التبييض الرياضي #السعودي حديث وسائل الإعلام العالمية
بقلم: جعفر الجشي...
نجح النظام السعودي بضم العديد من لاعبي كرة القدم العالميين، في إطار "فورة" رياضية تشهدها المنطقة الخليجية وكان أبرزها نجاح قطر في تنظيم مونديال 2022.
هذه الأحداث الرياضية ترافقت مع بروز مصطلح "الغسيل الرياضي"، الذي يستعمل لوصف الاستخدام السياسي للرياضة، حيث وُجّه الاتهام إلى النظام السعودي، خصوصا بعد انضمام النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر.
وعلى خلفية الخصخصة واستقدام النجوم، لفت المنظّمون السعوديون إلى كون القرارات المستجدّة جزءاً من خطة رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع عائدات البلاد والشروع في برامج تنمية وتحديث غير مسبوقة، كما أكدوا استهداف وصول الدوري السعودي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم، وزيادة إيراداته بالتوازي مع رفع قيمته السوقية.
هذه التصريحات لم تلقَ أصداءً إيجابية في الوسط الرياضي-السياسي، حيث أثارت استثمارات النظام السعودي جدلاً مستجداً على خلفية سجلّها المشبوه في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير، ما فتح فصلاً جديداً في ملف "الغسيل الرياضي" لتلميع الصورة والسمعة أمام الجمهور العالمي.
وقد ركّز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الرياضة بوصفها دعامة أساسية لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، مع تعزيز مكانة النظام السعودي والانفتاح أكثر على السياحة. في السياق، أعلن نخبة من اللاعبين العالميين، بمن فيهم كريم بنزيمة لاعب ريال مدريد، وكاليدو كوليبالي لاعب تشيلسي، مؤخراً أنهم سينضمون إلى الدوري السعودي الذي يحتضن بالفعل النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو. كما خصّصَ النظام مليارات الدولارات لإطلاق دوري "ليف غولف"، جاذبا كبار لاعبي الغولف العالميين إليه بمن فيهم فيل ميكلسون وداستن جونسون. كما عيّن نادي الاتفاق السعودي ستيفن جيرارد لاعب خط وسط إنجلترا وليفربول السابق، مديراً فنّياً له.
من المقرَّر أن يرأس محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان الشراكة بين "ليف غولف" ورابطة لاعبي الغولف المحترفين. كما يترأس نيوكاسل يونايتد، نادي كرة القدم الإنجليزي الذي اشتراه صندوق الثروة السيادي عام 2021.
خلال موسم ونصف فقط من استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، نجح الفريق في بلوغ دوري أبطال أوروبا بعد غياب عن البطولة دام نحو 20 عاماً، باحتلاله مركزاً ضمن الأربعة الأوائل في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويخطط النظام السعودي لإطلاق مجموعة استثمارية بمليارات الدولارات لتوسيع استثماراته الرياضية بعد زيادة قوتها في لعبة الغولف وفي كرة القدم الإنجليزية، وفق ما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن شخصين وصفتهما بالمطّلعَين.
وستكون المجموعة الرياضية جزءاً من الصندوق السيادي السعودي الذي يعمل على تعزيز بصمة النظام في القطاع، وفق الصحيفة، وهو ما قد يُعتبر إشارة إلى أن الرياض تعتزم إجراء مزيد من الاستحواذات والاستثمارات والمشاريع المشتركة في كرة القدم والتنس والرياضات الأخرى.
ووفق مصادر الصحيفة، ستركز المجموعة الاستثمارية الرياضية على الفرص الجديدة، لذلك لن تضمّ حيازات الصندوق في كل من الشراكة بين "ليف غولف" ورابطة لاعبي الغولف المحترفين، وكذلك نادي "نيوكاسل" الإنجليزي.
وفي سياق مُوازٍ، بضع النظام السعودي عينه على جذب مزيد من المستثمرين العالميين لتعزيز قوة دوري المحترفين السعودي –أكبر بطولة لكرة القدم في البلاد- ضمن خطته الاستراتيجية الكبرى التي بدأت باستقطاب كوكبة من نجوم الرياضة في أوروبا، وفق ما نقلته وكالة "بلومبرغ".
خلال الشهر الماضي استحوذ صندوق الاستثمارات العامة، البالغة قيمته 700 مليار دولار، جنباً إلى جنب مع شركة "أرامكو" النفطية الحكومية على عدة أندية في دوري المحترفين السعودي. وأوردت "بلومبرغ" أن تلك الخطوة تأتي لمساعدة الفرق على بناء علاماتها التجارية، وتعزيز إيراداتها، ومن ثم بيع حصص فيها للمستثمرين، بما في ذلك شركات الملكية الخاصة العالمية، للاستفادة من خبراتها في الإشراف على الفرق الرياضية.
