استباقًا لزيارة «بن سلمان» لبريطانيا.. محاولات سعودية لتهدئة الغضب
تجهزت بريطانيا كثيرًا لزيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هذه الزيارة التي أثارت انتقادات واحتجاجات غير مسبوقة في لندن من المنظمات الحقوقية والنشطاء البريطانيين وحتى بعض الأحزاب المُعارضة للسياسة التي تتبعها بلادهم مع المملكة السعودية، الأمر الذي دفع بعض المسئولين السعوديين إلى اتخاذ خطوات سريعه واستباقية للزيارة، في محاولة لتهدئة الأجواء المُعادية لزيارة “بن سلمان” غير المرغوب فيها للمملكة المتحدة.
“بن سلمان” في بريطانيا
محطة جديدة حطت فيها الطائرة الملكية السعودية، فبعد انتهاء زيارة ولي العهد السعودي، والمتحكم الرئيسي في شئون المملكة، محمد بن سلمان، لمصر، والتي استمرت لثلاثة أيام، حطت قدما الأمير السعودي على أرض المملكة المتحدة، التي تُعد من أبرز حلفاء المملكة العربية السعودية، حيث وصل “بن سلمان” والوفد المرافق له اليوم الأربعاء إلى العاصمة البريطانية لندن، في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، وذلك بعد تأجيل هذه الزيارة مرتين على التوالي، على خلفية احتجاجات شعبية وحقوقية على وجود الأمير السعودي في المملكة المتحدة،
وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، كان في استقبال ولي العهد السعودي والوفد المرافق له، حيث ضم الوفد سفير السعودية لدى بريطانيا، محمد بن نواف بن عبد العزيز، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء، مساعد بن محمد العيبان، ووزير التجارة والاستثمار، ماجد القصبي، ووزير الصحة، توفيق الربيعة، ووزير الخارجية، عادل الجبير، ووزير التعليم، أحمد العيسى، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، خالد الفالح، ووزير الثقافة والإعلام، عواد العواد، ووزير الاقتصاد والتخطيط، محمد التويجري، ورئيس الاستخبارات العامة، خالد الحميدان، إضافة إلى عدد من مستشاري الأمانة العامة لمجلس الوزراء والديوان الملكي، ورئيس هيئة الأركان العامة، الفريق أول ركن فياض الرويلي.
زيارة “ابن سلمان” لبريطانيا في هذا التوقيت تهدف في الأساس إلى إقناع بريطانيا بأن الإصلاحات التي تجريها بلاده جعلت السعودية مكانًا أفضل للاستثمارات ومجتمعًا أكثر تسامحًا، كما تهدف إلى تلميع صورة المملكة أمام المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني الذي يُكيل الاتهامات إلى السياسات السعودية الخارجية وخاصة في اليمن، إضافة إلى محاولة جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، خاصة أن هِمم بعض المستثمرين فترت خلال الفترة الأخيرة من شدة القرارات التي اتخذتها المملكة وحملة الفساد الغامضة التي شنها ولي العهد في نوفمبر الماضي وطالت عددًا كبيرًا من الوزراء السابقين والأمراء ورجال الأعمال.
ومن المقرر أن تشمل الزيارة مأدبة غداء مع الملكة “إليزابيث”، ومأدبة عشاء مع ولي العهد البريطاني، الأمير “تشارلز” ونجله الأمير “وليام”، إضافة إلى لقاءات مع قادة المخابرات البريطانية، ومحادثات مع قيادات دينية في بريطانيا، من بينها كبير أساقفة كانتربري رأس الكنيسة الإنجليزية، وذلك في محاولة من ولي العهد لإظهار الوجة الجديد المتسامح دينيًّا والمنفتح على الحياة العلمانية، وذلك بعدما وعد الأمير الشاب بالعمل على نشر ما أسماه “الاعتدال الإسلامي”.
انتقادات واحتجاجات
استقبل النشطاء السياسيون البريطانيون ومنظمات حقوق الإنسان وجماعات مناهضة للحرب ولي العهد السعودي باحتجاجات واعتصامات غير مسبوقة رافضة لوجوده في المملكة، مُتهمين إياه بـ”ارتكاب جرائم حرب في اليمن وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وحرية التعبير في بلاده، والزج بمئات الشخصيات السياسية والمجتمعية بالسجون”، حيث نظم النشطاء العرب والأجانب عددًا من الفاعليات المناهضة للسياسات السعودية، تحت شعار “خمسة أيام من الغضب”، مطالبين باعتقال بن سلمان ومحاكمته باعتباره “مجرم حرب”.
