«الشرقية» تصرخ: إنني أغرق!
استنفار تام، وإغلاق أنفاق «احترازياً»، وصافرات إنذار وتحذيرات، وقطع التيار الكهربائي عن الحدائق العامة، وتوصيات بالتزام المنازل، وذهول أصاب سكان «المنطقة الشرقية» من الآثار التي خلفتها الأمطار في مدنها وقراها على رغم تحذيرات هيئة الأرصاد.
هكذا بدا المشهد خلال الـ٤٨ ساعة الماضية في الشرقية، إثر عاصفة أمطار شهدتها المنطقة، دفعت قاطنيها إلى توثيق تلك اللحظات التي لن تمحى من ذاكرتهم لسنوات طويلة.
١,١ مليون متر مكعب حصيلة كميات الأمطار التي شهدتها المنطقة الشرقية في ظاهرة غير مسبوقة، كما وصفها ساكنو المنطقة أنفسهم، وكشفت موجة الأمطار طريقة الجهات الحكومية في التعامل معها والاستفادة من الأخطاء، حيث كانت البداية مع أمانة المتطقة الشرقية التي قامت بإغلاق ثلاثة أنفاق في مدينة الدمام، بالتعاون مع إدارة المرور والدفاع المدني «احترازاً»، نظراً إلى غزارة هطول الأمطار التي شهدتها المنطقة.
إذ أغلقت نفق طريق الملك فهد - تقاطع الأمير محمد بن فهد، ونفق طريق الملك فهد - تقاطع الخليفة عثمان بن عفان، ونفق طريق الملك فهد - تقاطع الأمير نايف، لضمان سلامة قائدي المركبات.
وبدأت الأمانة في تحرك إعلامي واسع عبر إطلاق أربعة بيانات صحافية، إضافة إلى إطلاق عشرات التغريدات التوعوية والتحذيرية عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ولم تكتفِ بهذا، إذ خرج أحد مسؤوليها في لقاء مباشر عبر قناة الإخبارية السعودية لإطلاق رسائل مباشرة لقائدي المركبات والمواطنين والمقيمين. فيما قامت بنشر عشرات المعدات والأليات والفرق الميدانية لشفط مياه الأمطار وإزالة تجمعات مياه الأمطار الغزيرة، إضافة إلى قيامها بضخ ملايين المترات المكعبة من مياه الأمطار إلى البحر.
الدفاع المدني كان حاضراً عبر تفعيله مواقع التواصل الاجتماعي التابعة له من خلال إطلاق عدد من التنبيهات بموجة الأمطار التي ستشهدها المنطقة، إضافة إلى وجود عدد من فرقه الميدانية عند الأنفاق والجسور والكباري وكذلك في بعض الشوارع الرئيسة التي شهدت تجمعات مياه الأمطار، فيما عملت على القيام بدور التثقيف من خلال بث رسائل توعوية إرشادية وطالبت الجميع بالبقاء في منازلهم خوفاً من الخروج في هذه الأجواء الماطرة.
«تعليم الشرقية» كان الجهة الحاضرة الغائبة، إذ لم تخرج إلا عندما أعلنت تعليق الدراسة الأربعاء الماضي، فيما إلتزمت الصمت يوم الخميس الماضي، الذي كان الأشد في كمية الأمطار، ما دفع المدارس إلى إرسال إشعارات نصية إلى أولياء أمور الطلاب والطالبات بعد حضورهم إلى المدارس بأقل من ساعة بضرورة الحضور فوراً لتسلم أبنائهم، وهو أشبه بقرار تعليق الدراسة من مديري المدارس، والذي يبدو أنه تم اتخاذه من أنفسهم من دون الرجوع إلى إدارة التعليم، التي بقيت صامتة، ولم تطلق أي تحذيرات أو إرشادات لأكثر من نصف مليون طالب وطالبة في الشرقية، في موقف أثار الاستياء، إذ يفترض أن تكون من أوائل الجهات التي تتعامل مع موسم الأمطار بشكل احترافي.
