جهود سعودية حثيثة من أجل تعزيز السياحة الترفيهية
حتى سنوات قليلة ماضية، كان هناك حديث عن السياحة غير الدينية في المملكة العربية السعودية، وكان يبدو هذا الامر غريبًا وغير مألوف بعض الشيء، لكن سلطات الرياض هذه الأيام تعمل بجد لتأسيس ونشر السياحة في بلادهم. وباستثناء فترة وباء كورونا في السعودية، تشهد البلاد كل عام تقريبا زيادة في عدد السائحين المتدينين الذين يأتون لزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وتخبرنا الإحصاءات الرسمية لعام 2017 أن نحو 2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية كانت تأتي من صناعة السياحة، والجزء الأكبر من هذه الصناعة هو السياحة الدينية. كل عام، يذهب ملايين المسلمين إلى السعودية للحج أو العمرة. وتبلغ حصة الحج في الاقتصاد السعودي نحو 12 مليار دولار، وهي حسب توقعات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ستزيد عدد المتجهين إلى السعودية للحج والعمرة من 8 ملايين عام 2017 إلى 30 مليوناً عام 2030.
الانتقال من السياحة الدينية إلى السياحة الترفيهية:
تحدد التأشيرات الصادرة للحجاج بالضبط إلى أين يمكنهم السفر في المملكة العربية السعودية، لكن المسؤولين السعوديين يأملون في تخفيف القيود. ومع ذلك، فإن السعوديين غير مقتنعين بأن السياحة في البلاد مقصورة على القطاع الديني ويحاولون تنويع عائدات السياحة. وحول هذا السياق، قال "سلطان بن سلمان"، رئيس هيئة السياحة والتراث السعودية في عام 2017: "بعد أداء مناسك الحج، نريد أن يرى الحجاج الآثار السعودية القديمة مثل مدائن صالح بالقرب من المدينة المنورة. ولدينا أيضًا مناطق أخرى لجذب السيَاح. وهي موجودة في أجزاء أخرى من البلاد ونود أن يتمكن من يأتون الى المملكة من رؤيتها أيضًا".
وفي هذا الصدد، بدأ تطوير البنية التحتية اللازمة للتوسع السياحي، بما في ذلك خط السكة الحديد الذي يربط مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والمدن الكبرى الأخرى. ومن بين عوامل الجذب التي سيتم فتحها للسياح، المواقع القديمة ذات الصخور المنحوتة التي ستتحول في بعض الأحيان إلى متاحف في الهواء الطلق. وفي هذا الصدد، قال البروفيسور مايكل بتراليا، الأستاذ في جامعة أكسفورد ورئيس فريق علم الآثار في المملكة العربية السعودية، إن "شبه الجزيرة بها عشرات المواقع الأثرية التي يمكن أن تجتذب العديد من السياح - بما في ذلك جابا وشويس ونجران". ووفقا له، فإن المملكة العربية السعودية لديها أربعة أعمال مدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو والعديد من الأعمال الأخرى قيد المراجعة. وهناك خطة أخرى قد تساعد في زيادة عدد السياح هي جسر البحر الأحمر، الذي أعلن عنه مؤخرًا مسؤولون مصريون وسعوديون.
كل شيء لتنمية السياحة الترفيهية:
في غضون ذلك، يبذل السعوديون الكثير من الجهود من أجل تعزيز السياحة غير الدينية في البلاد بأي ثمن. واعتبارًا من هذا اليوم، تسعى المملكة العربية السعودية إلى إنشاء منطقة سياحية مستقلة لجذب أكبر عدد ممكن من السياح الأجانب، حيث لن يكون هناك تشدد على القوانين والمعايير الإسلامية. وقد ورد أن الحكومة السعودية قررت إنشاء منطقة سياحية شبه مستقلة دون تأشيرة على الشواطئ الشمالية الغربية للبحر الأحمر، ومن خطط البلاد لجذب أكبر عدد ممكن من السياح الأجانب غض الطرف عن بعض الشرائع الإسلامية وبعض القوانين التي يصر بقوة على إنفاذها بعض علماء السعودية.
وتقرر الحكومة السعودية أيضا عدم فرض قيود على ملابس النساء، والفصل بين الجنسين وحتى استهلاك الكحول من أجل تنظيم اقتصاد المنطقة. ويقول مسؤولون سعوديون إن المشروع يغطي 24 ألف كيلومتر مربع (أكثر من إجمالي مساحة بلجيكا) ويضم 50 جزيرة بين مدينتي أملج والوجه. ومن المتوقع أن يستغرق بناء المشروع عامين وستموله المملكة العربية السعودية. ويقال إن المشروع يساعد في خلق 35000 وظيفة ويساهم بـ 4 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية. وسيكون لهذه المنطقة السياحية قوانينها المستقلة وإطارها القانوني، وهي لا تتوافق مع قوانين مثل حظر الكحول، والقواعد والأعراف المتعلقة بنوع الملابس، والاتصال الجنسي، وحظر قيادة المرأة للسيارة في أجزاء أخرى من البلد.
