أهالي القطيف يساندون نازحي العوامية لمواجهة معاناة الحصار والتهجير
نفّذت السلطات السعودية تهديداتها بهدم حي “المسوّرة” التاريخي وسط بلدة العوامية، وحوّلت البلدة والأحياء المجاورة إلى ما يشبه ساحة حرب حقيقية. سياسة انتقام طبّقتها السلطات على الأهالي عبر الآلة التدميرية والعسكرية للقوات التي وعلى مدى أكثر من 100 يوم عاثت عناصرها تدميراً وتخريباً وفتكاً بكل ما وقعت عليه أنظارها من البشر والشجر والحجر والحيوان..
يثول الأهالي بأن عساكر الداخلية السعودية الذين أطلقت أيديهم بلا ضوابط أو خطوط حمراء استجلبوا لاجتياح بلدة العوامية من مناطق خارج حدود القطيف والأحساء, بعد أن خضعوا طوال سنوات إلى تربية أيديولوجية وهابية تضخ في وعيهم الحقد الطائفي على الشيعة. القوات لم تكتفِ بالتدمير والتهجير بل عمدت الى سرقة ممتلكات ومقتنيات الأهالي من المنازل التي نزحوا عنها، بسبب وتيرة القصف المتصاعدة والرصاص الحيّ المصوّب على رؤوس المواطنين.
تفاقمت المعاناة الانسانية لأهالي العوامية مع تسعير الحصار العسكري للبلدة التي تعاني تبعات سياسات التهميش والحرمان من الخطط التنموية، اثر التمييز الطائفي الممنهج، غير أن ما تسبب به الحصار من أزمة معيشية للأهالي الذين أبوا الخروج من منازلهم، ولّد أزمة حادة في نقص المؤن الغذائية الضرورية والأدوية، ما دفع الأهالي داخل البلدة ومحيطها، الى التآزر وتشكيل اللجان الأهلية لجمع التبرعات والمساعدات والوقوف إلى جانب النازحين والمحاصرين لمواجهة الأزمات الانسانية.
في 4 أغسطس الحالي، أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية، تعميماً رسمياً يقضي بمنع الجمعيات الخيرية في منطقة القطيف من تقديم المساعدات للنازحين من بلدة العوامية، وهدّدت بسحب أي إعلان أو تغريدة تفيد عن استقبال أو تقديم المساعدة، وتذرّعت الوزارة بأن المستفيدين “خارج نطاق الجمعية الجغرافي”، تعليقاً على ذلك، أشار مصدر محلي، الى أن قرار المنع يكشف ادّعاءات السلطات حول ما نشرته عن تأمينها منازل للمتضررين، الأمر الذي لم يتوفر لمعظم النازحين، خصوصاً وأن أغلب المنازل التي تم تأمينها بحالة رديئة جداً، لا تصلح للعيش، وتفتقر لأدنى معايير السلامة الصحية والمعيشية، مبيناً أن دعوات السلطات للنزوح لم يكن هدفه سوى تهجير المواطنين.
منذ بدء الحصار أظهر المجتمع المحلي في العوامية والقطيف حالة تضامن وتعاضد في مساندة بعضهم لتجاوز محنة الاجتياح العسكري والحصار الذي طوق البلدة ومنع عن أهلها اجتياجاتهم الأولية، فانطلقت مبادرات أهلية متعددة سرعان ما انتظمت في لجان تعنى بإدارة وتيسير شؤون الحياة اليومية في البلدة وتأمين الاحتياجات الغذائية والطبية وخدمات النظافة والإطفاء.. الخ.
وبعد تهجير الأهالي، وتكبيدهم معاناة النزوح إثر ترك أرزاقهم وأشغالهم ومصادر رزقهم، وبقائهم في حالة حرجة لا يحسدون عليها، تضافرت جهود أهالي العوامية لجمع التبرعات للناجين من آلة الموت التي فرضتها قوات السلطة بالحصار، عبر مبادرات فردية لجمع التبرعات وتأمين مأوى للعوائل النازحة، وانتشرت رسائل المبادرين عبر وسائل التواصل الاجتماعية طالبة من الاهالي التواصل معهم، لاستضافتهم وتأمين ما يستطعيون من مقومات حياتية لهم، وتم نشر أرقام الهواتف والعناوين، وتتابعت الدعوات من مختلف مناطق القطيف لاستضافة النازحين وإيوائهم، وتجهيز منازلهم المؤقتة بالاحتياجات الأساسية.
