بايدن يلحس تعهّداته: صفقتا سلاح مليونيتان للسعودية
في أقلّ من أسبوع، وافقت الإدارة الأميركية على صفقتَي سلاح للسعودية بحجّة دعم «دفاع» المملكة عن أراضيها. وإذا كان من غير المستبعد ارتباط الصفقتَين بمسألة التجاذب حول أسعار النفط بين الحليفَين، فإن سياقهما المتزامن أيضاً مع زيارة المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، إلى المنطقة، يطرح علامات استفهام حول ما إن كانتا مندرجتَين في سياق سعي واشنطن إلى إنقاذ حلفائها في جبهة مأرب اليمنية
من خارج سياق العلاقات المتدهورة بين إدارة جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي ازدادت تدهوراً أخيراً بسبب تحميل واشنطن الرياض مسؤولية ارتفاع أسعار النفط، جاء إقرار الإدارة صفقتَي سلاح أميركيتَين للسعودية تبلغ قيمتهما مجتمعتَين 1.15 مليار دولار. اللافت أن الصفقتَين المذكورتَين تتزامنان مع تطوّرات متسارعة على جبهة مأرب اليمنية الغنية بالنفط والغاز، حيث سيطرت قوات الجيش و«اللجان الشعبية» على كامل مديريات المحافظة، باستثناء مديرية مأرب، الواقعة ضمنها مدينة مأرب (مركز المحافظة)، ومديرية الوادي، لتقترب بذلك من إلحاق هزيمة استراتيجية بالتحالف السعودي - الإماراتي وداعميه الغربيين، في الحرب الدائرة منذ ستّ سنوات ونيّف، وهو ما قد يفسّر إرسال المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، إلى المنطقة، حيث صارت زياراته تقتصر على الأوقات التي تشعر السعودية فيها بأنها أصبحت في الزاوية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. تفسيرٌ آخر مكمّل أو موازٍ لإقرار الصفقتَين اللتين ما زالتا تحتاجان إلى موافقة الكونغرس الأميركي لتنفيذهما، وهو ما تحدّث عنه وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، الذي قال تعليقاً على تقرير لوكالة «بلومبرغ» عن أن زيادة الـ400 برميل على الإنتاج في كانون الأول المقبل، تُعتبر رفضاً لمطالب بايدن، «إننا نسّقنا الرفع التدريجي مع أميركا، والأزمة بسبب نقص الغاز والفحم وليس النفط».
وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت أن وزارة الخارجية أبلغت، أوّل من أمس، الكونغرس موافقتها على صفقة بقيمة 650 مليون دولار، تشمل بيع السعودية 280 صاروخ جو - جو متوسّط المدى من نوع «إيم- 120 سي»، «تُستخدم للأغراض الدفاعية، ولا يمكن استخدامها لمهاجمة أهداف على الأرض، وتتماشى تماماً مع تعهّد الإدارة بالشروع في الدبلوماسية لإنهاء الصراع في اليمن». ويأتي هذا الاستدراك الأخير لنفي انتهاك إدارة بايدن قرارها وقف بيع الأسلحة الهجومية للمملكة، والذي اتّخذته بسبب حرب اليمن بالذات وقتل الصحافي جمال خاشقجي. وقال الناطق باسم الوزارة إن الهدف من خطوة الإدارة هو إعادة ملء مخزون السعودية القائم بالفعل، «انسجاماً مع تعهّد الرئيس جو بايدن بدعم الدفاع عن الأراضي السعودية»، في إشارة واضحة إلى المسيّرات والصواريخ التي تُطلَق من اليمن. لكن الصفقة لا تتّسق بالقطع مع التهديدات التي أطلقها بايدن قبل أيام باتخاذ عقوبات ضدّ السعودية من دون إعلان مسبق، إذا لم تستجب لمطالب زيادة إنتاج النفط في «أوبك» للجم ارتفاع أسعار الوقود والسلع، والذي أصبحت تداعياته محسوسة لدى الأسر الأميركية، وهو ما أثار سخطها على الإدارة، كما صارت تهدّد تعافي الاقتصاد الأميركي الخارج من أزمة «كورونا» وتحفيزاتها التريليونية.
وهذه الصفقة هي الثانية للسعودية في ظلّ إدارة بايدن؛ إذ كانت وزارة الخارجية الأميركية أخطرت الكونغرس، الأسبوع الماضي، بموافقتها على صفقة لخدمات الدعم العسكري تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار. وقالت الوزارة، في حينه، إن «الصفقة المقترحة ستدعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة بالمساعدة في تعزيز أمن دولة صديقة تظلّ قوّة مهمّة للاستقرار السياسي والنموّ الاقتصادي في الشرق الأوسط». لكن الاتفاق الذي يشمل دعم الصيانة المستمرّة لمجموعة واسعة من طائرات «الهليكوبتر»، ومنها أسطول مستقبلي من طائرات «سي.إتش-47 دي شينوك»، يخالف تعهّد بايدن، بحسب خبراء عسكريين، لأن تلك الطائرات هجومية (تُستخدم في إطلاق صواريخ «إيم- 120 سي»). ولتبرير ذلك، ادّعت الوزارة أن هذه الصفقة ستوفّر أيضاً حماية للجنود الأميركيين، ولأكثر من 70 ألف مواطن أميركي يعملون في المملكة. لكن صحيفة «الغارديان» البريطانية نقلت عن المدير في «المشروع من أجل ديمقراطية الشرق الأوسط»، سيث بايندر، القول: «في اعتقادي أن هذه الصفقة تخالف سياسة الإدارة الأميركية. فهذه المعدّات يمكن قطعاً استخدامها في عمليات هجومية. لذا أرى أن الأمر يمثّل مشكلة». أمّا الخبير في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، طوني ويلسون، فيرى أن اتفاق صيانة طائرات «الهليكوبتر» يدعم العمليات العسكرية السعودية في اليمن. والجدير ذكره أخيراً أنه ما زال يمكن للكونغرس اعتراض الصفقتَين خلال مهلة ثلاثين يوماً من إخطاره بموافقة الجهات الحكومية المعنيّة على كلّ منهما.
ارسال التعليق