الخليج.. صفقات تسليح بأغراض سياسية
يبدو أن صفقات السلاح الضخمة لدول الخليج تخبئ وراءها صفقات سياسية، فالأرقام التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خيالية مقارنة مع حجم الإمكانات والقدرات العسكرية لدول خليجية صغيرة، ومن ذلك الصفقات التي أعلن عنها، في شهر مايو الماضي، بين السعودية وأمريكا وتتجاوز 400 مليار دولار، وتشمل مبيعات عسكرية بقيمة 110 مليارات دولار.
الصفقة التاريخية مع واشنطن، أعقبتها سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان، على الحكم في السعودية، فيما تواجه الانتهاكات اللإنسانية التي يفعلها العدوان السعودي في اليمن من قتل ودمار وحصار تكتما شديدا.
وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، قالت أمس، إن بلادها تأمل في إبرام صفقات لبيع 12 مقاتلة “رافال” وعربات مدرعة لقطر، خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدوحة الشهر الجاري، فيما كانت قطر قد وقعت، سنة 2015، صفقة مع فرنسا في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” بقيمة 6.3 مليار يورو، كما وافق البنتاجون الأمريكي، قبل أشهر، على بيع صفقة طائرات مقاتلة لقطر، من طراز إف 15 بقيمة بلغت 12 مليار دولار، في اتفاقية وقعها وزير الدفاع جيمس ماتيس، مع نظيره خالد العطية.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية بنجامين غريفو، قد صرح، الإثنين الماضي، بأن “الرئيس ماكرون سيتوجه مباشرة إلى الدوحة في 7 ديسمبر المقبل انطلاقا من مطار الجزائر، وذلك بعد انتهائه من الزيارة التي يبدأها للجزائر في السادس من ديسمبر”.
الصفقات العسكرية القطرية لا تخلو من بعد سياسي، خاصة إذا ما قورنت بالإمكانيات المتواضعة للجيش القطري، إذ يبلغ تعداده 11800 فرد فقط، مقسمين إلى 8500 مشاة، و1800 في القوات البحرية، و1500 في القوات الجوية، وتتحدث التقديرات السنوية عن وصول 12 ألف قطري للخدمة سنويا، وفقا لموقع “جلوبال فاير باور” الشهير، كما أن قطر لا تستطيع التعويل على جيشها في أي خلاف مع أية دولة، وهو الأمر الذي بدا واضحًا في أزمتها الأخيرة، حيث استعانت بتركيا لمواجهة أي تهديدات محتملة من قبل الدول التي فرضت عليها المقاطعة، وهي السعودية والإمارات والبحرين.
الصفقة القطرية للطائرات مع أمريكا، تزامنت مع استمرار إعلان قطع العلاقات مع قطر من قبل السعودية، ما يشير إلى أن واشنطن استثمرت الخلاف الخليجي، وأجبرت بطريقة غير مباشرة كلتا الدولتين على شراء السلاح الأمريكي، فكل من الدوحة والرياض تحاولان خطب ود واشنطن عن طريق عقد الصفقات معها لكسب تحيزها ضد الأخرى في الأزمة الخليجية الأخيرة.
وفيما يتعلق بالصفقة القطرية الفرنسية، لا يعرف على وجه الدقة، ما إذا كان طيارو قطر قادرين على استعمال هذه الطائرات أم أنها ستضم المقاتلات إلى مخزن الأسلحة غير المستخدمة، خاصة أن قرب إتمام الصفقة يتزامن مع تزايد المطالب بفتح ملف الفساد القطري وتورط الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، بالتدخل من أجل منح قطر حق تنظيم كأس العالم 2022، حيث قال الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر، “إن قطر فازت بفضل السلطات العليا الفرنسية”.
حال البحرين لا يختلف عن حال قطر من حيث قلة عدد أفراد الجيش، بل إن البحرين تعيش وضعا اقتصاديا مزريا، ومع ذلك فإنها ما زالت تعقد صفقات عسكرية ضخمة مع الولايات المتحدة، وقال ترامب، خلال لقائه ولي عهد البحرين سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، إن قيمة الصفقات مع البحرين بلغت 9 مليارات دولار، وستشمل تزويد المنامة بمقاتلات من طراز إف16.
ويعاني الاقتصاد البحريني من أزمة كارثية، فوفقًا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن البحرين ربما تفشل في الحفاظ على سعر الدينار مقابل الدولار، ما لم تحصل على مساعدات مالية عاجلة، مشيرةً إلى أن البحرين طلبت مساعدات من كل من السعودية والإمارات، ولكنها لم تحصل منهما حتى الآن على رد.
وبحسب تقارير، فإن البحرين إذا لم تنفق 3 مليارات دولار لتمويل احتياجاتها في العام 2017، فإن إيراداتها لن تكون كافية إلا لتغطية جزء من العجز في موازنة العام المقبل، والذي سيبلغ 4.2 مليارات دولار، في حين سيتم تمويل الجزء المتبقي عبر قروض إضافية أو اللجوء إلى الاحتياطات الحكومية، وتتمثل أزمة البحرين في أنها ليست دولة نفطية كالسعودية، كما أنها تعاني من ارتفاع الديون السيادية، وظلت طوال العامين الماضيين تمول عجز الميزانية بالدين، ويفوق الدين البحريني حاليًا 24 مليار دولار.
الصفقة البحرينية الأمريكية تتزامن، هي الأخرى، مع ضغوط على البحرين بسبب انتهاكاتها بحق المعارضة البحرينية، خاصة فيما يتعلق بالوضع الصحي للشيخ عيسى قاسم، أكبر مرجعية دينية في البحرين، وقوبلت انتهاكات السلطات البحرينية بحق الشيخ البحريني بردود فعل محلية وإقليمية ودولية غاضبة حمَّلت سلطات آل خليفة المسؤولية الكاملة عن سلامة الشيخ، وطالبتها برفع الإقامة الجبرية عنه وإدخاله المستشفى لتلقي العلاج اللازم، وحثّت المنظمات الحقوقية الدولية السلطات البحرينية على تحمل مسؤولياتها تجاه القمع الحاصل ضد السواد الأعظم من سكان البلاد، كما طالبت منظمة العفو الدولية السلطات في البحرين بتسهيل وصول الشيخ عيسى فورا لتلقي العلاج الطبي.
ويرى مراقبون أن البحرين، بحثا عن مظلة تغطي بها انتهاكاتها ضد المعارضة في الداخل، لجأت إلى صفقات عسكرية مع واشنطن، وهي السياسة التي لا تختلف عن السياسة السعودية للتغطية على جرائمها في اليمن، والاتهامات الموجهة لها بالمسؤولية عن أحداث 11 سبتمبر، ودعم الإرهاب في سوريا.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق