تدويل الحرمين: سبب جديد لتأجيج الأزمة الخليجية.. فمن المستفيد؟!
تجددت تداعيات الأزمة الخليجية بين قطر والدول المقاطعة لها وفي طليعتها المملكة السعودية، عبر طرح مسألة خلافية جديدة تتعلق بالحديث عن مطالبات بتدويل الحرمين وأسلوب الإشراف عليهما وإدارة شؤونهما، واتهام المملكة السعودية لقطر أنها تقف خلف هذا الأمر في محاولة للإضرار بها، حتى أن الأمر وصل لاعتبار ذلك من قبل البعض أنه بمثابة إعلان حرب من قطر على المملكة.
وسرعان ما انتشر الأمر في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ولاقى الكثير من الردود والردود المضادة، حيث دانت كلا من المملكة السعودية والإمارات والبحرين المطالبة تدويل الحرمين بينما نفت قطر أي علاقة لها بذلك، حيث أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن بلاده لم تطلب تدويل الحج، ولفت إلى أنه "لم يصدر أي تصريح عن أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج ولم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية"، واعتبر أن "قطر لم تسيس الحج بينما تم تسييسه للأسف من قبل السعودية".
نفي قطري وإدانات خليجية..
وبالسياق، شددت المملكة السعودية والإمارات والبحرين على الدور القطري في قضية "تدويل الحرمين"، ونشطت الشخصيات الرسمية ومن ثم الجهات الإعلامية التابعة والقريبة من الأنظمة في هذه الدول من إدانة المواقف القطرية واعتبارها أعمالا عدوانية وأن الدوحة ستفشل في هذا المخطط للمساس بالسيادة السعودية والخليجية كما فشلت سابقا، وصولا لاعتبار أن قطر تنطق بلسان إيران والدول المعادية للمملكة ولأنظمة الخليج الأخرى.
لكن ما حقيقة مسألة تدويل الحرمين؟ وهل فعلا تم طرح هذا الأمر دوليا وإقليميا؟ وهل لقطر أي دور في ذلك؟ وما المصلحة القطرية من البحث في هذا الأمر؟ ومن المستفيد من إثارة المزيد من النعرات بين الدول الخليجية المتنازعة؟
بادئ ذي بدء لابد من الإشارة أن ما يجري بين قطر وبقية الدول الأطراف في الأزمة الخليجية ليس مسألة خلافات بقدر ما هي مسألة تحسس من الطرف الآخر عند كل موقف أو تصريح يصدر من هنا أو هناك، وكما يقال القلوب باتت ممتلئة تجاه الطرف الآخر والنفوس تنتظر أي إشارة لتنقض وتشن الحملات على الجهة المقابلة حتى من دون تحقق أو تأكد أحيانا، أما العقل فلا مجال لإعماله في مثل هذه النزاعات التي باتت تحكمها بالنسبة للكثيرين الحقد والضغينة.
من المستفيد من بث الفتن؟
واليوم إعادة طرح مسائل غير واضحة وملتبسة مع نفيها من قبل قطر بينما تؤكدها الدول الأخرى، ومن ثم إثارة "بروباغندا" وضجة وصخب إعلامي وسياسي وشعبي حولها، يعيد إلى الذاكرة أصل المشكلة وافتعال الأزمة الخليجية وما نسب من تصاريح لمسؤولين قطريين وما قيل عن اختراق للمنصات الإعلامية والالكترونية القطرية لبث فتن بين الأنظمة التي كان الجميع يعتقد أنهم أقرب من ذلك لبعضهم البعض وأنهم يحتاجون إلى أكثر من مجرد كلام للتفريق بينهم، فهل ما يجري اليوم يشبه ما جرى عند انطلاق الأزمة ولم يحصل تحقيق جازم يؤكد صحة الاختراقات من عدمه؟ لأنه قد تثار الأزمة من جديد على خلفية بث إشاعات أكثر منها معلومات ثابتة لا سيما مع وجود نفي قطري صريح.
والواقع أن مسألة تدويل الحج والإشراف على الحرمين الشريفين سبق أن طرحت من قبل عدة جهات دولية وإقليمية ولم تثار حولها هذه الضجة التي تثار اليوم، فما يتعلق بقطر بات يشكل أزمة وحساسية مفرطة للبعض سواء صح تدخلها أم لا، فإيران وغيرها من الدول سبق أن طالبت بإشراف دولي على الحج وإبعاده عن التسييس خاصة بعد مأساة منى الشهيرة التي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى من دون تحديد المسؤوليات وإجراء تحقيق شفاف ونشره أمام الرأي العام الدولي.
وفي هذا الإطار، انتشرت قبل حوالي الشهر الأخبار عن إطلاق ماليزيا في هيئة دولية لمراقبة إدارة المملكة السعودية للحرمين والمشاعر المقدسة، على أن تكون مهمتها متابعة تفاصيل عمل الهيئات المسؤولة في المملكة وأصول الإدارة وطريقة التعاطي مع الهوية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة من خلال الأعمال التي تجريها السلطات في محيط الحرمين والتوسع العمراني غير محدود هناك، ولم يثار أي جدل حول كل ذلك لا سيما أن الأمر يمكن أن يمس السيادة والاستقلالية السعودية بالمعنى الذي يتم الاعتراض عليه اليوم عند إدخال اسم قطر بمسألة التدويل، فهل ما يحق لغير قطر لا يحق لها على افتراض أنها طرحت في مكان ما تدويل الحج؟
من جهته، قال الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إن "الدعوة لتدويل الحرمين هي دعوة نكرة وسابقة خطيرة واضحة الشبهات فضحت توجهاتها".
انتقاد المملكة والدور الإماراتي الأمريكي..
وبكل الأحوال سواء تبنت قطر أم لا، يمكن طرح مسألة التدويل من باب وجود ملاحظات على الأداء السعودي على تنظيم المناسك وإمكانية حصول تجاوزات وإدخال المسائل السياسية في إعطاء فيز الحج وكثير من الانتقادات التي سبق أن وجهت للسلطات السعودية ومنها ما برز خلال الأزمة مع قطر ومن قبلها إيران وغيرها من الدول تاريخيا، والأمر يمكن طرحه من باب إمكانية السماح به في القانون الدولي العام ومدى القبول به نظرا لوجود دولة ذات سيادة هي المملكة السعودية، ومقاربة الأمر في الحرمين بما هو حاصل في مدينة القدس أو الفاتيكان باعتبار وجود أماكن مقدسة هناك أيضا، فالأمر كله يمكن تلخيصه بنقاش قانوني ثقافي وإبعاده عن الجوانب السياسية والفتن المذهبية.
والأكيد أن ما يطرح اليوم في المنابر السياسية والإعلامية ليس له علاقة بالدين والتاريخ والقانون بقدر ما هو خلاف يبدأ وينتهي بقرار سياسي، خاصة أن أصابع الاتهام باتت توجه لمن يصطاد في المياه العكرة من بعض الأنظمة والرموز الخليجية لتأجيج الصراع والخلاف السعودي القطري وهنا تلعب الإمارات وبعض السياسيين فيها دورا محوريا في هذا المجال، بالإضافة إلى الدور الأمريكي الذي لا يعقل أنه يغيب عن مثل هذه الخلافات، فواشنطن على الرغم من أنها الراعي الدولي لكل الأنظمة الخليجية فهي أول المستفيدين من الخلافات بين هذه الدول لما يتيح لها ذلك من ركوب موجة الابتزاز لهم جميعا وتحصيل أعلى المكاسب عبر تأجيج المشكلة بدل حلها.
بقلم : مالك ضاهر
ارسال التعليق