تسييس الحج .. أداة السعودية لمحاربة معارضيها
تؤكد التصريحات الأخيرة لمجلس الوزراء السعودي، بعدم وجود عراقيل أمام قدوم الحجاج والمعتمرين القطريين والمقيمين في قطر، وفتح رابط إلكتروني جديد للتسجيل للحج، نية قيام المملكة بإعادة تدوير لأكاذيب هدفها حرمان أهل قطر من أداء مناسك الحج للموسم الثالث على التوالي والهروب من اتهامات المنظمات الدولية ضدها بتسييس الشعائر الدينية منذ افتعال الأزمة الخليجية في يونيو ٢٠١٧. وترصد الراية مع اقتراب أداء ملايين المسلمين لمناسك الحج المقدسة ماعدا أهل قطر، حقيقة الترحيب السعودي بالحجاج من دولة قطر لهذا العام، ومدى صحة عدم وجود عراقيل لزيارتهم بيت الله الحرام، فيما يتكرر النهج السعودي القائم على سياسة المنح والمنع واستغلال الشعائر الدينية كورقة ضغط سياسية، على مدار سنوات الأزمة. وتشير وقائع الأمور إلى ازدواجية المملكة بين إعلانها الترحيب بالحجاج القطريين، فيما تواصل تجميد الاتصالات مع القنوات الرسمية في قطر ممثلة في وزارة الأوقاف ومنع التعامل مع بعثة حج قطرية رسمية مثل باقي الوفود الدولية ومنع حملات الحج القطرية، وإغلاق سفارتها وقنصليتها في الدوحة بما يمنع إصدار تأشيرات السفر للمقيمين الراغبين في الحج. واستمرار إغلاق سفارة وقنصلية قطر في المملكة ما يمنعها من متابعة شؤون مواطنيها، كما تواصل فرض الحصار الجوي على الخطوط الجوية القطرية، وإغلاق الحدود البرية. وإجبار القطريين على استخدام خطوط جوية بديلة عن طريق دولة الكويت وسلطنة عمان للسفر إلى السعودية أو العكس.
تاريخ من التسييس
ويذخر تاريخ المملكة بالعديد من وقائع تسييسها للأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة واستخدامها في عملية تصفية حسابات مع خصومها وحتى أشقائها الذين لا يمتثلون لأهوائها وقراراتها الأبوية، مثلما حدث في منعها بعض فلسطينيي الشتات واليمنيين من أداء مناسك الحج وتعاملها مع حجاج إيران بحسب مسار العلاقات الدبلوماسية فإذا كانت سيئة منعتهم وإن كانت جيدة استقبلتهم بالورود وزادت حصتهم.
سيناريو مكرر
ويسجل أرشيف أزمة الحصار، في موسم الحج الأول بعد الأزمة عام ٢٠١٧، إغلاق المملكة للمسار الإلكتروني الخاص بتسجيل الحج والعمرة وعدم السماح بالتسجيل فيه لكافة المعتمرين والحجاج من قطر ، ومنع التحويلات المالية بين الحملات القطرية ووكلاء العمرة السعوديين المخولين بمنح التصاريح، ورفض التعامل أو التنسيق مع وزارة الحج بقطر من أجل تمكين الراغبين في أداء الفريضة، وإلحاق أضرار وخسائر مادية بالحملات القطرية جراء توقف الرحلات الجوية والبرية. كما أعلنت الرياض، قبل أسابيع قليلة من انطلاق موسم الحج لعام ٢٠١٧، عن فتح أبوابها للمعتمرين والحجاج القطريين. وغلفت هذا القرار سياسياً بأنه جاء بناء على وساطة من شخصية قطرية جرى ترويجها عبثاً على أنها بديل محتمل للنظام في الدوحة، لتأتي تطورات الأحداث بما لا تشتهي سفن الحصار، وتخرج هذه الشخصية بنفسها وتعلن أنها رهينة الاحتجاز وتخشى على حياتها من مؤامرات الرياض وأبوظبي.
كما يسجل تاريخ الأزمة أكاذيب الهيئة العامة للطيران المدني في السعودية، حيث أدعت الهيئة في ٢٤ يوليو ٢٠١٨، التزامها بتمكين الراغبين من الجنسية القطرية من أداء مناسك الحج أو العمرة في أي وقت، فيما أعلنت وزارة الحج والعمرة أن قدوم الحجاج القطريين لأداء مناسك الحج سيكون عن طريق الجو فقط، وعبر شركات طيران غير الخطوط القطرية في انتهاك صارخ لحرية التنقل والسفر وأداء المناسك التي نصت عليها كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وتبدو المفارقة الكبرى في أزمة معتمري وحجاج قطر في إغلاق المملكة لأجوائها أمام الطيران القطري وسيطرتها على الشعائر الدينية والأماكن المقدسة وفق سياسة المنح والمنع، فيما تسمح لطائرات متجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بالمرور عبر أجوائها، وترفض السعودية بصورة عبثية دخول المعتمرين والحجاج من قطر وتشترط لدخولهم الأجواء السعودية أن يكون ذلك عن طريق خطوط طيران غير قطرية.
