إعلام السلطات السعودية: حضورٌ غائب
بقلم: مريم بليبل...
إن مجتمع الجزيرة العربية اليوم بكل ما ينخر به من فساد مستشري وانقسامات واضطهاد للمرأة وقمع للطائفة الشيعية، وامساك آل سعود تاريخيا بمقدرات البلاد، وغيرها من الأمور التي لا تتواءم مع المكانة الدينية لبلاد الحرمين الشريفين والمرتبة التي نصّب آل سعود نفسهم عليها منذ قيام الكيان، يشهد هذا المجتمع غياباً تاماً لدور الإعلام المفترض في تسليط الضوء على هذه المشكلات ومتابعة حلها.
لم يعطَ مصطلح السلطة الرابعة اعتباطيا للإعلام، باعتباره قوة ضاغطة على أداء الحكومات. إلا أنه في الحالة "الخليجية" عموماً والسعودية خصوصاَ يتحوّل دوره إلى مجرد أداة طيّعة بيد النظام الحاكم، لا يتعدى حدود ما يُرسم له.
إعلام محلي خُلق ليُحاصَر:
إن واقع الاعلام في الجزيرة العربية يُشبه الحكم فيه، تنعدم كل أشكال النقد الداخلي في كل الميادين. إذ خلُص تحليل لجنة حماية الصحفيين CPJ إلى أن التقارير التي تنشر والتي تعبّر عن وجهة نظر مخالفة للبلاط السعودي لا تزال غائبة عن الصحافة "السعودية". فالتغطية الناقدة لحكم آل سعود والحكومات الأجنبية "الصديقة" –الحلوبة بتعبير أدق- والفساد المستشري وما سواه تظل من المواضيع المحظورة، بالاضافة الى حرمة تناول أي موقف يتعارض وإملاءات "ولي الأمر" على مستوى السياسات الخارجية وكذا حرمة التعرض لواقع اضطهاد الشيعة في شبه الجزيرة العربية.
تغيب عن هذه البلاد أي شكل من أشكال المساءلة، وليس هذا فقط ولكن يسيطر على إعلامها منطق الإستخفاف بعقول القراء حدا يشكك فيه القارئ بعقلانية الجمهور المتلقي، كالحديث عن أن "المملكة" تضع ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية كأحد أهم أهدافها. وفق ما ادعته صحيفة "الرياض" تعليقا على تعيين سفير "للسعودية" في الضفة الغربية عن أن " “السعودية” قدمت من أجل دعم مركزية القضية الفلسطينية الشهداء والدعم العسكري والمادي والسياسي منذ بدء المشكلة فضلاً عن طرح المبادرات تلو المبادرات لحل القضية الفلسطينية".
وتتابع " ولو أردنا سرداً تاريخياً بالحقائق والمواقف والدلالات لمواقف المملكة المشرفة في تبنيها ودعمها للقضية الفلسطينية ابتداءً بتعيين الملك المؤسس عبدالعزيز ال سعود سفيرًا لدى فلسطين في القدس تحديداً عام 1947 قبل تأسيس دولة لإسرائيل نفسها عام 1948".
هكذا يحلو لـ"مملكة الدماء" دعم القضية الأم للعالم العربي عبر إرسال السفراء، فهل عرف جندي في جيشها كيف يحمل سلاحا لقتال أعزل يمنيٍّ لم يمتلك سوى ايمانه بكرامته، لكي ننتظر أن نجد في تاريخها ولو بندقية وُجّهت نحو الاراضي الفلسطينية المحتلة!
باختصار إن الاعلام "السعودي" المحلي هو إعلام ترفيهي، بداية مع مجموعة MBC والتي للمفارقة أُسست منذ بدايتها كقنوات ترفيهية للدراما والفن، وهي موجهة للجيل الشاب الباحث عن التسلية. ومنذ انطلاقها وهي تنقل معايير الثقافة الاميركية إما عبر إحضار البرامج الاميركية كما هي وترجمتها، أو استنساخها لنسخ عربية. مع تخصيص قنوات فقط لترجمة الافلام الاميركية حصرا.
كل الوسائل الاعلامية بدون استثناء هي تابعة لآل سعود، واذا كان هناك تعدد أقطاب في السابق لمالكيها، فاليوم ومع الصعود السياسي لمحمد بن سلمان، تبدّل التوجه في الخطاب الاعلامي حيث بات الوضع مشابها للأحادية القطبية. بعد أن جرى اعتقال رجالات الاعلام في أروقة فندق الريتز كارلتون في شكل جديد لتصفية الحسابات لم يشهد النظام السعودي مثيلا له تاريخيا. هؤلاء احتكروا لسنين كبرى وسائل الاعلام، بمن فيهم الوليد بن طلال ووليد الابراهيم وصالح الابراهيم الّذَين امتلكوا قناة MBC1 منذ انطلاقها عام 1991، ليُعيّن بدلا عنهم رجالات تابعين وموالين بشكل خاص لمحمد بن سلمان، قادرا على التحكم بهم.
قوننة القمع:
لسنا في نظام يضطرنا لتقصي الاطار القانوني فيه لمعرفة أو استعراض واقع الحرية الاعلامية في "السعودية"، يكاد يُعدّ البحث في هكذا موضوع امرا طفوليّا للغاية في ظل نظام بوليسيّ يعتقل ويخفي قسريا ويتبنى الاعدام نهجا دون توجيه تهم واضحة.