ولم تقتصر المساعدات على تأمين مأوى للنازحين، بل اتسعت رقعة المساعدات لتشمل تأمين المؤون الغذائية، لمن هجّروا من بيوتهم، ولمن اختاروا البقاء رافضين سياسات التهجير، وجهّز الأهالي المعونات الغذائية لتوزيعها على أهالي العوامية، كذلك سعى أهالي القطيف لتأمين الأدوية والعلاجات للمواطنين من أهالي العوامية بعد إغلاق السلطات للمراكز الصحية داخل البلدة، بهدف تشديد الخناق على المواطنين والإمعان في إذلالهم.
فيما لجأ الكثير من الأهالي إلى مقاومة الحصار الغذائي بالاعتماد على أنفسهم والعمل على التصنيع الغذائي منزلياً، وتبادل المكونات الأساسية وطرق التحضير، وفي هذا السياق انتشر ما عرف بـ”خبز الحِصار” تعويضا عن فقدان منتوجات مخابز وأفران البلدة التي تم إحراقها وتدميرها ومنع دخول منوجات المخابز من خارج البلدة.
وبفعل ما سببه القصف الصاروخي والمدفعي من حرائق داخل البلدة وجوارها، وإغلاق مركز الدفاع المدني التابع للبلدة، كانت مبادرات الأهالي السبّاقة لاخماد النيران التي التهمت الكثير من الممتلكات والأرزاق أمام مرأى قوات السلطة ودون اكتراثها، فيما تعمدت اطلاق الرصاص في أحيان لتفريق الأهالي ومنعهم من اخماد النيران، “غير أن التعاون الأهلي حال دون تفاقم تلك الكوارث التي ارتكبتها آلة الحرب التدميرية لقوات السلطة” وفق ما أكد صاحب محل تجاري تعرض للحرق بقذائف المدرعات السعودية، مشيرا الى أنه على الرغم مما عانته البلدة من حصار وعدوان، ومع انقطاع الخدمات الأساسية عن البلدة من مياه وكهرباء وخدمات بلدية، فإن تعاون الأهالي الذين اعتمدوا على جهودهم وأموالهم الخاصة انطلقت لتأمين الحاجات وتعويض كل حرمان تسببته القوات الأمنية، وصولاً الى تأمين نظافة الأحياء ورفع النفايات، فقد تم استقدام عربات وحاويات على نفقة الاهالي والمتبرعين من أجل تنظيف الشوارع وعدم تراكم النفايات، كما أكد المصدر نفسه.
تجدر الإشارة إلى انطلاق مبادرات أخرى تهدف إلى رعاية أطفال العوامية ومساعدتهم على تجاوز الأضرار والكدمات النفسية التي تركتها شهور الحصار والحرب التدميرية, حيث أعلن يوم أمس عن تشكيل “لجنة براءة” التي ستتصدى لتنفيذ برامج العلاج والتدعيم النفسي على مدار الأيام القادمة.
وعلى الرغم من سياسات التهجير والتدمير التي اتبعتها السلطات السعودية إلا أن تكاتف الأهالي وتضافر جهودهم حال دون تنفيذ المخططات الإقصائية للبلدة، بحسب ما رأى مراقب محلي، مشيرا الى الوضع الإنساني “المأساوي” الذي لاتزال تعيشه العوامية في ظل استمرار الحصار ومنع الحركة والتجوال بعد الخامسة مساء وحتى السابغة صباحاً، والذي يشكل تصعيداً خطيراً ضد البلدة، وهو ما تصدّت المبادرات الشخصية والأهلية. لتجاوز آثاره والتخفيف منها.
بقلم : سناء إبراهيم
ارسال التعليق