تركي آل الشيخ يشتري فنانو مصر بشحمهم ولحمهم
بنظاراة الشمس تربّع تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، المؤتمر الصحافي الذي انعقد قبل أيام في العاصمة المصرية القاهرة، للإعلان عن إنشاء صندوق جديد "للهدر" والغسيل الفنّي وهو صندوق "بيغ تايم" الاستثماري، المخصص، بحسب البيان، لـ"رفع جودة المحتوى العربي في إنتاج وتوزيع وصناعة الأفلام التي يشارك فيها كبار نجوم الفن من الوطن العربي".
وقال آل الشيخ من على مقعده، وهو مرتخي الجلسة، أمام مضيفيه المفترضين، إذ بدوا كالأولاد المتأهبين لتلقي الأوامر، أن " الهيئة ستسهم في الصندوق راعياً رئيسياً، ووزارة الثقافة راعياً مشاركاً، إلى جانب مجموعة من الشركات المتخصصة في المجال، وهي شركة صلة استوديو، والوسائل، والعالمية، وروتانا للصوتيات والمرئيات، وبنش مارك، وبيسكوير للإنتاج الفني".
ويهدف الصندوق في مرحلته الأولى إلى "الاستثمار في أهم الأفلام السعودية والخليجية والعربية، وستشمل مراحله المقبلة المساهمة في الأفلام العالمية".
وكشف تركي آل الشيخ عن قائمة الأفلام التي سيدعمها صندوق "بيغ تايم" الاستثماري، منها فيلم "الست"، وهو سيرة ذاتية عن أم كلثوم، بطولة منى زكي، وإخراج مروان حامد، والجزء الثالث من فيلم "ولاد رزق" لأحمد عز، و"الفيل الأزرق" لكريم عبد العزيز، والجزء الثاني من فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" بطولة الفنان محمد هنيدي، وفيلم "شغل كايرو" بطولة كريم عبد العزيز ونانسي عجرم، وإخراج محمد شاكر خضير.
إذا، لنكن واضحين. النظام السعودي لن يتوقف عند استضافة المشاهير وابتكار المناسبات الفنية من ليالي وطنية سعودية، ولبنانية ومصرية وغيرها. كما أنه لن يكتفي باستئجار أصوات المغنيين العرب والأجانب واستجلابهم إلى الرياض للتزلف والدعاية المدفوعة بملايين الشعب المنهوبة منه "للسعودية الجديدة" والانبهار بفضائها الفارغ إلا من ناطحات السحاب والصحراء.
استمالة "النخبة"، باعتبار أن مفهوم النخبة الشعبية بالغالب الأعم تحوّل إلى مدى قدرة الشخص على التأثير واستثارة الجمهور، وبالتالي نحن نتحدث هنا عن النجوم و"المؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي، المعتاشين على أموال المشاهدات ومن بعدها العقود، الحفلات، التكريم والدعوات. يعلم تركي آل الشيخ أن النقص والفراغ الذي يضرب جيل الشباب قادر على احتوائه بالأضواء والحفلات الصاخبة وكلمات التبجيل الصادرة من غير السعوديين. يعلم أيضا آل الشيخ أن الناس بطبيعتهم يميلون إلى تقليد "الآخر" واعتباره نموذجا للتقدم و"البريستيج".
اليوم، لم يعُد الأمر يقتصر على صندوق الاستثمارات السعودي، بل جرى إطلاق صندوق يُعنى بالفن و"كسرة الجرة"..محمد بن سلمان سيقارع شركات الانتاج الفنية الكبرى ومن بوابة مصر، التي عرفت تاريخيا بانتاجها الفني والسينمائي .
ليست الخطوة بعيدة أبدا، عن الأزمة الاقتصادية التي تمُر بها مصر. وبالتالي، لا يغيب عن ذهن ابن سلمان فكرة استغلال الوضع وانعكاساته الطبيعية على شركات الانتاج المصرية ليُعلن عن دخول صندوقه حلبة المنافسة، وقد تكون في القريب السيطرة على المجال الفني والسينمائي.