تصفية حسابات
واللافت تزامن استمرار التعنت السعودي للموسم الثالث على التوالي ضد الحجاج من دولة قطر ورفض دخولهم على أي طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية، مع قبولها زيادة حصة إيران بمقدار 2000 زائر خلال مناسك الحج لهذا العام، من 86 ألفاً و500 إلى 88 ألفاً و500 حاج، وهي الدولة الجارة التي طالبت دول الحصار قطر بتخفيض العلاقات معها وأن هذه العلاقات أحد أسباب الأزمة الخليجية الراهنة، لتتكشف ازدواجية المملكة واستخدامها الشعائر الدينية في تصفية الحسابات.
تسييس الشعائر
خسرت السعودية الكثير من مكانتها الدينية التي تستمدها أساساً من ظروف طبيعية لا فضل لها فيها يفرضها التاريخ والجغرافيا كونها أرض الحرمين ومهد الرسالة النبوية الشريفة. ونالت ممارساتها لتسييس الحج انتقاد العديد من المنظمات الدولية باتباعها سياسة المنح والمنع في تأشيرات الحج والعمرة لأهداف سياسية، كما كشفت ذلك مراسلات الخارجية السعودية مع السفير السعودي لدى القاهرة وإعطاؤه ٣ آلاف تأشيرة لتوزيعها على نواب بالبرلمان وصحفيين وإعلاميين.
تجميد الاتصالات
ولم تجب المملكة على كيفية إدارة وتنظيم شؤون الحجاج من دولة قطر بدون بعثة رسمية في ظل تجميد التواصل بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية ووزارة الحج في السعودية. وجرت العادة أن تتواصل وزارتا البلدين في شهر رجب لبحث كافة الإجراءات التنظيمية اللازمة، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث منذ اندلاع الأزمة الخليجية ولا تبدو ثمة إشارات على حدوثه في المستقبل القريب، مع استمرار رفض المملكة تنسيق حملات الحج الجماعية مع الجانب القطري.
غلق السفارة
كما يبرز من بين العراقيل أيضاً استمرار إغلاق سفارة وقنصلية السعودية في الدوحة، ما يعني صعوبة إنهاء التأشيرات خاصة للمقيمين والعديد من الإجراءات المطلوبة لتيسير حملات الحج، وذلك منذ افتعال الأزمة الخليجية في الخامس من يونيو2017.
خطاب الكراهية
كما تتزامن الادعاءات السعودية حول الترحيب بالمعتمرين والحجاج القطريين فيما يتواصل خطاب العنف والكراهية بحقهم في كافة وسائل الإعلام وعلى لسان شخصيات مقربة من السلطة ما يؤكد أن دعوات الترحيب ما هي إلا وسيلة للهروب من انتقادات المنظمات الحقوقية والأممية وخطط مكشوفة وتصريحات جوفاء للاستهلاك الإعلامي بالصحف والقنوات الفضائية، فيما لا يزال العداء ضد القطريين مستمراً وعميقاً وبمباركة السلطات السعودية.
انتهاكات المملكة بحق القطريين موثقة أممياً
أكدت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقيّة عالميّة، انتهاك السعودية للحق في حرية العبادة وتسييسها للشعائر الدينيّة واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسيّة. وفيما تحاول المملكة ترويج هذه التقارير باعتبارها محاولات قطريّة لتدويل إدارة الأماكن المقدّسة تؤكّد الدوحة أنها ضد التدويل، وأيضاً ضد تسييس الشعائر الدينية وأن محاولة الخلط بينهما تعكس عشوائية دول الحصار ومنهجهم المعتاد في قلب الحقائق وخلطهم المتعمّد للمواقف والسياسات. ويوثق تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وما يتميّز به من حيادية ونزاهة وقوة قانونيّة، هذه الانتهاكات بالتفصيل. وأكد التقرير الأممي الصادر في منتصف يناير ٢٠١٨، وبشكل قاطع، أن تدابير دول الحصار أثرت على حرية العبادة لمواطني قطر والمقيمين. ووصف هذه الإجراءات بأنها تعسفيّة وعنصريّة وترقى إلى حرب اقتصاديّة. وفي نفس الشهر وتحديداً في ١٧ يناير، أصدرت الهيئة الدوليّة لمراقبة إدارة السعودية للحرمين تقريرها الأول الذي رصدت فيه عدة انتهاكات مثل اعتقال معتمرين وترحيلهم، منهم الملازم أول في الشرطة التابعة لحكومة الوفاق الليبية محمود بن رجب، والنقيب محمد حسين الخذراوي، وذلك بعد انتهائهما من أداء العمرة، أواخر يونيو 2017.
