأحمر.
ويثير هذا التطور مخاوف في تل أبيب والرياض وحتى في أبوظبي لأن الإمارات لديها مصالح جيوستراتيجية مهمة في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب.
ومع ذلك، فقد تغيرت الرؤى السياسية والاستراتيجيات واللغة وتصورات التهديد بين الحلفاء في الشرق الأوسط خلال الأشهر الأخيرة.
وبقي فقط موقف إسرائيل تجاه إيران وحلفائها الإقليميين على حاله دون تغيير.
وعلى هذا النحو، تلعب التطورات على الساحل الغربي لليمن دورا حاسما في كيفية تشكيل "معادلة التطبيع" للخيارات الأمنية والحوكمة الأمنية على المدى المتوسط إلى الطويل في البحر الأحمر.
ارسال التعليق