المغامرة السعودية الجديدة..غطاء التدخل العسكري إقليمي ودولي في سوريا
بسم الله الرحمن الرحيم
المغامرة السعودية الجديدة..غطاء التدخل العسكري إقليمي ودولي في سوريا
الكاتب عبدالعزيز المكي
في خطوة لا تبدو مفاجئة، كما ذهب بعض المراقبين، أعلن آل سعود عن استعدادهم لإرسال قوات برية إلى سوريا، إذا رأى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضرورة ذلك، لمقاتلة ((الدولة الإسلامية))- داعش- في سوريا،جاء ذلك على لسان المتحدث باسم العدوان السعودي على اليمن أحمد العسيري يوم الخميس الماضي، واللافت أن الولايات المتحدة سارعت إلى تأييد هذه الخطوة،حيث رحب وزير الدفاع أشتون كارتر باستعداد السعودية لإرسال قوات برية إلى سوريا بهدف محاربة ما يعرف بتنظيم الدولة، بحسب وكالة رويترز، وأضاف انه يتطلع لمناقشتة مع وزير الدفاع السعودي في بروكسل الأسبوع المقبل...وهو موقف يتطابق مع ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيري عند سؤاله عن تصريحات العسيري قائلاً "إن التحالف يؤيد في العموم أن تزيد ساهمة الشركاء في الحرب ضد "الدولة الإسلامية" لكنه لم يطلع على المقترح السعودي المذكور، مشيراً إلى أنه لم يعلق على هذا المقترح حتى يطلع عليه.
بعض المحللين اعتبر الخطوة السعودية، مجرد مزحة، لأن النظام السعودي متورط الآن في عدوانه على الشعب اليمني، ومنذ أكثر من300 يوم يشن هذا العدوان ويستعين بقوات سنغالية وسودانية ومغربية وأردنية وكولومبية إضافة إلى قوات قطرية وإماراتية وبحرينية وكويتية، ويستخدم كل أنواع الأسلحة المتطورة، لكنه لم يحقق أي من أهدافهم فيما الحق أنصارالله والجيش اليمني على الرغم من تواضع أسلحتهم الهزائم تلو الهزائم بالجيش السعودي ومرتزقة آل سعود، ذلك إضافة إلى سرعة ظهور علامات الأعياء على الوضع الاقتصادي السعودي، فكيف للنظام السعودي أن يخوض حرباً أخرى في سوريا وضد جبهة قوية جداً ومدججة بالأسلحة المتطورة وتقف وراءها دولة عظمى وهي روسيا..؟
حتى الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا علقت بسخرية على كلام العسيري، على خلفية الوضع السعودي في اليمن قائلة ((السعودية مستعدة لعمليات برية في سوريا ضمن جهود التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، جاء هذا على قناة العربية، عن مستشار وزارة الدفاع أحمد العسيري...أضافت أنا أسال...هل غلبتم الجميع في اليمن)).
قرار السعودية خطة معدة مسبقاً
صحيح أن النظام السعودي لا قدرة له على التدخل العسكري في سوريا، وهو يخوض الآن حرباً عسكرية في اليمن يدفع فيها أثماناً باهظة في المعدات والأفراد والجغرافيا، وصحيح أن هذا الكلام يبعث على المسخرة، في ظل التوازنات والمعادلات العسكرية في سوريا والمنطقة والتي باتت لغير صالح الإرهابيين وحماتهم الاميركان والصهاينة والأتراك والسعوديين وغيرهم..كل ذلك صحيح، ولكن هذا القرار السعودي، هو تظهير لمخطط مسبق أعِدّ له جيداً، لكن التطورات العسكرية في ريف حلف الشمالي وفي الجنوب السوري في درعا تحديداً سرعت من عملية التظهير والإعلان عن تلك الخطوة، وهذا ما أشارت إليه صحيفة الواشنطن بوست في أعدادها الأخيرة حيث قالت إن هزائم المعارضة في ريف حلب الشمالي ونجاح الجيش السوري وحلفائه في قطع الإمدادات عن المعارضة في حلب يشكل مؤشراً على نهاية حسم الحرب في سوريا لصالح النظام السوري وحلفائه، ولابد أن تعمل واشنطن على إيجاد موطئ قدم لحلفاء واشنطن في الأرض السورية، في إشارة إلى السعودية وتركيا..
