الأزمة الخليجية.. معركة استعراض القوة (مترجم)
يوجد مشكلات أساسية في محاولة التعلم من الدروس واستخلاص النتائج من أزمة الخليج حيث دور الدول الصغيرة في العلاقات الدولية.
تعد أزمة الخليج معركة ملحمية بين الدول الصغيرة، وليس مجرد صراع بين دولة صغيرة مستهدفة من منتقديها الإقليميين الكبار، وفي الواقع، تقف الإمارات مع السعودية ضد قطر، وتظهر بمثابة القائد للأزمة.
نحن نتعامل مع دول طموحة ترغب في ضمان استمرار أنظمتها، إنها معركة استعراض القوى وأحد الاستراتيجيات للبقاء على قيد الحياة، تعتمدها الدول الصغيرة، لكن الحقيقة مفهوم العظمة عندهم أحد مقاييس السذاجة التي سيكون لها عواقب وخيمة سوف تطاردهم في المستقبل.
اعتمدت الإمارات وقطر استراتيجيات تتخطى حدود الخيارات التي تعتمدها الدول الصغيرة؛ بمعنى أنه رغم من رؤيتهما المختلفة، يعتقدان أن الوضع السياسي على أرض الواقع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يجب أن يتشكل بطريقة تناسب كل منهما، وبالتالي يسعيان لتشكيل المنطقة بالطريقة التي تناسب كل طرف على حد سواء.
ولتحقيق أهدافهما لا تعمل كل من الدولتين كونهما صغيرتان، لكن تتعاملان بمثابة قوى عالمية كبيرة، وتستخدمان أدوات الدول الكبرى، مثل المال، ودعم القوات المعارضة لتغير الأنظمة السياسية، والانقلابات العسكرية والحروب السرية، ومؤخرا الحروب السيبرانية (المتعلقة باختراق الإنترنت والمواقع الإلكترونية).
في الواقع، دولة الإمارات العربية المتحدة، أو كما يطلق عليها وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، “ليتل سبارتا”، تتصرف كونها دولة كبيرة وتؤسس قواعد عسكرية خارجية تستخدمها للسيطرة على الموانئ البحرية في جميع أنحاء المنطقة.
النقاش حول تغيير سلوك الدول الصغيرة يظهر في تجربة دولة سنغافورة، رغم أن نظام الحكم فيها يقوم على المؤسسات وسيادة القانون، والضوابط والتوازنات.
سنغافورة مثل قطر والإمارات تشعر ببعض الخوف على الأمن القومي المتركز على أعمال الشغب العرقية، والخوف الناجم عن تداعيات التحولات التي عصفت بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وليس الخوف من بقاء أحد في السلطة بشكل دائم.
على العكس، تشعر قطر والإمارات بالخوف السياسي، وكيفية بقاء أسرهم الحاكمة المستبدة في الحكم مع الحفاظ على الأمن القومي، من المفارقات، أن أزمة الخليج مع مرور الوقت قد تحدث تغيرات غير متوقعة في موجة القومية.
قطر والإمارات مشروعان محوريان إقليميان وعالميان يبنيان مجتمعات المعرفة المتطورة، لكن على رأس النظم الاستبدادية القائمة على القبائل، على عكس سنغافورة، التي تعمل على تطوير مواطنيها وتحفيز تفكيرهم النقدي.
ورغم مواقف قطر والإمارات المختلفة تجاه الإسلام السياسي، ليس لديهما علماء دين، ولا تلتزمان بالمعايير الإسلامية، لكن لبقائهما على قيد الحياة، يستخدمان الطائفية.
ترى الإمارات أن الحكم الاستبدادي مفتاح الأمن القومي في المنطقة، فمنذ عام 2011، أطاحت أبو ظبي بالثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن، وبالتالي، تدعم النظام في مصر، والمتمردين المناهضين للحكومة في ليبيا، وتشارك في التحالف السعودي لتدمير اليمن، وأخيرا مقاطعة قطر.
حاولت قطر لعب دور الوسيط في المنطقة، لكنها حافظت على العلاقات مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، ودعمت المتمردين في شمال إفريقيا، واحتضنت الثورات الشعبية، ودعمت القوى الإسلامية، وأبرزهم جماعة الإخوان التي برزت باعتبارها القوة السياسية الأكثر تنظيما في الربيع العربي.
كان دعم قطر للإخوان تحديا لأنظمة الخليج، وأبرزهم الإمارات والسعودية، واعتقادا من الدوحة أن تغيير الأنظمة الحاكمة لن يضرها ويأتي في مصلحتها.
الأزمة الكامنة في الخليج تتجاوز بكثير دولا صغيرة في النظام الدولي، وتسلط الأزمة الضوء على القضايا الرئيسية التي تسعى الحكومات منذ وقت طويل إلى إخفائها، وهي استعراض القوى.
