الغزو الروسي لأوكرانيا يعيد بن سلمان للواجهة عبر بوابة النفط
"هل يجبر سعر النفط بايدن على الاتصال بمحمد بن سلمان".. هكذا تساءلت وسائل إعلام أمريكية، في إشارة بالغة الوضوح على حجم التأثير الذي تحتفظ به البقرة الحلوب (السعودية) على المسرح الدولي.
وإلى أي مدى يمكن لابن سلمان، الاستفادة من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، في العودة إلى المشهد، منذ تضرر صورته، على خلفية التورط في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، بقنصلية المملكة بإسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وكيف يمكن للمملكة، الموازنة بين ضغوط الغرب والولايات المتحدة، واتفاقات "أوبك+" بشأن حصص إنتاج النفط، بعد أن تجاوزت أسعار النفط 100 دولار في أعلى مستوى لها منذ 8 سنوات.
تساؤلات عدة، تطرح نفسها بقوة، في ظل تدافع الدول الغربية الآن لإيجاد مصادر بديلة للطاقة في حالة انقطاع الإمدادات الضخمة من النفط والغاز من روسيا.
اتصالات مباشرة:
لا يمكن بحال من الأحوال، فصل مباحثات وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان"، مع نظيره الفرنسي "جان إيف لودريان"، في العاصمة باريس، الإثنين الماضي، عن تطورات الحرب الأوكرانية، ومعها تقلبات سوق الطاقة عالميا.
وتأتي المباحثات، بعد اتصال هاتفي تلقاه "بن سلمان" من الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"؛ لبحث تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على أسواق الطاقة، الأمر الذي يؤكد أن الزعيم الغربي حمل طلبا أوروبيا، وربما أمريكيا، بشكل غير مباشر للرياض بالتدخل للجم الأسعار.
من المؤكد أن اتصال "ماكرون" لن يرضي غرور الأمير الشاب، الذي يرفض الرئيس الأمريكي الحالي، التحدث إليه، منذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض مطلع العام الماضي، معلنا تبني سياسة إعادة "ضبط العلاقات" مع المملكة.
والشهر الماضي، أوفد "بايدن" إثنين من المسؤولين الأمريكيين إلى السعودية، هما مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي "بريت ماكجورك"، ومبعوث وزارة الخارجية للطاقة "عاموس هوشتاين"؛ للضغط على المسؤولين السعوديين لضخ المزيد من النفط حتى تستقر الأسواق، دون نتيجة.
أسعار تصاعدية:
إلى الآن، لم تثمر الضغوط الأمريكية عن شيء، وهو الأمر الذي دفع مسؤولا أمريكيا إلى التصريح لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، بأن السعوديين يقاومون أي تغييرات في الإنتاج متعللين بالالتزام باتفاق "أوبك+".
يفاقم الضغوط على الإدارة الأمريكية، التوقعات الصادرة عن شركة "فيتول جروب"، إحدى أكبر الشركات المستقلة لتجارة الطاقة في العالم، والتي تؤكد أن أسعار النفط قد تتجاوز 100 دولار للبرميل لفترة زمنية طويلة.
ويرجح بنك "جي بي مورجان" الأمريكي، وهو من أكبر البنوك في العالم، أن يؤدي النقص في إنتاج النفط، إلى الدفع بالأسعار للارتفاع إلى 125 دولارا للبرميل في الربع الثاني من العام الجاري.
وإذا دفعت الأزمة الروسية الأوكرانية سعر النفط إلى حوالي 110 دولارات للبرميل، فإن التضخم في الولايات المتحدة سيتجاوز 10% على أساس سنوي، وهو أمر لم يحدث في الولايات المتحدة منذ عام 1981، وفقًا لشركة RSM الاستشارية.
ومع قرب حلول موعد الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تزدادا الضغوط على إدارة "بايدن"حيث يتوقع تغيير السيطرة على أحد مجلسى الكونجرس أو كليهما، ومعها تزاداد الحاجة الملحة للحليف السعودي لضبط أسعار النفط، وتهدئة الأسواق.
ويرى رئيس مركز "الخليج للأبحاث" ومقره السعودية، "عبدالعزيز صقر"، إنه "من المنطقي أن تغير الولايات المتحدة نهجها تجاه السعودية بوصول سعر النفط إلى 100 دولار".
بينما تعتقد "إلين وارد"، الزميلة في مركز أبحاث "المجلس الأطلسي" بواشنطن، أنه "حتى لو أجرى بايدن تلك المكالمة التي طال انتظارها مع ولي العهد السعودي، فليس هناك ما يشير إلى أن بن سلمان سيستجيب بسبب طلب شخصي".