في ذات الإطار نشر الناشطون شاحنات تَجوب العاصمة لندن، حملت إعلانات ضخمة كتب عليها “مجرمُ الحرب محمد بن سلمان غيرُ مرحب به في بريطانيا”، فيما أعلنت منظمة “أوقفوا الحرب” وجماعات حقوقية أخرى اعتزامها تنظيم احتجاج خارج مقر رئاسة الوزراء في “داوننج ستريت” اليوم الأربعاء، للتنديد بـ”الغارات الوحشية وغير القانونية في اليمن وبدعم لندن للنظام السعودي”، فيما دشنت منظمة “أنقذوا الأطفال” صباح اليوم الأربعاء تمثال طفل قرب مقر البرلمان؛ للفت الانتباه إلى العنف الذي تغذيه قنابل مُصنعة في المملكة المتحدة.
في الوقت نفسه استبق بعض نواب مجلس العموم البريطاني الزيارة بالتوقيع على عريضة تطالب رئيسة الوزراء “تيريزا ماي” بإلغاء زيارة “بن سلمان”، نظرًا للجرائم الخطيرة التي يرتكبها داخل بلاده وخارجها، وخصوصًا في اليمن.
من جانبه دعا زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربن، رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، لإعلان موقف بريطاني واضح بشأن إمداد السعودية بالأسلحة خلال زيارة ولي العهد للندن، وقال “كوربن” الذي دعا مرارًا إلى وقف تصدير الأسلحة للدول التي تسيء إلى حقوق الإنسان، إن “على ماي إعلان وقف إمداد الرياض بالأسلحة، طالما استمرت الحرب المدمرة التي تقودها السعودية على اليمن”، وشدد الزعيم العمالي على ضرورة إعلان معارضة بريطانيا بشكل واضح وقوي تجاه الانتهاكات الواسعة التي تمارسها السلطات السعودية لحقوق الإنسان والحقوق المدنية.
محاولات تهدئة الأجواء
حاولت الحكومة البريطانية تهدئة موجة الغضب المشتعلة في الشارع البريطاني منذ بدء الحديث عن زيارة مرتقبة لـ”ابن سلمان” إلى لندن، والتخفيف من وطأتها، حيث ظهرت هذه المحاولات في إعلان رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أنها ستبحث الوضع الإنساني في اليمن مع ولي العهد السعودي، وقال متحدث باسم الحكومة، إن “ماي ستعبر لولي العهد السعودي عن القلق العميق إزاء الوضع الإنساني في اليمن والعدوان الذي يستهدفها، والذي أوقع نحو عشرة آلاف قتيل، وأوصل اليمن إلى حافة المجاعة بعد ثلاث سنوات من العدوان”، وأضاف أن الحكومة البريطانية “تأخذ على محمل الجد البالغ انتهاك القانون الدولي في هذا البلد، وتأمل في إتاحة وصول إنساني وتجاري بلا عراقيل، بما في ذلك الموانئ لمساعدة الأهالي المدنيين”.
المملكة السعودية حاولت اتخاذ المزيد من الخطوات أيضًا لتمهيد الأجواء لزيارة ولي العهد، فقبل ساعات من مغادرة “بن سلمان” القاهرة متجهًا إلى لندن، استقبل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس الثلاثاء، مجموعة من أعضاء البرلمان البريطاني، كما التقى “الجبير” ممثلي وسائل الإعلام البريطانية وكُتاب الرأي، في لقاء مفتوح تناول خلاله “رؤية المملكة 2030″، وخلال لقاء وزير الخارجية السعودي مع الوفد البرلماني، حاول “الجبير” مغازلة البريطانيين وشراء سكوتهم عن جرائم المملكة في اليمن، وذلك من خلال التلويح باستفادة كبيرة قد تعود على بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، حيث قال “بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون هناك فرص كبيرة لبريطانيا من رؤية 2030″، مضيفًا: المملكة تتوقع إبرام اتفاقات مع بريطانيا تغطي مجموعة من القضايا خلال زيارة ولي العهد للندن. مرجحًا أن ترتقي زيارة ولي العهد بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى، مؤكدًا: علاقتنا قوية جدًّا، ومن ثم ستكون المحادثات واسعة النطاق، سيجري توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم في عدد من المجالات تتضمن مجموعة واسعة من القضايا.
وفي محاولة لتلميع صورة المملكة أمام منتقديها في بريطانيا، اتهم وزير الخارجية السعودي الدعوات المُطالبة بالاحتجاج خلال زيارة “بن سلمان” لبريطانيا، بأنها تستند إلى “سوء فهم وعدم دراية بما يحدث في حرب اليمن، التي من الأصل لم نكن نريدها، وإنما فُرضت علينا”، زاعمًا أن “قضية المملكة عادلة والاحتجاجات يجب أن تركز على دور أنصار الله في البلاد”، حسب تعبيره، وسعى “الجبير” إلى التقليل من أهمية هذه الاحتجاجات قائلًا: الاحتجاجات المتوقعة لن تؤثر على زيارة ولي العهد، موضحًا أن الاحتجاجات جزء من التقاليد الواقعة في بريطانيا، وهو ما يفسر التظاهرات التي تجري في لندن طوال الوقت.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق