الأردن و«نكران الذات» مقابل الجار السعودي.. «السعوديون يرسلون لنا قمامة صناعاتهم»
التغيير
الحماسة التي تحيط هذه الأيام بملف العلاقات الأردنية الإماراتية، والأردنية المصرية، تقل في درجتها ومنسوبها بصورة ملحوظة للمراقبين عندما يتعلق الأمر بملف العلاقات الأردنية مع مملكة آل سعود، وسط حالة تمحور إقليمي تحقق فيه منظومة الحكومة الأردنية أعلى درجات الاصطفاف والتمحور ضمن معايير آل سعود.
لكن ذلك الاصطفاف لا يؤدي، أو لم يؤد بعد، دوراً منتجاً في تأطير شراكة اقتصادية أو استثمارية جزئياً، ولا تأطير مشاورات سياسية رفيعة المستوى، في الوقت الذي اندفعت فيه حكومة عمان إلى أقصى طاقات المجاملة ونكران الذات أحياناً خلال أزمة وباء كورونا عبر الإبقاء على الحدود مع مملكة آل سعود مفتوحة لحركة البضائع والشاحنات رغم أن شريحة سائقي الشاحنات تحولت إلى عبء مرهق على لجان التقصي الوبائي الأردني.
ورغم أيضا تحول الحدود مع مملكة آل سعود إلى بؤرة لتصدير إصابات الفيروس عبر الأجانب. في كل حال، فعل الأردن ذلك حرصاً على بقاء العلاقات أخوية قدر الإمكان مع الجار السعودي.
والأهم أنه فعل ذلك حماية لعشرات الآلاف من الأردنيين العاملين في مملكة آل سعود المجاورة، ورغبة منه في تمكينهم قدر الإمكان حتى لا تشكل عودتهم بصفة جماعية تعقيداً يضاف إلى التعقيدات.
واضح في السياق أن الملفات الأساسية المختلف عليها بين أبوظبي والرياض وعلى أكثر من صعيد، تؤثر ضمنياً في مستوى التوازن في التحالفات الأردنية مع ما تبقى من منظومة النادي الخليجي، فعلاقات عمّان بأبوظبي مزدهرة ونشطة وأفقية وتشمل العديد من الملفات.
وعلاقات عمان بالقاهرة، في ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن المحور السعودي، متفاعلة أيضاً وأقرب إلى التحالف غير المعلن، ومؤسسة منطقياً اليوم على فكرة إعجاب الأردنيين بالتجربة المصرية، وهو إعجاب يطال بعض المفاصل، خصوصاً في سياق الحفاظ على عدم الانهيار الاقتصادي والدور الكبير في السياق الاستثماري للقوات المسلحة المصرية.
مع ذلك، لا تنعكس هذه الحماسة المفرطة على مساحة التحالف بين عمان والرياض، على الرغم من أن العلاقات في أفضل أحوالها، كما أكد لـ «القدس العربي» مسؤول مهم في الأردن، وكما أعلن مرات عدة وزير الخارجية أيمن الصفدي. يحصل ذلك بطبيعة الحال لسبب.
في الأثناء، تبرز بعض المفاصل والمشاهدات والانطباعات التي توحي ضمنياً بانخفاض منسوب الكيمياء في علاقات آل سعود مع الأردن، رغم أن السفير السعودي الأسبق في عمان الأمير خالد بن فيصل، غادر موقعه بعد وجبة من المناكفات التي أزعجت الأردنيين أحياناً بصمت.
خلال تفقد أحد المشاريع الصناعية المهمة في الأردن، سمع مسؤولون كبار عبارة تقييمية لها علاقة بالزحام الذي تفرضه الصناعات الغذائية بمملكة آل سعود وهي تغزو السوق الأردنية. أحد الصناعيين قال بحماسة وصوت مرتفع: «بصراحة، الأخوة في مملكة آل سعود يرسلون لنا قمامة الصناعة».
يبدو أن تلك العبارة التي لم تخضع للتدقيق والتقييم في الواقع قرعت كالجرس في أذن المؤسسات الأردنية، فانتهى الأمر بالحرص على التقييم والمتابعة وبشعور سلبي وسط الأردنيين يكرس قناعة سياسية قديمة، قوامها أن الشقيق السعودي الكبير لا يزال مصراً على التعامل مع جاره الأردني باعتباره جغرافيا سياسية فقط.
لكن مساعدات آل سعود أيضاً التي كانت مأمولة، خصوصاً بعد الاشتباك مع فيروس كورونا، لم تظهر على شاشة الرادار، فما يصل من الرياض عبر بعض الحلقات الاستشعارية هو تلك الرسالة التي تعتذر عن التضامن المالي والاقتصادي على أساس وجود مشكلات في النفقات المالية لمملكة آل سعود في هذه المرحلة.
عمّان هنا توقفت أصلاً منذ سنوات عن أي رهان له علاقة بمساعدات مالية سعودية. وبدأ التفكير جدياً، منذ وقت ليس قصيراً، بضرورة العمل ضمن مبدأ الاعتماد على الذات، وهو ما سمعناه مرتين عملياً:
- الأولى على لسان رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وهو يتحدث عن «فطام» المساعدات،
- الثانية على لسان وزير المالية الدكتور محمد العسعس وهو يشرح نظرية الاعتماد على الذات والنمو الاقتصادي عبر الإمكانات والحقائق الوطنية الأردنية فقط.
في الأثناء، يرشح من الجار السعودي ما يوحي بالعتب البيروقراطي المر عندما يتعلق الأمر بسلسلة مشاريع استثمارية كان قد وعد بها محمد بن سلمان، وشكل من أجلها قبل خمس سنوات صندوقاً بمظلة قانونية لتوجيه استثمارات بمليارات عدة إلى الأردن هذه المرة تحت يافطة «تبادل المنفعة».
والعتب البيروقراطي هنا يتضمن إشارات غامضة عن تراخيص تأخرت من الجانب الأردني، وعن رفض غير مبرر لتوجيه استثمارات في مجال التعليم الأكاديمي العالي الطبي، وعن مراوغات بيروقراطية أردنية غير مفهومة تساهم في تأخير الموعود من استثمارات الصندوق السعودي.
لكن لأن العلاقات السياسية بمستواها الرفيع متقلصة إلى حد ما، فلا تناقش تلك الانطباعات البيروقراطية بين الجانبين بصراحة.
يحصل ذلك رغم أن السفير السعودي الجديد في عمان نايف بن بندر السديري، استضاف اجتماعاً للتنسيق بشأن كورونا، حضره وزراء أردنيون، فيما يظهر السفير نفسه جملة متسعة من المجاملات الدبلوماسية والحرص على إحياء وإنعاش التعاون الاقتصادي مع التغزل الدائم في بلده الثاني الأردن.
ارسال التعليق