وحتى المسؤولين السعوديين في السنوات القليلة الماضية حاولوا رسم وجه جديد للبلد السعودي المحافظ والمتشدد من خلال دعوة بعض المطربين الأمريكيين وممثلي هوليوود، على الرغم من أنه يبدو أن تغيير وجه السياحة السعودية سيستغرق بعض الوقت. وحول هذا السياق، أكد "فهد حميد الدين"، رئيس هيئة السياحة السعودية، أن البلاد استقطبت 62 مليون سائح العام الماضي، ما يدل على أنه في الربع الأول من عام 2022، مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، كانت هناك زيادة بنسبة 130٪ في السياحة والزيارات للسعودية. وشدد "حميد الدين" على أن هذه الإحصائيات تنطبق فقط على السياحة الترفيهية وغير الدينية. كما أعلن مسؤولون سعوديون الشهر الماضي اختيار نجم كرة القدم الأرجنتيني "ليونيل ميسي" سفيرا للسياحة للسعودية، ونشرت صور "ميسي" على ساحل البحر الأحمر. وإضافة إلى المشروع الكبير لمنتجع نيوم الساحلي، فإن المملكة العربية السعودية لديها العديد من الخطط لاستخدام المعالم التاريخية والقديمة لمدينة جدة والهياكل التاريخية والكتابات الصحراوية لجذب العدد الاكبر من السيَاح.
لقد سهلت المملكة العربية السعودية عملية الحصول على تأشيرات دخول للحجاج لتعويض أضرار كورونا التي لحقت بالسياحة الدينية، وأطلقت نظامًا إلكترونيًا كانت قد كشفت عنه الأسبوع الماضي في سوق السفر العربي بدبي. وأكد "عمر سراج أكبر"، الرئيس التنفيذي للنظام، أن النظام سيصبح قريبًا إحدى مؤسسات إدارة السياحة الرئيسية في المملكة العربية السعودية. وأوضح أن النظام قلل من إجراءات التقديم والحصول على تأشيرة سفر العمرة إلى 10 دقائق، وألغى حاجة الناس للذهاب إلى السفارات. وقال إن النظام يمنح الناس أيضًا تأشيرات العمرة بشروط معينة. ومن الأهداف المحددة في وثيقة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الزيارة السنوية لـ 30 مليون حاج إلى المملكة العربية السعودية.
فرصة تنويع السياحة السعودية:
من الواضح أن السلطات السعودية تسعى إلى تنويع مصادر دخلها والنأي بنفسها عن مجرد عائدات النفط. في الواقع، أثبت سوق النفط أن السوق غير مستقر للغاية ويواجه العديد من الصعود والهبوط في فترات مختلفة. ومن هنا فإن الابتعاد عن عائدات النفط وتنويع الدخل من أهم أهداف السعوديين لازدهار صناعة السياحة في المملكة العربية السعودية.
ومن ناحية أخرى، اقتصرت إيرادات السياحة في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة دائمًا على المدينتين الدينيتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، والآن يأمل السعوديون في كسر احتكار السياحة الدينية وتنويع السياحة في أجزاء ومناطق أخرى من البلاد. إن مدى نجاح المملكة العربية السعودية في تحقيق أهدافها في تنشيط السياحة وجني الأموال في هذا المجال يعتمد أكثر على الاستقرار الداخلي في البلاد، ولا شك أن السعوديين يقومون بأعمالهم العدوانية ضد اليمن. ويوميا تعيش بعض المدن السعودية في خوف مستمر بسبب هجمات قوات المقاومة اليمنية "أنصار الله"، وهذا الامر يهدد الازدهار السياحي في السعودية، حيث سقطت صواريخ باليستية في مراكز سعودية في عدة مناسبات عقب الحرب في اليمن. لذلك، إذا كانت الرياض تسعى إلى ازدهار صناعة السياحة، فمن الضروري تغيير سياستها الخارجية التدخلية والمغامرة ضد دول المنطقة والانتقال إلى سياسة خارجية سلمية.
ومن ناحية أخرى، لا تزال قضايا حقوق الإنسان والسجل الأسود لسلطات الرياض في انتهاك حقوق المواطنين وتقييد الحريات السياسية والاجتماعية من أكبر علامات الاستفهام قبل الطفرة السياحية في المملكة العربية السعودية، وربما أنه من أجل ازدهار السياحة، يحتاج السعوديون للرد على البقع السوداء في الانتهاكات لحقوق الانسان وتعذيب المنشقين والنشطاء السياسيين والاجتماعيين.
ارسال التعليق