تزداد الأزمة صعوبة في عدم مقدرة المجتمع الدولي تعريف داعمي الإرهاب ومنتهكي حقوق الإنسان، كما أنه يتجاهل بشكل كبير ذلك لصالح هذه الحكومات، سواء كان الحاكم استبداديا أو منتخبا ديمقراطيا.
لا شك أن المقاطعة السياسة والاقتصادية لقطر تهدف إلى تقويضها، وبالتالي، قامت كل من السعودية والإمارات باتهامها دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية بما فيها الجماعات غير العنيفة، رغم أن السعودية نفسها تدعم الإرهاب.
تكمن المشكلة في مسألة تعريف الإرهاب، الذي اختلف كثيرا بعد زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى السعودية في مايو الماضي، وركز على مكافحة العنف السياسي، لكن سبب الأزمة الخليجية يعود أيضا إلى فشل الولايات المتحدة منذ فترة طويلة في التوافق بين حلفائها في المنطقة على تعريف الإرهاب وما عليهم فعله.
ينطوي الصراع على السلطة في الخليج على أكثر من طريق، من بينها معركة الحروب الاستبدادية ضد بعضها بعضا، فلا يدافع أحد عن نظام أكثر تحررا لشعبه.
تتجاوز الأزمة الخليجية استراتيجيات مختلفة لبناء القوة الناعمة لتصبح جزءا من السياسة الخارجية والدفاع، متأصلة في تاريخ استقلال دول المنطقة ومفاهيم الأمن القومي التي تحددها الجغرافية.
التركيز على جماعة الإخوان أمر بالغ الأهمية لفهم أزمة الخليج، لأنها تذهب إلى جوهر ديناميات السلطة في المنطقة، وبالنسبة للمبتدئين، فإن الدور الذي يلعبه الإخوان في قطر يختلف بشكل أساسي عن دورهم في دول الخليج الأخرى.
لفهم ما تفعله قطر، يجب الأخذ في الاعتبار أنه بلد يقع بين قوتين إقليمتين، السعودية وإيران، وكلاهما تشكلان تهديدا محتملا لها.
لم يتقاسم القطريون السلطة مع رجال دين وهابيين كما فعلت السعودية، وحتى الآن لا تفتخر الدوحة بوجود رجال دين بارزين بها، سوى يوسف القرضاوي، وهو في الأصل مصري يحمل الجنسية القطرية.
السلطة الدينية القطرية ليست مؤسسية، فعلى سبيل المثال، لا يوجد لدى قطر مفتي كبير مثل السعودية ومختلف الدول العربية الأخرى، كما أنها أنشأت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بعد 22 عاما من الاستقلال.
في ظل هذه الظروف، انسجمت جماعة الإخوان في نسيج المجتمع القطري، وبدأ القطريون يشترون كتب جماعة الإخوان من القاهرة.
ويوجد تخوفات لدى ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، من الإخوان، تكمن في أن الجماعة بنت قاعدة كبيرة داخل الجيش الإماراتي، وكان ذلك نتيجة دراسة استقصائية، أجريت بين المواطنين الإماراتيين قبل بضعة سنوات.
يرجع انعدام ثقة السعودية في الإخوان إلى ظهور حركة الصحوة المعارضة في المملكة ودعمهم للرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، في أعقاب غزو العراق للكويت عام 1990.
أعلنت الإمارات والسعودية جماعة الإخوان منظمة إرهابية في عام 2014، وبعد وفاة العاهل السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، وتولي سلمان بن عبد العزيز، للحكم تمكن بن زايد من الدخول من الباب الخلفي للحكم السعودي، ودعم محمد بن سلمان، الذي أصبح وليا للعهد مؤخرا.
يبدو أن السعودية والإمارات لم تتعلما سوى القليل من فشلهما من حشد الدعم واسع النطاق لحملة المقاطعة بين البلدان الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء، ومع ذلك، فإن الدول الإسلامية في قارة آسيا، معرضة لحملة ضغط من قبل الإمارات والسعودية، لإجبارهم على الانضمام إليهما، حيث تخشى دول مثل الهند وبنجلاديش والهند، هذا الضغط، من خلال تقليل السعودية عدد الحجاج أو طرد العمالة الآسيوية، بمثابة سلاح للانضمام لمقاطعة قطر.
ويشير استمرار عجز السعودية ودولة الإمارات عن توليد دعم قوي لحملتها ضد قطر إلى أن أبوظبي والرياض بحاجة إلى تغيير نهجهما، وهناك ثلاثة خيارات موجودة حاليا: التفاوض على طريقة لإنهاء الأزمة، أو تشديد الخناق الاقتصادي حول رقبة قطر، أو السعي إلى تغيير نظام الحكم في الدوحة، المؤكد أن حل الأزمة سيكون له عواقب بعيد المدى على المعايير المستقبلية الكامنة وراء العلاقات الدولية.
ترجمة : ريهام التهامي
ارسال التعليق