جو بايدن بعامه الأول.. هان واستحقر محمد بن سلمان
بلا شك، كان العام الأول للرئيس الأمريكي "جو بايدن" في قيادة أقوى دولة بالعالم، حافلا بالعديد من المشاهد العالمية والشرق أوسطية والخليجية في مجال السياسة الخارجية.
فمنذ الوهلة الأولى لقيادته أمريكا في يناير/كانون الثاني الماضي، انتهج الرجل أسلوباً مختلفاً عن سلفه "دونالد ترامب"، يعتمد على المشاركة والتفاهم مع حلفاء واشنطن في العالم وإيجاد صيغة مختلفة للتعامل مع الخصوم لطمأنتهم.
أيضا لم يخل هذا العام من إرسال رسائل لمنطقة الشرق الأوسط وخاصة الخليج تقول إن سياسة "بايدن" في بعض الملفات ستكون مختلفة نوعا ما عن سابقه "ترامب"، لا سيما فيما يتعلق بملف الحريات.
إذ أصر الرجل على عدم الحديث مباشرة مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" وعدم لقائه، على خلفية تورطه في جريمة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وذلك بعكس "ترامب" الذي كان بمثابة الأب الروحي والراعي الرسمي لـ"بن سلمان".
في الوقت نفسه، خالف الرجل بعض التوقعات وحرص "بايدن" على طمأنة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" ولو بشكل غير مباشر، عندما سمح له بلعب دور مهم في وقف التصعيد العسكري بقطاع غزة في مايو/أيار الماضي، وهناك كانت كلمة السر هي إسرائيل التي يعد أمنها فصلا أساسيا في كتاب السياسة الخارجية لأي رئيس أمريكي.
وتولى "جو بايدن" رئاسة الولايات المتحدة متسلحا بتاريخ حافل من الخبرة في مجال السياسة الخارجية، فقد كان مهتما بالسياسة الخارجية منذ أن انتخب عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية دلاوير في مطلع سبعينيات القرن الماضي ثم أصبح رئيسا للجنة الشؤون الخارجية في المجلس لسنوات طويلة.
وعندما انتخب نائبا للرئيس الأسبق "باراك أوباما" عام 2008 تولى العمل على ملفات مهمة في مجال السياسة الخارجية مثل الصين والعراق وأوكرانيا بتفويض من رئيسه.
بدا هذا السجل متناقضا تماما مع سجل الرئيس السابق "دونالد ترامب"، الذي لم يكن سياسيا بل دخل السياسة من عالم المال والأعمال، لكنه استطاع جمع تأييد كبير في قواعد الحزب الجمهوري.
وقد أثارت سيرة "ترامب" ومسيرته في منصب الرئيس حنق وإدانة الحزب الديمقراطي الذي وحد صفوفه خلف "بايدن".
لذلك حرص "بايدن" منذ بداية رئاسته على اتباع مسارات مخالفة لـ"ترامب" والتشديد على ذلك.
وفي مجال السياسة الخارجية تحديدا ألقى "بايدن" خطابا في مقر وزارة الخارجية الأمريكية ورفع شعارا موجها لحلفاء الولايات المتحدة في العالم يقول إن أمريكا عائدة لتقود العالم، لكن بالمشاركة والتفاهم مع الحلفاء التقليديين الذين أربكهم "ترامب" ونهجه الذي ابتعد في أكثر من مناسبة عن التقاليد المعروفة في العلاقات بين أمريكا وحلفائها.
الصين وروسيا:
وقد كانت التحديات التي واجهها "بايدن" هي التحديات نفسها التي واجهها "ترامب"، وأهمها الصين باقتصادها القوي وطموحاتها الكبيرة، وروسيا بقوتها العسكرية والسياسية، وإيران بملفها النووي ونفوذها الإقليمي، لكن أسلوب مواجهة تلك التحديات أصبح مختلفاً.
وتعتبر روسيا القوة العسكرية الثانية في العالم من حيث الترسانة النووية ومن حيث الانتشار العسكري والتأثير السياسي في قضايا وصراعات ممتدة في القارات المختلفة، وطالما اتهم "ترامب" من خصومه باللين والضعف أمام روسيا، وفق "بي بي سي".
وقد كانت قمة "ترامب" مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في هلسنكي عام 2018 والطريقة التي ظهر بها "ترامب" في المؤتمر الصحفي المشترك مثالا كبيراً على ذلك عند منتقدي "ترامب".