وهناك مؤشرات كثيرة على أن هذه الخطوة كان مٌعدَّ لها وراء الكواليس منذ زمن،ومنها ما يلي:
إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، منذ توليه منصبه بعد وفاة الفيصل قبل أقل من سنة، ظل يردد مقولته المشهورة، أن الرئيس الأسد ليس جزءاً من المشهد السوري، فأما أن يرحل بالطرق السلمية ، أو بالوسائل العسكرية، فرغم أن المحللين تعاملوا مع تصريحات هذا الوزير بالسخرية، واعتبروا الرجل انه شبه بالمجنون في ضوء معطيات المشهد الميداني السوري، والمشهدين الإقليمي والدولي بعد نجاح المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1، إلا أن الحقيقة أن تصريحات الجبير أو مقولته التي رددها حتى في موسكو أثناء زيارته الأخيرة لها، لم تأت من فراغ، إنما يؤشر ذلك، الى أن السعودية وحلفائها كانوا يفكرون بسيناريو التدخل العسكري في سوريا تحت لافتة محاربة داعش، بينما الهدف الأصلي مساعدة التكفيريين من أجل فرض واقع جديد في سوريا، أي بتغيير النظام السوري.
صرح خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من مسؤول صهيوني، ونشر أكثر من معهد دراسات واستراتيجي صهيوني، حول أن تطورات المشهد الميداني في سوريا تجري لصالح الجيش السوري وحلفائه، وذلك ما يشكل خطراً على الكيان الصهيوني وحلفائه الذي اسمتهم هذه الدراسات وكذلك المسؤولين الصهاينة بأصدقاء إسرائيل المعتدلين "مثل السعودية وقطر وحتى تركيا..ولذلك أوصى المسؤولون الصهاينة في تصريحاتهم، ودعت معاهد الدراسات إلى ضرورة، ما أسموه التدخل العسكري المباشر في سوريا لقلب المعادلة لصالح فصائل النصرة وداعش وجيش الإسلام ومن لف لفهم،فهذه التصريحات لم تكن فقط لتحذير أطراف محور المقاومة وحسب، وإنما تعبير عن خطط تدور في أذهان هؤلاء يجري التخطيط لها.
زيارة الرئيس التركي للسعودية والإعلان عن تشكيل ما يسمى بالمجلس العسكري الاستراتيجي بين البلدين، فهذا التشكيل الجديد هو مقدمة للتمهيد والإعداد لهذا التدخل العسكري، ذلك لان السعودية لا يمكنها التدخل لوحدها من جهة الجنوب، أو من الجبهة الجنوبية، حتى لو دعمّت بقوات مغربية وأردنية وقوات مرتزقة من دول أخرى ما لم تتدخل معها تركيا بقواتها من الجبهة الأخرى الشمالية أو الشمالية الشرقية، وحينها، أي بعد هذه الزيارة تحدثت وسائل الإعلام، عن تحرك ارتال قوات تركية ضخمة نحو مناطق الحدود مع سوريا، واليوم أكدت وزارة الدفاع الروسية، عبر مصادر معلوماتها، أن تركيا تستعد للتدخل العسكري في سوريا.
تمّنع تركيا والسعودية عن مشاركة وفد الرياض في مفاوضات جنيف الأخيرة، ولم يسمحا للوفد بالذهاب إلى جنيف إلا بعد الضغط الذي مارسه وزير الخارجية الأميركي جون كيري..وحينها أعلن كل من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والتركي مولود چاويش أن الوفد له مطلق الحرية بالانسحاب من المفاوضات متى شاء، إذا لم تنفذ مطالبه، حيث زودت تركيا والسعودية هذا الوفد بجملة اشتراطات من شأنها أن تفجر المفاوضات وتفشلها، وقد لخصت صحيفة السفير اللبنانية في عددها يوم الجمعة الماضية هذه الاشتراطات بما يلي:
التطمينات التي حصلوا عليها من الأمم المتحدة بالقرار2254بفقرة12 ، 13، بالنسبة للمساعدات الإنسانية، وكذلك بالنسبة للقصف العشوائي لا يمكن التفاوض عليها.
المفاوضات تبدأ بصيغة (جنيف1) التي سيكون لها سلطة كاملة بعيدة عن بشار الأسد ودستور جديد وسوريا جديدة لا يكون فيها بشار الأسد دور يلعبه.
