الدعم العسكري الأمريكي للسعودية يقود المنطقة إلى كارثة (مترجم)
السعادة تغمر واشنطن والرياض بعد عودة التحالف بينهما إلى مستويات دبلوماسية ممتازة، فكلا العاصمتين تبتهج لتجديد شباب التحالف الذي مضى عليه عقود، إلا أنه تعثر أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
وبشكل حازم، أكدت إدارة ترامب على القيمة الاستراتيجية لقوة الرياض كمحور لتعزيز العلاقة، ومع ذلك، فإن الموقف الأمريكي يتركز بشكل حاسم على المصطلحات العسكرية، حيث تعتقد واشنطن أنها تلعب دورا في إحباط دور إيران الإقليمي بمساعدة السعودية عسكريا، مستبعدة جميع العوامل والقيم الأيديولوجية والاجتماعية والسياسية التي تشكل أسس العلاقات القوية.
تقلق واشنطن من دور إيران في المنطقة، إلا أنها تغض الطرف عن الدور السعودي المباشر في إثارة ونمو الإرهاب وتعزيز أيدولوجية الرياض الوهابية، فكل ما يهم الولايات المتحدة هو الحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أثناء زيارته الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة تريد السعودية دولة قوية، مضيفا أن الاضطرابات تتواجد حيثما توجد إيران، وخلال اجتماعه مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، أكد ماتيس على التعاون العسكري مع المملكة كوسيلة لتعزيز الصداقة الاستراتيجية بين الحليفين.
أما ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، صاحب اللهجة المعادية لإيران، يسعى بشكل كبير للتعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الإقليمية، كما أن واشنطن تقف بجانب السعودية حيال هذه المسألة، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، على الموقف الأمريكي الحاد تجاه إيران.
على الولايات المتحدة التصدي لجميع التهديدات التي تشكلها إيران، صحيح أن طهران لها دور في سوريا واليمن والعراق ولبنان والبحرين، إلا أنه لا يمكن النظر لدورها بمعزل عن سياسات السعودية أيضا في تلك البلدان، وبعبارة أخرى، فإن السياسة الإقليمية للسعودية مهدت الطريق لإيران ليصبح لها دورا اجتماعيا وسياسيا في البلدان السابقة.
اعتناق السعودية للوهابية مهد الطريق للتطرف، ورغم ذلك، فإن السياسة الإقليمية السعودية تعد الأكثر اتساقا مع المصلحة الوطنية الأمريكية، ولكن ليس في اليمن.
لا تتبنى الولايات المتحدة وجهة النظر التي ترى أن إيران تتدخل في اليمن، بصرف النظر عن تاريخ اليمن والديناميات الاجتماعية والسياسية.
لا تضع الولايات المتحدة في حسابتها الديناميات المحلية لليمن، وبالتالي مساعدتها للتدخل السعودي هناك يعد خطرا كبيرا على اليمنيين والأمريكيين أنفسهم.
انقسمت اليمن إلى شمال وجنوب، وكثيرا ما اندلع التوتر بينهما ليصل إلى مناوشات مسلحة، وفي عام 1979، أدت هذه التوترات إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، وساهمت الجامعة العربية في حل النزاع وتوجيه البلاد إلى طريق الوحدة.
ومع تراجع قوة الاتحاد السوفيتي، اتفق زعما الشمال والجنوب في نوفمبر 1989 على مشروع دستور الوحدة الذي كان قد وضع في 1981، وتم الإعلان عن الجمهورية اليمنية في عام 1990، وأصبح علي عبد الله صالح، رئيسا، وعلي سليم البيض، نائبا للرئيس.
توحدت اليمن مع اختلاف الطوائف الدينية بها، إلا أن هذا الوضع لم يرض جارتها السعودية، وبدأت في دعم الوهابية هناك ودعم السلطات المركزية لفرض حكمها في أنحاء البلاد، وتعزيز المدرسة الوهابية السلفية.
وبدأ جنوب اليمن الشعور بأنه مهمش، ويتعرض للخطر، خاصة بعدما ركز العديد من علماء الدين اليمنيين المتعلمين في السعودية، مثل مقبل بن هادي الوديعي، وحسام البهلاوي، ومحمد المهدي، ومحمد الوصابي، على نشر العقيدة الوهابية السلفية.