غسيل رياضي يخفي الانتهاكات:
سلط تقرير لصحيفة "بروبايبل" الأميركية، الضوء وبالارقام على حجم الانفاق السعودي في مجال غسيل الأموال الرياضي في اوروبا والولايات المتحدة للتغطية على انتهاكات النظام السعودي في مجال حقوق الانسان وجرائم الحرب المرتكبة في اليمن ودعم الارهاب .
وذكر التقرير أن "مشجعي الرياضة في العالم الاوروبي والأميركي في حقيقة الامر لايعرفون سوى القليل عن "السعودية" لا يتجاوز انها دولة تقع في منطقة الشرق الاوسط الغنية بالنفط وتدعم العديد من النشاطات الرياضية لتحسين صورتها المتردية امام المجتمع الدولي في مجال حقوق الانسان".
وفي الإجمال، يصل حجم الغسيل الرياضي للاموال السعودية الى 3 مليار دولار سنويا، في حين ان معظم الرياضات التي ينفق عليها النظام السعودي مثل الغولف وسباق السيارات ليس لها شعبية في ظل نظام استبدادي متزمت. وقد يتساءل الكثير عن السبب في ذلك، والجواب بكل وضوح أن الغسيل الرياضي هدفه التغطية على الانتهاكات في مجال حقوق الانسان واعدام المعارضين ونسيان ضحايا جرائم الحرب العدوانية للنظام السعودي وحلفائه في اليمن.
وتعتبر العديد من المنظمات الحقوقية أن الغسيل الرياضي الذي يمارسه النظام السعودي هو محاولة لصرف انتباه العالم عن تجاهله المستمر لحقوق الإنسان الدولية. على سبيل المثال، سجل النظام سجلاً موثقًا جيدًا لانتهاكات حقوق الإنسان خلال عدوانه على اليمن، إذ سيظل هذا العدوان وصمة عار على سجله الإنساني في المستقبل المنظور.
كما يثير الافتقار إلى أي تعويضات ذات مغزى بعد اتفاق السلام أيضا التساؤل عما إذا كانت الصفقة مجرد وسيلة للسعوديين للانسحاب من الحرب في وقت كانت هناك حاجة إلى حملة جادة لإعادة تسمية العلامة التجارية.
في الداخل، لا تزال الحريات والحقوق السياسية مقيدة بشدة من قبل النظام. وعلى الرغم من التحركات لتخفيف بعض القيود المفروضة على النساء والأقليات الدينية، فإن هذه الإصلاحات جاءت بشكل متناقض مع إجراءات قاسية بشكل متزايد تجاه المعارضين السلميين. في العام الماضي فقط تم الحكم على الناشطتان سلمى الشهاب ونورة بنت سعيد القحطاني بالسجن لمدة 34 عاما و 45 عاما على التوالي، لمشاركتهما في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد النظام.
وفي الآونة الأخيرة، حُكم على العديد من رجال قبائل الحويطات بالإعدام بتهم الإرهاب بسبب احتجاجهم السلمي على مشروع ضخم هدد قرية أجدادهم. كما تم بالفعل تنفيذ أحكام الإعدام التسعفي بحق العشرات من معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين. لكن في حين أن التعتيم على قضايا حقوق الإنسان هو بالتأكيد جزء من المعادلة عندما يتعلق الأمر بهوس الرياضة لدى النظام السعودي، فإن دوافعه استراتيجية أكثر بكثير من تكتيكات الطعم والتبديل البسيطة. في جوهرها، تتناسب هذه الإجراءات مع جهد أوسع تم تحديده في حملة الرؤية السعودية 2030 لإعادة تسمية البلاد وتطبيعها ضمن النظام الدولي الليبرالي الأوسع.
وتتمثل رؤية بن سلمان في إعادة تشكيل العلامة التجارية السعودية باعتبارها تكنوقراطية استبدادية حديثة على غرار دولة الإمارات العربية المتحدة أو قطر. فهو يريد محاكاة دراسات الحالة الناجحة هذه من خلال الإصلاح الاقتصادي والتحديث العسكري والابتكار التكنولوجي والتحديث الثقافي وانفتاح نظامه على المشاركة والتبادلات الثقافية العالمية.
وقالت لينا عادل وياهو بن ريتش في موقع (the conversation) الأسترالي، إن فكرة الغسيل الرياضي هي أن السعوديين أصبحوا قلقين فجأة بشأن ارتباط البلاد بانتهاكات حقوق الإنسان. لكن بالنظر إلى أمثلة قطر والإمارات العربية المتحدة، فإن الأنظمة الاستبدادية قادرة على انتهاك المعايير والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ولا تزال تتناسب بشكل مريح مع النظام الدولي الليبرالي الأوسع.
واعتبرا أن السبب وراء ذلك يمكن في أن البلدان تؤدي وظيفة قيمة في الحفاظ على نفس النظام. وفي حين أن انتهاكات حقوق الإنسان ستستمر بلا شك في إضعاف جهود السعوديين، يراهن بن سلمان بشكل كبير على أنهم لن يقفوا في طريق الدول والشركات الأخرى التي تتعامل مع "مملكة منفتحة وعالمية بشكل متزايد".
ارسال التعليق