عدم الموافقة على ضم مجموعات أخرى من المعارضة قريبة من موسكو أو طهران، وعدم القبول بتوسيع مشاركة المعارضة كما تطالب موسكو وطهران وجهات أخرى.
المفاوضات يجب انه تبدأ بموضوع الانتقال السلمي، وطلب السعوديون والأتراك من الوفد الذهاب إلى جنيف ووضع شروطهم للبدء في المفاوضات.
وذلك ما حصل فعلاً وبالتالي فشلت المفاوضات كما اشرنا،قبل قليل، لأن الأتراك والسعوديين ومن ورائهم الصهاينة خصوصاً لا يريدون لهذه المفاوضات أن تنجح، لأنها ترتكز إلى مرجعية القرار الدولي 2254 الذي يؤكد أن قضية الرئيس السوري بقاء ه من عدمه يحددها الشعب السوري ولا يحق لأي كان ان يقرر مكان الشعب السوري وترتكز أيضا إلى مقررات مؤتمر فيينا التي تؤكد على بقاء الحكومة السورية مع مشاركة للمعارضة ومحاربة الإرهاب وداعش..
فالنظام السعودي والنظام التركي ومحركها الأساسي الكيان الصهيوني كان لديهم فيه مبتية الإفشال المفاوضات للضغط ولإجبار واشنطن إلى الانتقال معهم، إلى الخيارات الأخرى، وهي التدخل العسكري تحت يافطة التحالف الدولي!!
ترحيب واشنطن بالفكرة كما اشرنا، لكن الأخيرة احتفظت لنفسها بهامش التراجع بالقول إنها تدرس المقترح وتناقشه، لمعرفة ردود أفعال حلفائها الغربيين، وردود أفعال الروس والإيرانيين، فإذا جاءت ردود أفعال الحلفاء مشجعة أو حتى ضعيفة، وجاءت ردود أفعال روسيا وإيران غير حازمة، فإنها تمضي بالمقترح، ولا يهم واشنطن احتراق السعودية وتركيا مادام الممول السعودية،والضحايا أتراك وسعوديون وسوريون..أما إذا جاءت ردود الأفعال عكس ذلك، فإن واشنطن ستتراجع بالتأكيد..
وفي حال مضت هذه الأطراف قدماً في التدخل العسكري في سوريا، ثم تصدّر السعودية في المواجهة، سيضع الأخيرة في مركز الاستهداف مع تركيا، لأن مثل هذه الحرب، لم تكن مثل حرب السعودية في اليمن أبدا، إنما ستحول المنطقة إلى لهيب من نار تحترق فيها السعودية وتركيا قبل غيرهما من دول المنطقة الأخرى، وهنا أشاطر الكاتب الفلسطيني عبدالباري عطوان في استنتاجه الأخير، في افتتاحية جريدته "الرأي اليوم" في عدد الجمعة الماضي، وما نقله عن البروفسور بول كندي مؤلف كتاب انهيار الإمبراطوريات على مدى التاريخ حول مصير السعودية وتركيا في هذه الحرب إذا وقعت..حيث يقول الكاتب عبدالباري أن هذا البروفسور لخص أسباب الانهيار في ثلاثة أبرزها:
الأول: التوسع العسكري في ظل عدم وجود الغطاء الاقتصادي الكافي، مما يؤدي إلى إفلاسها.
الثاني: التدخل العسكري في دول أجنبية خارج حدودها، مما يعني التمدد اكبر من قدراتها العسكرية وجيوشها ناهيك عن إرسال قوات إضافية.
الثالث: تضعضع الأمن الداخلي بسبب التركيز على التدخلات الخارجية وحشد كل الامكانيات المادية والبشرية لدعمها مما يؤدي الى تقويض الإمبراطورية من الداخل وتصاعد الاضطرابات والثورات الداخلية.
ويقول عطوان، إن السعودية ليست إمبراطورية عظمى، وهو كذلك،ومحاولات اردوغان لإعادة امجاد الإمبراطورية العثمانية مازالت تتعثر، وبالتالي إن تورطها في حرب في سوريا، لا يعني انهيارهما بحسب أسباب بول كنيدي وإنما تلاشيها وسحقها بشكل يفوق ما حصل في الحرب العالمية الثانية من سحق لدول كانت أقوى من السعودية وتركيا.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق