بعد خسارتها 29 مليار دولار.. سابك تفاقم أزمة الاقتصاد السعودي
لماذا تعيد شركة النفط العملاقة "أرامكو"، النظر في صفقة شراء حصة مسيطرة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"؟ وما تأثير ذلك على اقتصاد المملكة؟؛ يتصدر هذان السؤالان اهتمامات مراقبي الشأن السعودي، في ظل تأثير تفشي فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط على قيمة الصفقة التي كان المنتظر أن تصبح أكبر عملية بيع داخلي في تاريخ المملكة.
وفي مارس/ أذار عام 2019، توصلت "أرامكو" إلى اتفاق مع صندوق الاستثمار العام السعودي لشراء 70% من حصة الصندوق في "سابك" مقابل 69.1 مليار دولار، في واحدة من أكبر الصفقات في قطاع الصناعات الكيميائية العالمية، وتم تحديد سعر الصفقة آنذاك بناء على سعر 123.39 ريالا (32.86 دولارا) للسهم، لكن قيمة السهم حاليا هبطت حاليا إلى نحو 70 ريالا فقط.
ولما كانت القيمة السوقية لـ"سابك" حاليا تبلغ نحو 56.5 مليار دولار، فإن القيمة السوقية للحصة التي تعتزم "أرامكو" شراءها باتت تبلغ 40 مليار دولار فقط، بما يعني خسارة صندوق الاستثمارات العامة السعودي لـ 29.1 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو الموعد الذي أكده رئيس سابك التنفيذي "يوسف البنيان" لإتمام الصفقة خلال مؤتمر صحفي افتراضي الأسبوع الماضي.
وبالنظر إلى كون الصندوق هو أداة محمد بن سلمان لتنفيذ رؤيته الاستراتيجية "2030"، التي تستهدف بالأساس تحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الأحادي على النفط كمورد رئيس، فإن هبوط أسهم "سابك" سيكون له تأثير مباشر على قدرة الصندوق على تمويل مشاريع الاستثمار السيادي.
وفي ظل هذه الأجواء، بات الصندوق يعتمد على القروض لتوفير التمويل اللازم للاستثمارات الجديدة في ظل تهاوي إيرادات المملكة من النفط، وكان من المقرر أن يستغل الصندوق صفقة "سابك" لدفع قيمة هذه القروض، ونتيجة لذلك فإن تعثر الصفقة لن يؤثر فقط على استثمارات الصندوق، ولكن أيضا على قدرته على سداد مديونياته.
وبالنظر إلى توقعات المحللين، عجزت الحكومة السعودية عن الالتزام بوعودها بتوزيع أرباح بقيمة 75 مليار دولار على مستثمري "أرامكو"، باعتبار أن التدفقات النقدية الحرة من غير المرجح أن تغطي هذا المبلغ، فإن اقتصاد المملكة بات معرضا لخسارة عشرات المليارات من الدولارات هذا العام، تضاف إلى جملة خسائر كورونا وأسعار النفط.
وقدم تصنيف وكالة "موديز" لأرامكو وسابك مؤشرا على هذا الاستنتاج، حيث غيرت نظرة الوكالة المستقبلية لكلا الشركتين من مستقرة إلى سلبية، وهو ما أكدته توقعات مجموعة "متسوبيشي يو إف جي" المالية (إم يو إف جي) اليابانية التي تنبأت أن مستويات العجز المالي قد تضغط على التصنيف الائتماني للمملكة وتزيد من تكلفة الاقتراض.
انكماش وديون
وحسب توقعات المجموعة ذاتها، فإن المملكة ستكابد انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 3.2% هذا العام، فيما سيكون أسوأ أداء للاقتصاد السعودي منذ عام 1999، فيما يتوقع أن يرتفع الدّين العام إلى 3.16% من الناتج الإجمالي، وهو الأعلى منذ 2005، خاصة أن حكومة المملكة رفعت سقف الاستدانة إلى 50% من الناتج الإجمالي بدلا من 30% في مارس/آذار الماضي، وباعت سندات دولية بقيمة 12 مليار دولار هذا العام.
وإزاء ذلك، فإن الحكومة السعودية ستواجه على المدى المتوسط زيادة في الديون قد تصل إلى 45% من الناتج المحلي الإجمالي، مع هبوط في الإيرادات نسبة 33% في 2020، و25% في 2021 مقارنة بعام 2019، إضافة إلى تآكل للاحتياطي المالي السيادي، الذي ستلجأ له جزئيا لتعويض هذا الهبوط، بما يصل إلى 47 مليار دولار، حسب تقدير المجموعة اليابانية.
وعلى مستوى صناعة الطاقة، فإن صفقة التدوير بين "أرامكو" و"سابك"، التي كانت تهدف لدفع الأولى بقوة لتصبح أكبر منتج للبتركيماويات بجانب كونها أكبر منتج للنفط في الوقت الذي توفر فيه سيولة ضخمة لصندوق الاستثمار العام، باتت على المحك، بعدما باتت عوائدها محل شك كبير.
في السياق ذاته، توقع صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (منتصف أبريل/نيسان الماضي)، أن ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 2.3%.
هذا التوقع مرشح للاستمرار العام المقبل أيضا، حسبما يرى الخبير الاقتصادي "عبدالحافظ الصاوي"، لافتا إلى النظرة المستقبلية غير الإيجابية لأداء الاقتصاد العالمي، واستمرار انخفاض الطلب على النفط في الأجل المتوسط على الأقل، إضافة إلى التزام السعودية باتفاق "أوبك بلس" الذي يلزمها بخفض إنتاجها من النفط، وكلها عوامل سوف تؤدي إلى تراجع الإيرادات السعودية.
ولذا فإن التراجع في سعر سهم "سابك" يعد مؤشرا على حجم الأزمة التي يعانيها الاقتصاد السعودي خاصة قطاع النفط، وهو ما عبرت عنه تصريحات وزير المالية "محمد الجدعان"، في 3 مايو/أيار الماضي، عندما أعلن اتخاذ حكومة المملكة "إجراءات صارمة ومؤلمة" للتعامل مع آثار الأزمة الاقتصادية، بينها وقف بدل غلاء المعيشة بدءا من شهر يونيو/حزيران المقبل، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من يوليو/تموز، بهدف جمع 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)؛ وهو ما يوازي تقريبا الخسارة التي فقدتها أسهم "سابك" وحدها خلال الأسابيع الماضية.
ارسال التعليق