من الأمور التي يُجمع عليها جيل الشباب في كافة أقطاب العالم العربي، هو الميل الغالب إلى الموسيقى مع الكلمات وكذا السينما والدراما. هذا الميل الذي يراهن عليه النظام السعودي لأن يحجب سياسات النظام الداخلية وعلاقاته الخارجية.
يحصل أن لا يمر وقت طويل على عودة فناني مصر ولبنان إلى الديار حتى تأتيهم دعوة جديدة إلى الرياض فيسارعون للتلبية. وجوه كثيرة كانت قليلة الظهور الإعلامي، وبدها "معاملة"، كما يقال في العاميّة، لإعطاء مقابلة أو للمشاركة في مهرجان، باتت لا "تُكنّس" من على السجاد الأحمر في "السعودية".
الطريف في الموضوع، أنهم باتوا "تحت الطلب"، بمعنى أن اتصال سعودي واحد قادر على تغيير كل البرنامج المحدد سابقا بالتزامات وعقود. على سبيل المثال، كان من المقرر أن تحيي المصرية شيرين عبد الوهاب حفلاً في بيروت يوم السبت الماضي 17 فبراير/شباط وتم تأجيل الحفل دون إعلان الأسباب، ما أثار سخطا في صفوف اللبنانيين. إلى أن ظهرت شيرين، أول من أمس، الأحد 18 فبراير/ شباط على المسرح الكبير، بدار الأوبرا المصرية في أولى حفلات " ليالي سعودية مصرية"، والتي تدشّن من خلالها "هيئة الترفيه" تعاونها مع وزارة الثقافة المصرية.
الحفلة التي حضرها تركي آل الشيخ شخصيا، بنظارته السوداء بالطبع، وهو يهزّ رأسه راضيا عن الأداء، وصورة المغنيين "الكبار" وهم يستجدونه الاستحسان والقبول بعيونهم وحناجرهم، ليست مشاهد عادية أو تحصل إلا في محضر مستبدي المال.
هل يريد النظام السعودي ضرب الانتاج المصري واستفزاز الشركات المصرية؟ سؤال يطرح نفسه أمام المشاريع التي أعلن عن انتاجها بما تطلبه من رأس مال. لكن الغريب أن السلطات المصرية لم تمنع دخول السعودية السوق المصرية في الوقت الذي كانت قد منعت شركات انتاج لبنانية من التصوير في مصر، كشركة الصباح للانتاج. الأخيرة التي عمدت إلى إنتاج أعمالها الدرامية المصرية في لبنان، كما أنها تولّت بناء ديكور خاص لأعمالها من الصفر بُغية تقديم صورة أقرب إلى واقع الأسواق الشعبية المصرية في القاهرة، ولم تسلم من النقد.
"ما غريب إلا الشيطان"، على هذا يمكن البناء على أي معطى يرتبط بـ"السعودية". فبعد كل ما ورد، أعلن تركي آل الشيخ أيضا، استضافة "السعودية" لنهائي كأس مصر بين "الأهلي" و"الزمالك" في 8 مارس/آذار القادم. متفاخرا بتجهيز 44 كاميرا ، 2 استيديو تحليلي مخصصة للحدث وجاهزة للبث لمدة 5 ساعات.
تكبر "الخسة" في رأس تركي آل الشيخ، مدعوما بمباركة "وليّ الأمر". الأخير الذي فتح صنبور التمويل محولاً أكثر أصول البلاد واحتياطاتها واستثماراتها إليه.
على الهامش، وفي الختام، حقّقت ميزانية "الدولة" عام 2022 فائضاً بسيطاً، وهي كانت من أفضل السنوات التي مرّت على سوق النفط منذ زمن، وراكمت فيها شركات الطاقة العالمية أرباحاً فلكيّة. وتلك كانت السنة الوحيدة التي لم تقع الميزانية فيها في عجزٍ خلال العقد الماضي.
ارسال التعليق