اقتصاد الخدمات يثير تنافسا حكوميا في دول الخليج العربية
يمثل اقتصاد الخدمات المتنفس المتاح لدول الخليج لتنويع اقتصاداتها سواء داخل حدودها القطرية أو من خلال استثماراتها الخارجية.
يأتي ذلك في وقت يسطر النفط على المقدرات الاقتصادية لدول الخليج الكبرى (السعودية، والإمارات، وقطر)، وسط محاولات لتحقيق قفزة في النشاط الاقتصادي غير النفطي.
وبحسب دراسة نشرها “البيت الخليجي للدراسات والنشر” تتصدر مجالات الخدمات المالية والعقارية والإعلام والنشاط الرياضي مجالات عمل الصناديق السيادية لكل من السعودية والإمارات وقطر.
بالتوازي، تحرص الإمارات منذ فترة على تواجد أقوى في مجال الخدمات الخاصة باللوجستيات المعنية بالموانئ حيث تتواجد في بلدان عدة في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وفي ضوء تقديرات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فإن الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 بلغ في السعودية 1.01 تريليون دولار، وفي الإمارات 503 مليار دولار، وفي قطر 221 مليار دولار.
ووفقًا لما تمتلكه الدول الثلاث من أرصدة بصناديقها للثروة السيادية، أفادت بيانات مؤسسة SWF Institute في عام 2023، أن إمارة أبو ظبي وحدها لديها أصول بصندوقها السيادي تبلغ 835 مليار دولار، فضلًا عن وجود صناديق أخرى لباقي الإمارات، وعليه، تمتلك الإمارات أرصدة تفوق حاجز التريليون دولار.
في السعودية، بلغ رصيد أصول الصندوق السيادي نحو 650 مليار دولار، وبلغ رصيد صندوق قطر السيادي نحو 475 مليار دولار. وكان للطفرة النفطية التي شدتها السوق الدولية للنفط، أثر إيجابي في ارتفاع أرصدة هذه الصناديق.
من المتوقع في ظل تراجع أسعار النفط في السوق الدولية منذ مطلع عام 2023، أن تتراجع أرصدة هذه الصناديق، وبخاصة بالنسبة للسعودية والإمارات، أما قطر فلا يزال سعر النفط عند متوسط 75 دولار إيجابيًا، ويحقق فوائض بميزانيتها العامة.
وتنال المنافسة بين اقتصادات دول الخليج مجالات متعددة، وبخاصة أن ثمة تفاوتًا بين تلك الاقتصادات فيما يتعلق بالموارد البشرية والمالية.
ويلاحظ تسابق كل من السعودية والإمارات وقطر في السوق المصري للاستحواذ على أصول الشركات والمؤسسات العامة والخاصة، وإن كانت الدول الثلاث تتنافس أيضًا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وكذلك في مجالات السياحة.
ولدى الإمارات مشروعاتها التي تهتم بتنظيم المؤتمرات الدولية وسياحة التسوق، قبالة ذلك، استطاعت قطر مؤخرًا أن توجد لها موضع قدم بعد تنظيمها لكاس العالم أواخر عام 2022.
تنطلق السعودية عبر مشروع “نيوم” إلى مجالات مختلفة للاستثمارات والتواصل مع العالم الخارجي، وإن كانت المشروعات السياحية قد برزت مؤخرًا بشكل كبير، سواء السياحة التاريخية أو الثقافية، بالإضافة إلى تفرد السعودية بالسياحة الدينية في الحرمين الشريفين.
مؤخرًا أطلقت السعودية “طيران الرياض” كأحد مشروعات صندوق الاستثمارات العامة، وبذلك تمتلك السعودية شركة طيران جديدة بجوار الخطوط الجوية السعودية.
والجدير بالذكر أن الخطوط الجوية لكل من الإمارات وقطر تتنافسان على المراتب الأولى عالميًا من حيث تقديم الخدمات، ومستوى تغطية أنشطتهما لأكبر مساحة جغرافية على مستوى العالم.
الناقل الجوي الوطني الجديد للسعودية سيشرف على تأسيسه توني دوغلاس وهو يمتلك خبرة طويلة في قطاع النقل والطيران.
من المقرر أن تنطلق رحلات “طيران الرياض” إلى أكثر من 100 وجهة حول العالم بحلول عام 2030 وستتركز عملياته على العاصمة الرياض التي سيتم تطوير مطارها ليكون ذا قدرة استيعابية توازي أو تزيد عن مطار دبي الدولي.