كما رصد التقرير اعتقال وترحيل معتمرين مصريين بطريقة غير قانونيّة من السلطات السعودية، بحيث تمّ توثيق اعتقال 73 معتمراً مصرياً وترحيل 66 آخرين إلى بلادهم بالقوة عام 2017. من جهة أخرى، دفع السجل الحقوقي والانتهاكات المتتالية للسعودية في أداء المناسك الإسلامية إلى تأسيس حملة عالمية في إندونيسيا لتوثيق الانتهاكات. وبحسب الحملة فإن أبرز هذه الانتهاكات هو منع مسلمين من أداء فريضة الحج وشعائر العمرة، أو زيارة المشاعر المقدّسة لأسباب سياسيّة. وشددت الحملة على أن انتهاكات الرياض لفرائض الحج عبر إخضاع الفريضة لمآرب سياسيّة، تشكّل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تضمن حرية العبادة. كما سجلت الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم على خلفية انتماءاتهم السياسيّة، أو تمّ ترحيلهم من السعودية أو منعهم بشكل دائم من أداء الفرائض وأيضا منعها لمواطني بعض الدول التي تربطها بهم علاقات سياسيّة غير مستقرّة. كما وثقت المنظمة العربيّة لحقوق الإنسان رفض وزارة الحج السعودية التواصل مع وزارة الأوقاف القطريّة لاستلام قائمة حجاج 2017، وإتمام الإجراءات الخاصّة بتيسير حجهم وتوفير ضمانات لسلامتهم.
الرابط الإلكتروني تحايل مكشوف من السعودية
يبرز التحايل السعودي بالإعلان عن رابط إلكتروني جديد لتسجيل الحجاج من قطر، حيث تبقى الروابط الإلكترونيّة والمواقع الخاصّة بالحج مجرّد وسائل لاستلام المعلومات والبيانات المتعلقة بالحجاج، لكن التسهيلات الحقيقيّة تتمثل في فتح المنافذ والأجواء والتعامل مع الجهات الرسميّة والسماح بفتح القنصلية القطريّة في جدة من أجل تقديم الخدمات للحجاج والرجوع إليها في حال الضرورة.
ويبقى السؤال من يحمي الحجاج القطريين في حالة حدوث مكروه لأي واحد منهم في ظل إغلاق سفارتهم وقنصليتهم خاصة بعد ما حدث لهم في عمرة رمضان وقت إعلان الحصار مايو ٢٠١٧ وطردهم والتعدي عليهم وعلى ممتلكاتهم؟.
دلائل مؤكدة على تسييس المملكة للشعائر الدينية
أكدت فصول أزمة الحصار منذ بدايتها تسييس المملكة لشعائر الحج والعمرة واستغلالها الحرمين الشريفين والأماكن المقدّسة لتحقيق أهداف سياسيّة.
وفي أغسطس ٢٠١٧، أي بعد إشعال دول الحصار لفتيل الأزمة بشهرين تقريباً، وبالتزامن مع اقتراب موسم الحج، أعلنت الرياض عن فتح أبوابها للحجاج القطريين بتوجيهات ملكيّة، تقضي بإعفاء الحجاج القطريين من التصاريح الإلكترونيّة لدخول المملكة، وتخصيص طائرات خاصّة لنقلهم من الدوحة إليها واستضافتهم بالكامل على نفقة المملكة الخاصّة.
ولم تفوّت الرياض الفرصة لاستغلال القرار سياسياً، لافتة إلى أن القرار جاء بناءً على توصية رفعها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إثر وساطة من شخصية قطريّة، بينما أكدت قطر أن الرجل ليس مفوضاً رسمياً من جانبها وليتبيّن بعدها صواب الرؤية القطريّة وقراءتها السليمة للفخ السعودي، حيث تبين أن الرياض وأبو ظبي حاولتا استغلال الرجل وقداسة شعيرة الحج، كورقة ضغط لزعزعة الجبهة الداخليّة القطريّة وهو ما أعلنه الرجل في شريط فيديو، في يناير ٢٠١٨، قائلاً إن استضافته في أبو ظبي تحوّلت إلى احتجاز وإنه يخشى على حياته بين أيدي زبانية الرياض وأبو ظبي.
ارسال التعليق