ومع ذلك سنحاول تبيان عددًا كبيرًا من القيود التي تؤطر هذا نجد أن العمل الصحافي:
يتضمن نظام المطبوعات والنشر عددًا من المواد المقيدة لحرية النشر وتداول المعلومات عبر تضمين المواد القانونية عبارات عامة وفضفاضة كما في المادة الثامنة مثلا التي نصت على أنّ: "حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية"، ليحيلنا هذا الى تساؤل عن ماهية الأحكام النظامية.
كما تنص المادة التاسعة من نفس القانون على أن: "يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبنّاء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة".
وينص القانون في نسخته المعدلة في نوفمبر 2017، في مادته الثلاثون: "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (عشر) سنوات ولا تقل عن (خمس) سنوات، كل من وصف -بصورة مباشرة أو غير مباشرة-الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة"، وتحت هذه المادة، يجرّم النظام السعودي مروحة واسعة من أصحاب الرأي عبر تفسيرات فضفاضة.
فلا يسعنا بعد قراءة مثل هكذا صياغات لقوانين سوى التساؤل ما هذا الهراء
تعدّ السعودية سادس أكبر سجّان للصحفيين في العالم، وتختلف التقديرات بشأن عدد معتقلي الرأي في سجون آل سعود في ظل التعتيم الكبير، وفي آخر إحصائية له أشار حساب مُعارض إلى وجود 2613 سجينا سياسيا من جميع الشرائح والفئات يتوزعون على سجون عدة. ويرجح ناشطون أن يكون الرقم يخص فقط المعتقلين منذ سبتمبر/أيلول 2017، حيث زادت وتيرة الاعتقالات بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العرش في يونيو/حزيران 2017.
وبحسب وثائق حقوقية، فإن أساليب التعذيب في سجون آل سعود -وفق كثير من شهادات المفرج عنهم- كثيرة ومرعبة، ومن أهمها: الضرب والجلد، الصعق بالكهرباء، المنع من النوم، الإهمال الصحي المتعمد. كما نقلت منظمة العفو الدولية أن بعض السجينات تعرضن لتحرش جنسي والعناق والتقبيل القسريين من قبل سجانين ملثمي. هذا عدا عن الأعداد التي تلقى حتفها داخل السجون نتيجة ظروف السجن القاسية التي تفتقد لأدنى معايير حقوق الإنسان.
هذا ولا يكتفي النظام السعودي بكمّ أفواه الناطقين من السعوديين ولكن تلاحق حتى من هم من غير جنسية، أمثال الصحفي اليمني علي أبو الّخم، والسوداني أحمد علي عبد القادر الذي اعتُقل على الهواء مباشرة في السودان اثناء اجرائه مقابلة تلفزيونية.
والقضية الأبرز لطبيعتهم الوحشية بالتعاطي مع الاصوات المرتفعة، قضية الصحفي جمال خاشقجي والذي تم التعامل مع معارضته "المُربّتة"، بأبشع صور الانتقام والتي لم تخطر على بال صنّاع سينما راعيها الاميركي "هوليوود".
إعلام خارجيّ زائف:
على المستوى الاخباري، تيقّظ النظام السعودي متأخرا عام 2003 لإنشاء أول محطة إخبارية تتوجه للجمهور العربي. حينها سعت قناة "الجزيرة" لربط تأسيس "العربية" برغبة النظام السعودي بدخول حلبة المنافسة السياسية مع قطر عبر بوابة الإعلام وذلك لجذب وترويض الراي العام العربي الذي كانت الجزيرة قد احتضنته بذكاء، قبل أن تخسر نسبة كبيرة منه بعد الحرب السورية التي شكلت حقل اختبار لمصداقية وسائل الاعلام. ولكن الى اليوم يبدو أن "العربية" لا تحظى بالتأييد العربي الذي تحظى به زميلتها بالتضليل.
ومؤخرا تولت "العربية" دفة التهليل لـ"رؤية 2030". في سعيها للترويج لمزاعم تحول تبناها النظام السعودي تقوم على الانفتاح وتقبل الآخر المختلف والمرونة من حيث التماهي مع مستجدات مظاهر التطور والراحة في نظر الشارع الغربي، التي تراكمت في وعيه صورة سوداء عن النظام الحاكم في شبه الجزيرة العربية لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من ايلول وقتل الصحفي جمال خاشقجي، وما تلاها من اندفاع الاعلام الغربي ،ولا سيما الاميركي، لتتبع جرائم النظام وتداولها.
وشكّل مشهد رعاية الحفلات الغنائية والراقصة، وتعبيد شواطئ "السعودية" بالسياح بلباسهم الفاضح، تجاوزا فاضحا للعادات والتقاليد المتعارف عليها ، حيث نُشرت مقاطع مصورة تُظهر "سعوديات" يعبًرن عن سعادتهنّ بما يشاهدن واستبعادهنّ لفكرة الهجرة بعد أن بات كل شيء متوفر "هنا"! وإننا أمام ما ورد نقول أنّ وجه الثعبان مهما وضع من مستحضرات تجميلية يبقى ثعبانا سينتزع جلده يوما، فيعود المنتشي إلى وعيه ليدرك أن خلف كل هذا لا يزال الخبث عينه، لا بل أكثر.
أمام ما يظهر من وأدٍ للسلطة الوهابية في "السعودية" تماشيا مع مشاريع محمد بن سلمان "الخيالية"، هل سيتجرّأ "الولي الشابّ" على تخطي الخطوط الحمراء مُعبّداً بذلك الطريق إلى العرش والسماح لتحول الدين الاسلامي إلى وجهة نظر؟!
ارسال التعليق