الأنظمة في الدول الخليجية أكثر هشاشة من أن تعتمد عليها أمريكا
أشارت صحيفة فورين آفيريز إلى أن بعد خمسة أشهر من الحرب في غزة، تكشّفت مجموعة من الأفكار الواهمة التي سادت لعقود. فمثلما بيّنت حرب تموز 2006 بين الكيان وحزب الله في لبنان بطلان سردية " الجيش الذي لا يقهر" ، فإن حرب اليوم في " الشرق الأوسط" أثبطت مجموعة من ما اعتُبر لسنوات كمُسلّمات: أن القضية الفلسطينية ماتت، وأن المنطقة المنهكة بالصراع ستركز على خفض التصعيد وعلى نموها الاقتصادي، وأن التحالف الإسرائيلي-الخليجي الناشئ سيوفر ثقلًا موازنًا ضد إيران.
وفي غوص أكبر بما يتعلق بالنقطة الأخيرة، كتب جريج كالستروم، إن العلاقات الهادئة التي نشأت بين إسرائيل ودول الخليج في العقد الذي تلا عام 2010 كانت مبنية على خوف متبادل من إيران. وقد أدى هذا الشعور بالمصلحة المشتركة إلى اتفاقيات إبراهام عام 2020، والتي من خلالها أقامت " إسرائيل" علاقات رسمية مع البحرين الامارات، وانطلق الحديث عن التطبيع مع " السعودية" .
معتبرا أن واشنطن، وفي محاولة يائسة للهروب من الشرق الأوسط، رأت في هذه الاتفاقيات فرصة: ستكون هناك حاجة أقل للقوات الأمريكية لاحتواء إيران ووكلائها إذا تمكنت إسرائيل ودول الخليج من القيام بهذه المهمة بأنفسهم.
مشيرا إلى أن ما حصل بعد هذا، هو العكس فهاهي إسرائيل إلى جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اليوم، تقاتل ما أسماهم " وكلاء إيران" في خمسة أماكن ــ غزة، والعراق، ولبنان، وسوريا، واليمن ــ ولا يمكن العثور على دول الخليج في أي طرف، فعلى الرغم من أن دول الخليج لا تقف إلى جانب إسرائيل ضد إيران، إلا أنها لا تصطف ضد إسرائيل أيضًا.
فقد حافظت الإمارات على علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، لدرجة أنها حافظت على رحلات جوية منتظمة إلى تل أبيب من دبي وأبو ظبي، حتى في الأيام الأولى للحرب، عندما كانت الطائرات شبه فارغة " العمل كالمعتاد" ، وفق ما قاله أحد رجال الأعمال الإسرائيليين للكاتب في يناير/كانون الثاني.
وحول الموقف البحريني: فقد شهدت البحرين احتجاجات مناهضة لإسرائيل، وأصدر برلمانها العاجز قرارا رمزيا بشأن قطع العلاقات مع إسرائيل، لكن نظامها تجاهل كل ذلك. ولا يزال السعوديون في عجلة من أمرهم لإبرام اتفاق التطبيع مع إسرائيل قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
وفي سياق حديثه عن " فراغ السلطة في الشرق الأوسط" ، بعد استعراض مجموعة من الوقائع التي حصلت في المنطقة والتي أظهرت أن لا أميركا ولا روسيا ولا الصين ولا إيران (وفق الكاتب) تملك اليد العليا في المنطقة، يشرح كيف أن كيانات " دول الخليج" هي أضعف من أن تتمكّن من الإمساك بالأمور، حتى وإن كانت هذه رغبة أميركا:
تعتمد هذه " الدول" على صادرات النفط لملء خزائنها، وعلى الواردات لإطعام سكانها، وعلى البنية التحتية الضعيفة، مثل محطات تحلية المياه، من أجل البقاء في منطقة غير مضيافة. علاوة عليه في عام 2019، ضربت الصواريخ والطائرات بدون طيار منشآت نفطية في " السعودية" ، مما أدى إلى تعطيل نصف إنتاج الأخيرة من النفط مؤقتًا. مشيرا إلى أن هذا الهجوم أوضح بشكل جليّ مدى ضعف دول الخليج.
وتابع: على الرغم من مليارات الدولارات التي تنفقها هذه الدول على الأسلحة – حيث تعد السعودية وقطر من بين أكبر خمس مستوردين للأسلحة في العالم – إلا أن جيوشهما ليست قادرة للغاية، حيث لا تتمتع بخبرة كبيرة في ساحة المعركة.
معتبراً الكاتب أن الإمارات العربية المتحدة تُعدّ من أقوى الجيوش الخليجية، إلا أنها ليست مجتمعاً محارباً متشدداً في القتال؛ بل هي مركز تجاري يزدهر بفضل سمعته كواحة من الاستقرار. " قد يكون لديها الجيش العربي الأكثر مهارة ـ وهو مستوى منخفض لا يمكن تجاوزه ـ لكن حكومتها تكره استخدام هذا الجيش في صراع قد يؤدي إلى سقوط الصواريخ على منتجعات دبي من فئة الخمس نجوم" وفقا للكاتب كالستروم.
ونوّهت الصحيفة إلى أنّ " المستبدون في الخليج الذين نجوا من الربيع العربي، أو خرجوا منه؛ يدركون أن عليهم التركيز على القضايا المالية، خشية أن تنهض شعوبهم المضطربة مرة أخرى، لكن بعد 7 أكتوبر؛ تبين أن المنطقة مليئة بالدول الفاشلة والصراعات التي لم يتم حلها" .
وختم بالقول " المنطقة تجد نفسها في فترة خلو العرش، وليس الحديث عن الأحادية القطبية أو التعددية القطبية: فالشرق الأوسط منطقة غير قطبية، ولا أحد هو المسؤول. فالولايات المتحدة قوة مهيمنة غير مهتمة وغير فعالة، ومنافسوها من القوى العظمى أكثر من ذلك. ولا تستطيع دول الخليج الهشة أن تملأ الفراغ؛ ولا إسرائيل تستطيع أن تفعل ذلك أيضاً " .
ارسال التعليق