إنتكاسة صهيونية مصلحة غير سعودية
“لا دليل على تأثير سلبي للصفقة السعودية الإيرانية على ازدهار التطبيع مع إسرائيل”.. هكذا قدم المحلل الأمني، المختص بشؤون الشرق الأوسط، سيث فرانتزمان، خلاصة تقدير موقف لتداعيات العودة المرجحة للعلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.
وذكر فرانتزمان، في تحليل نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن تصوير الاتفاق الإيراني السعودي وكأنه نكسة لـ”إسرائيل” ليس دقيقا، مشيرا إلى أن ازدهار العلاقات التجارية بين عديد الدول الخليجية، بما يؤشر إلى أن تلك الدول لا تربط بين ملف العلاقة مع إيران وبين العلاقة مع إسرائيل.
وأضاف أن حسابات الرياض الخاصة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن تقف وراء الاتفاق مع إيران، الذي يعبر عن اتجاه طهران إلى الاستماع أكثر للمخاوف السعودية، أكثر من تعبيره عن تراجع للعلاقات الخليجية الإسرائيلية. وأوضح أن “السعودية” رأت كيف تمكنت قطر وتركيا من تبني سياسات مستقلة، مع استمرار قدرتهما على الحصول على تنازلات من الغرب.
وتعود المراجعة السعودية لحساباتها، حسبما يرى فرانتزمان، إلى عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، حيث اتخذت واشنطن قرارات مهمة في العراق ولبنان من شأنها أن تؤثر على “المملكة عبر السماح بتمكين حزب الله المتزايد في السلطة اللبنانية وتهديداته لبيروت، وتمرير صعود نوري المالكي، وهو رجل قوي مؤيد لإيران، إلى السلطة في العراق.” كانت هذه التطورات بمثابة “تسليم دول رئيسية في المنطقة إلى إيران” بحسب تعبير فرانتزمان، مشيرا إلى أن سياسة الولايات المتحدة في هذا الصدد كانت معقدة، لكنها كانت جزءًا من تحول أوسع من قبل إدارة أوباما للسعي إلى إقامة علاقات مع إيران. وجاء ذلك في حين أن الولايات المتحدة قامت بـ “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا، بالعمل مع نظام بوتين، وتجاهلت أيضًا عدوان موسكو على جورجيا، واختارت عدم مواجهة نظام بشار الأسد، ما مكّن روسيا من التدخل في سوريا.
وكان الهدف من كل ذلك هو الصفقة الإيرانية التي تم توقيعها في عام 2015، ما رسخ شعور لدى الرياض بأن إيران كانت تنهض بسرعة كبيرة في المنطقة.
وتابعت الصحيفة، “أدى معارضة السعودية للصفقة وتدخلها عسكريا في اليمن عام 2015 لمنع الحوثيين المدعومين من إيران من السيطرة على البلاد، إلى علاقة باردة للغاية مع إدارة أوباما”.
ولم يكن مستغربا إزاء ذلك أن تبدأ “السعودية” وبعض “دول الخليج” الأخرى في رؤية الصين كلاعب مرحب به في المنطقة، وأن ترى السياسة الخارجية “المستقلة” محققة لمصلحتها، ولذا سعت إلى العودة إلى العلاقات مع إيران، وفقا للكاتب.
وهنا يصف فرانتزمان هذا النوع من التحول في السياسة بأنه “مثير للسخرية”، حيث كانت الرياض ضد إيران عندما كانت الولايات المتحدة تعمل على الصفقة الإيرانية، وهي الآن أقرب إلى إيران عندما أصبحت الولايات المتحدة أكثر صرامة تجاه طهران.
لكن ما تأثير ذلك على “إسرائيل”؟ يدّعي فرانتزمان بأن ” للسعودية مصلحة في الاستقرار في اليمن والعراق ولبنان، وكلها ملفات رئيسية تؤثر على إسرائيل، حيث سعت إيران على مر السنين إلى اختطاف العراق وتمكين الميليشيات هناك، وهي الميليشيات التي يمكن أن تهدد إسرائيل بطائرات مسيرة وصواريخ تصدرها إيران.” كما أن الفوضى السياسية في لبنان يمكن أن تؤدي إلى تهديدات لـ”إسرائيل”، ولذا فـ “هناك أسئلة رئيسية يمكن حلها إذا أثرت الصفقة السعودية الإيرانية على لبنان” حسبما يرى فرانتزمان، مشيرا إلى أن الصفقة السعودية الإيرانية قد تؤسس لعلاقات جديدة بين الرياض ودمشق، وقد تؤدي إلى عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، مقابل حد إيران من نقل الصواريخ إلى سوريا. والأهم من ذلك، حسب تقدير فرانتزمان، أن الصفقة الإيرانية السعودية قد تؤدي إلى خفض إيران لتخصيبها اليورانيوم ومحاولة التسلح بسلاح نووي، عبر وساطة الصين، التي تعد طرفا يتمتع بالثقة لدى طهران.
كل هذه التطورات يراها محلل شؤون الشرق الأوسط في مصلحة “إسرائيل”، ومع ذلك، تريد إيران تصديق أن اتفاقها الجديد مع الرياض سيكون انتكاسة لتل أبيب وواشنطن. ويخلص فرانتزمان إلى أن انتكاسة “إسرائيل” مصلحة لإيران، لكنها ليست بالضرورة مصلحة للسعودية، ولذا فإن الربط بين صفقة الرياض وطهران وبين التأثير سلبا على التطبيع مع “إسرائيل” ليس دقيقا.
يذكر أن النظام السعودي والجمهورية الإسلامية في إيران، أعلنا، في بيان ثلاثي مع الصين الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران. وبحسب البيان، فقد جرت مباحثات في بكين، خلال الفترة من 6 إلى 10 مارس الجاري، بين وفدي النظام السعودي وإيران برئاسة وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في النظام السعودي مساعد بن محمد العيبان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني.
وأعرب الجانبان السعودي والإيراني وفق البيان، عن “تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 و2022”. كما أعربا أيضاً عن “تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة الصين على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها”.
وأعلنت الدول الثلاث أن الرياض وطهران توصلتا إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
وتضمن الاتفاق تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
واتفق الطرفان على تفعيل “اتفاقية التعاون الأمني” الموقعة بينهما في عام 2001، و”الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب”، الموقعة في عام 1998.
وذكر البيان الموقّع من العيبان وشمخاني ورئيس اللجنة المركزية للشؤون الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني وانج يي، أن الدول الثلاث أعربت عن “حرصها على بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي”.
ارسال التعليق