وكان طيران الرياض قد أبرم اتفاقية مع عملاق صناعة الطائرات “بوينغ” لتزويد الشركة الجديدة بـ 39 طائرة من طراز 787-9 مع احتمالية شراء 33 طائرة إضافية بكلفة قد تصل إلى نحو 37 مليار دولار.
وأبرزت الدراسة أن مجال النقل الجوي هو من المجالات التي تستحق المنافسة في ظل حركة التنقل الدولي، سواءً من أجل السياحة أو التعليم أو العلاج أو التجارة.
وبحسب بيانات المجلس العالمي للمطارات، بلغ عدد المسافرين عام 2022 أكثر من 7 مليارات مسافر، ما يمثل زيادة بنسبة تصل إلى 53% عما كان عليه الوضع عام 2021.
وتمتلك الإمارات ميزة مطار دبي الدولي الذي يعد في مرتبة متقدمة على مستوى العالم من حيث عدد المسافرين.
إذ يعد مطار دبي، واحدًا من أكبر محطات الترانزيت لغالبية دول العالم، ولا تتوفر هذه الميزة في كل من السعودية وقطر.
كذلك تتصدر الخطوط الجوية القطرية، قائمة أفضل خطوط الطيران على مستوى العالم عامي 2021 و2022، وذلك حسب تصنيف وكالة سلامة الطيران التي تتخذ من استراليا مقرًا لها.
وعلى مستوى الأرباح، وحسب البيانات المنشورة بوسائل الإعلام، عن أداء الخطوط الجوية القطرية خلال العام المالي 2021/2022، فقد بلغت أرباح الشركة نحو 1.5 مليار دولار، أما الخطوط الجوية الإماراتية فقد حققت أرباحًا في العام المالي 2022/2023 بلغت 2.9 مليارات دولار.
بلا شك أن تحقيق هذه المراتب لكل من الإمارات وقطر، فيما يتعلق بتميز المطار في دبي وتقدم قائمة الأفضلية للطيران العالمي لقطر، وتحقيق أرباح مليارية للدولتين، يجعل المؤسسة الجديدة للسعودية “طيران الرياض” في وضع منافسة شديدة مع الأيام الأولى لانطلاقها.
من المتوقع أن تتسم المنافسة بين شركات الطيران الثلاث بالعالمية، فمجال المنافسة الحقيقي هو الحصول على أكبر حصة من نقل الركاب على مستوى العالم، وبالتالي، تحقيق معدلات ربحية أعلى.
ويجدر القول إن زاوية التنافس الأهم ستتعلق بالخدمات، فالدول الثلاث بعيدة عن مجال إنتاج الطائرات أو التكنولوجيات المرتبطة بها، ما سيفتح المجال لحرب بين الشركات الثلاث لاستقطاب الكفاءات البشرية في مجال عمل قطاع الطيران، سواء في مجال التسويق والمبيعات أو تقديم الخدمات على الطائرات.
وما لم يتم التنسيق بين تلك الشركات، فيما يتعلق بالأجور للعاملين بها فسوف تتعرض هذه الشركات لعمليات ابتزاز، وتنقلات سريعة بين العاملين بها، ما قد يؤثر على أدائها الخدمي.
وحذرت الدراسة من أن تؤدي هذه المنافسة إلى الانزلاق لحرب أسعار فيما يتعلق بقيمة تذاكر الطيران لنفس الرحلات لمناطق مماثلة، وهنا ستكون الحرب شرسة فعلًا.
يمكن القول إن الوصول إلى تحالف استراتيجي بين الخطوط الثلاث يستطيع أن يحقق نوعًا من السيطرة على حركة الطيران في العالم.
رغم ذلك، لا يبدو خيار الاندماج أو الدخول في شراكات استراتيجية بين شركات الطيران في هذه الدول متاحًا في ظل حالة غياب التنسيق أو التعاون الاقتصادي بين دول الخليج.
وخلصت الدراسة إلى أن التنافس الحاد بين طيران الإمارات والخطوط القطرية على مدى السنوات الماضية سيكون أكثر ضراوة مع دخول العملاق السعودي الجديد إلى سوق الطيران في الخليج والعالم.
ارسال التعليق