بيد أن الذي دفع مديري المدارس لتعليق الدراسة ليس بسبب الأمطار فقط، وإنما بسبب سوء المباني، التي تعرض بعضها لتسربات مياه في الفصول الدراسية، إضافة إلى حدوث تماس كهربائي في بعض المدارس الأخرى، وكذلك تجمعات الأمطار الكبيرة التي شهدتها المدارس.
عدوى الأمطار طاولت أبراج خطوط نقل الطاقة الكهربائية، فأدت إلى سقوط بعضها وانقطاع التيار الكهربائي، ما دفع شركة الكهرباء لاستنفار مواردها البشرية للعمل على إصلاح هذه الأبراج، وضمان عدم تضرر السكان بانقطاع التيار الكهربائي.
إلى ذلك، شهدت بعض المباني الحكومية تسرب كميات كبيرة من مياه الأمطار، حيث تناقل مغردون في مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، صوراً لمستشفى شهير تعرض لتسريب مياه، وكذلك تم تداول صوراً لبعض المباني الحكومية والخاصة، والتي لم تقاوم كميات الأمطار الشديدة حتى امتلأت أروقتها هي الأخرى بالأمطار. بيد أن المفاجئة الكبرى كانت إعلان الموسسة العامة للخطوط الحديدية إصابة 20 شخصاً في حادثة تعرض لها أحد قطاراتها المتجه من الرياض إلى الدمام صباح أمس، ولم توضح الموسسة أسباب الحادثة، واكتفت بالقول إنه تم تشكيل فريق للتحقيق في ملابساته، إلا أن الصور التي انتشرت عن حادثة القطار توضح خروجه عن المسار، وتجمع كميات كبيرة من مياه الأمطار حول القضبان الحديدية للقطار، ما قد يرجح أن تكون الأمطار وراء خروج القطار عن مساره.
أمطار «الشرقية» تعيد كارثة جدة إلى الأذهان
أعادت الأمطار التي شهدتها المنطقة الشرقية إلى الأذهان ما تعرضت له محافظة جدة في ٢٠٠٨ من سيول نتيجة هطول أمطار شديدة نتج منها إتلاف الممتلكات وغرق منازل ووفيات، أدت إلى إصدار عبدالله بن عبدالعزيز، قراراً عاجلاً بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب ومحاسبة المتسببين، وتخوف عدد من سكان المنطقة الشرقية من أن تتحول موجة الأمطار التي شهدتها المنطقة إلى كارثة طبيعية مشابهة لما حدث في جدة، وهو ما دعا المواطنين إلى اتباع إجراءات السلامة والبقاء في منازلهم وعدم قيادة مركباتهم، فيما عمد عدد من المحال التجارية والمطاعم إلى إغلاق أبوابها باكراً تحسباً لأي طارئ قد يحدث نتيجة تصاعد منسوب المياه في الشوارع. وبدا عدد من الشوارع فارغة من المركبات، وشبه خالية من مرتاديها، وتصاعدت المطالبات والتساؤلات عما إذا كانت شركات التأمين ستقوم بتعويض المتضررين أم لا.
عين المواطن توثّق مرتين.. للذكرى وللاستغاثة
على رغم موجة الأمطار الشديدة فإن كاميرا المواطن نجحت في تخطي جميع الصعوبات التي واجهتها، وكانت سيدة الموقف والحاضرة بالقوة في المشهد، إذ وثق آلاف المواطنين صوراً وفيديوات للأمطار التي شهدتها الشرقية منذ البداية.
وأطلق مغردون «وسماً» عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بعنوان: «أمطار الشرقية»
وتم تدوين عشرات التغريدات والصور، فيما تنوعت التغريدات والصور بين من اعتبرها للذكرى، وبخاصة أن المنطقة الشرقية واجهت في الأعوام الماضية ندرة الأمطار. فيما كان فريق آخر يضع الصور من باب الاستغاثة ولفت نظر المسؤولين للتحرك سريعاً ومواجهة ما خلفته الأمطار.
ارسال التعليق