مكاسب سعودية:
بلغة المكاسب والخسائر، يمكن القول، إن السعودية في حاجة ماسة لسعر مرتفع لبرميل النفط؛ لتعويض خسائرها التي منيت بها بفعل جائحة "كورونا" على مدار عامين.
ووفق وكالة "بلومبرج"؛ فإنه إذا ظلت أسعار النفط (فوق 80 دولارا للبرميل) والإنتاج السعودي عند المستويات الحالية (أكثر من 10 مليون برميل يوميا)، فإن إجمالي عائدات المملكة من النفط سيتجاوز 300 مليار دولار في عام 2022.
وتؤكد الوكالة الأمريكية، أن السعودية في طريقها في عام 2022 لتحقيق أكبر قدر من الأموال من عائدات النفط في 8 سنوات، ما يساعد على إنعاش خزائن المملكة بموجة من دولارات النفط، ودعم خطط "بن "سلمان" في الداخل لتحقيق رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد السعودي.
وإضافة إلى دولارات النفط، لا شك أن هناك رغبة سياسية لدى الرياض في جني مكاسب سياسية، أولها معاقبة "بايدن" بسبب موقفه المناهض لـ"بن سلمان"، وضرب الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، جراء تحميله المسؤولية عن ارتفاع التضخم وزيادة أسعار الوقود، بحسب موقع "ذي إنترسبت".
ويعلق "ألان وولد" الزميل في المعهد الأطلسي، بالقول: "لا أرى أن السعودية تدفع باتجاه إعادة التفاوض على اتفاق الإنتاج بشكل يسمح بزيادة الإنتاج، ونتيجة لهذا ستواصل أسعار النفط الصعود حتى حلول الانتخابات النصفية والتي تؤثر تاريخيا على سلوك الناخبين".
ولا شك أن "بن سلمان" الذي لم يتردد بتلبية طلب حليفه الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" لزيادة معدلات الإنتاج قبل انتخابات عام 2018 النصفية، لن يكون بذات الحماسة للرضوخ لطلب "بايدن"، أو على الاقل، سيفعل ذلك بشروط، أهمها إغلاق ملف "خاشقجي"، واستعادة القبول الدولي له كملك محتمل للسعودية، خلفا لوالده.
خيارات مطروحة:
يمكن للسعودية إرسال كميات من النفط إلى أمريكا بشكل منفرد بدون أن يؤثر ذلك على اتفاق "أوبك+"، وفق طرح المحلل السعودي "سامي المدني" مؤسس مركز "تانكر تراكرز".
وقد تغري عائدات النفط السخية الرياض وعواصم نفطية أخرى بالاستمرار في تحفظها على زيادة صادراتها النفطية، بدعوى الالتزام باتفاق "أوبك+" الذي يضيف فقط 400 ألف برميل يوميا إلى الإنتاج شهريا.
وقبل أيام، قال وزير الطاقة السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان" إن الوباء والتعافي الجاري "علمنا قيمة توخي الحذر"، مشددا على ضرورة "الاحتفاظ بالمرونة واعتماد منظور طويل الأجل".
ولا شك أن تطورات الحرب الروسية الأوكرانية سيكون لها الكلمة العليا في حسم الأمور، لا سيما أن طول أمدها سيشعل أسعار النفط، وسيمكن "بن سلمان" ربما في فرض شروطه، أو على الأقل الحصول على تنازلات من البيت الأبيض.
في المقابل تبدو الخيارات الأمريكية محدودة للجم أسعار النفط، بالإقدام على خطوة غير مسبوقة وهي السحب من المخزون الاستراتيجي لتهدئة الأسعار، مع خطوات منسقة مماثلة من كبار مستهلكي النفط في العالم.
لكن مدير معهد كوينسي (مقره واشنطن) "تريتا باريسي"، يلفت النظر إلى خيار آخر يتمثل في رفع العقوبات عن إيران، وهي دولة مهمة في مجال إنتاج النفط ويمكن لـ"بايدن" العمل معها لتجاوز رفض الرياض زيادة معدلات إنتاج النفط.
ويقول "باريسي": "لو عادت إيران إلى أسواق النفط، فإن ذلك سيحد من قدرة السعودية على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة عبر سلاحها النفطي".
ويمكن عبر تفاهمات سرية وصفقات غير معلنة، قد تجري بالفعل، عبر دوائر أمريكية وسعودية نافذة، تهدئة التوتر بين "بن سلمان" و"بايدن"، في ظل حاجة واشنطن للسعودية للضغط على "بوتين" وإنهاء حرب أوكرانيا، ومعها لجم أسعار النفط، مقابل منح ولي العهد السعودي بعضا مما يريد.
ارسال التعليق