حين شعر الجنوب بالهجوم الوهابي على مجتمعه وثقافته، بدأ الحشد لمواجهة ما اعتبروه هجوما وهابيا على وجودهم كمجتمع بقيادة بدر الدين الحوثي.
بدأت المناوشات بين الشمال والجنوب بمساعدة السعودية لحكومة صنعاء الاستيلاء على الجنوب واضطهاده تحت إشرافها، حتى تم نفي بعض الشخصيات البارزة للحوثيين آنذاك، ومن ثم انطلقت حركة الحوثي للدفاع عن الهوية اليمنية، وبدأت مناهضة الحكومة المدعومة من الرياض، إلا أن الحكومة الوهابية قتلت الكثير منهم.
في تلك الأثناء، بدأت القاعدة تعمق وجودها في اليمن، بالاستعانة بعدد كبير من العائدين من أفغانستان، وازدادت قوتها بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق.
ومع ضعف السلطات المركزية والصراعات الداخلية وانتشار المناطق غير الخاضعة للرقابة وارتفاع معدلات البطالة تمكنت القاعدة من نشر أيدولوجيتها السلفية.
ومع اندلاع الربيع العربي عام 2011، بدأت الثورة في اليمن، مما أضعف السلطة المركزية جزئيا، وأيضا مع انتشار الصراع الداخلي وتحول التحالفات الجذري، وافق الرئيس صالح على تسليم السلطة لنائبه، عبد ربه منصور هادي الذي نصب رئيسا في فبراير 2012.
ونتيجة لذلك، تم إضعاف اثنين من الأحزاب الرئيسية المدعومة من السعودية، مما قوض نفوذ الرياض في البلاد، ودفع الحوثيين لتعزيز قوتهم واعطاهم إمكانية التأثير على خصومهم.
وبسبب عدم قدرة هادي على مواجهة التحديات التي يواجهها مؤيدوه ومعارضوه على حد سواء، أقال حكومته في أغسطس 2014، وسرعان ما استطاع الحوثيون بالتعاون مع صالح السيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014، مما اعتبرته السعودية انقلابا، ووجهت أصابع الاتهام إلى إيران، وبدأت في مارس 2015 تحالفها مع دول عربية أخرى لقصف اليمن، وعرضت واشنطن الدعم اللوجستي والاستخباراتي للحملة التي تقودها السعودية.
وبعد عامين، فشلت الحملة التي تقودها السعودية، وأسفرت عن تدمير اقتصاد اليمن وأمنه، واستغل ذلك تنظيم القاعدة وداعش، ليوسع هجماته الإرهابية في أنحاء البلاد.
وفي أعقاب فقدان عدد من قواتها في اليمن، استأجرت دول الخليج العربي مرتزقة لاستكمال حملتها، ونشرت دولة الإمارات العربية المتحدة، أكبر قوة مرتزقة في اليمن، من إثيوبيا والصومال والسودان ودول أخرى.
وتفيد التقارير بأن إريك برينس وموظفيه السابقين في شركة بلاك ووتر، قادوا قوة المرتزقة، وفي الوقت نفسه، يواجه الشعب اليمني أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 21.2 مليون أو 82% من سكان اليمن يعانون من أزمات إنسانية، كما يموت العديد من الأطفال بسبب المجاعة.
وفي ظل ما سبق من خلفيات تاريخية ودينية وسياسية، ترغب إدارة ترامب في تعزيز الدور العسكري السعودي في المنطقة بشكل أساسي كموازنة مع إيران، لكن هذا النهج الساذج لن يقود إلا إلى تعميق الصراعات والأزمات، ليس فقط في اليمن ولكن أيضا سوريا والبحرين، كما سيعزز بشكل غير مباشر من قوة الإرهابيين.
على واشنطن أن تحافظ على تحالفها مع السعودية وتعززه، لكنها يجب ألا تصمت عما تفعله الرياض من استخدام لعقيدتها الوهابية وسياستها الدينية المعادية للطوائف الأخرى في الداخل والخارج، وإلا ستصطدم واشنطن بكارثة إنسانية منتظرة في اليمن.
بقلم : ريهام التهامي
ارسال التعليق