لذلك حرص "بايدن" على الظهور بمظهر القوي الواضح في حواراته مع "بوتين"، ولم يظهر معه في أي مؤتمر صحفي مشترك بعد أن التقيا في لقاء قمة في مدينة جنيف في سويسرا بل ظهر كل منهما في حديث منفصل مع الصحفيين، وقد شدد "بايدن" على أنه وضع ثوابت الموقف الأمريكي واضحة أمام "بوتين".
إلا أن المواجهة بين إرادتي البلدين ليست سهلة خصوصا في أوكرانيا حيث ينتهي العام مع حشود عسكرية روسية على حدود أوكرانيا وتحذيرات أمريكية وغربية لـ"بوتين" من اجتياح أوكرانيا.
وقد خصص "بايدن" قمة مع الرئيس الروسي عقدت عن طريق الفيديو شدد فيها على تحذيره من أن أمريكا ستفرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا إن هي اجتاحت أوكرانيا، لكن لا يعتقد أن "بايدن" سيقدم على أي تدخل عسكري حتى إن مضت روسيا فيما يحذر منه الغرب.
صدمة أفغانستان:
أما الصدمة الكبرى لحلفاء "بايدن" وأصدقائه فكانت الطريقة التي انسحب بها من أفغانستان، فقد شاهد العالم كله صور الانسحاب الأمريكي من مطار كابل وتشبث آلاف الأفغان بالقوات المغادرة ثم عملية إجلاء كبرى أمر بها "بايدن" لكن تخللها هجوم شنه تنظيم "الدولة الإسلامية" قتل فيها 13 جنديا أمريكيا ثم غارة أمريكية أخيرة قتلت بالخطأ 10 مدنيين أفغان بينهم 7 أطفال.
جاءت بعدها زيارات "بايدن" إلى أوروبا للحديث المباشر مع الحلفاء وشرح ما جرى وما سيجري، وليس أمام الحلفاء غير محاولة العمل مع الولايات المتحدة فهي مازالت القوة العظمى الأكبر والحليف الأكبر في حلف شمالي الأطلسي الذي تأسس في القرن الماضي وهو اليوم يواجه تحديات القرن الحالي.
مد يده لإيران:
مع إيران يسعى "بايدن" إلى العودة للاتفاق النووي الذي انسحب منه "ترامب"، وقد تحدث مطولا مع حلفائه الأوربيين حول خياراتهم في مواجهة ايران إن لم تنجح المفاوضات معها في العودة إلى الاتفاق النووي.
المفاوضات تسير بصعوبة وبطء في فيينا بين إيران من جهة وممثلي الدول الكبرى، إذ ترفض إيران الحديث مباشرة مع الولايات المتحدة، كما وتقول إدارة "بايدن" إن إيران لم تقدم أي شيء بناء وتحذر من أن الوقت ليس مفتوحا بلا نهاية.
لكن "بايدن" يشدد على أن الدبلوماسية هي الخيار الأول رغم الضغوط التي يتعرض لها من إسرائيل الحليف الأقرب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتي تشعر بالقلق من البرنامج النووي الإيراني، وهي ترفض في الوقت نفسه فكرة عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران.
بدلا من مشروع "ترامب" للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي أثار غضب كثيرين في العالم العربي والإسلامي وقاطعته السلطة الوطنية الفلسطينية، عاد "بايدن" إلى سياسة أكثر تقليدية تتمثل في دعم حل الدولتين ودعوة الأطراف لتجنب التصعيد.
طمأن "السيسي" والعراق:
وقد منح لمصر بقيادة "السيسي" دورا مهما في التهدئة بعد الحرب التي جرت في غزة عام 2021 وهو الأمر الذي عزز العلاقة بين واشنطن والقاهرة، رغم أن إدارة "بايدن" حجبت جزءا من المساعدات العسكرية عن مصر وربطت ذلك بحدوث تحسن في مجال حقوق الانسان.
وفي العراق اتفق "بايدن" مع الحكومة العراقية التي تتمتع بعلاقات قوية مع أمريكا وإيران على إنهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية هناك.
لكن هذا لن يعني انسحاب القوات الأمريكية من العراق وهو الأمر الذي يطالب به حلفاء إيران في ذلك البلد.
أما ما يعنيه الاتفاق تحديدا فلن يعرف إلا عندما يطبق على الأرض وسيعتمد الأمر كثيرا على ما ستصل له مفاوضات الملف النووي مع إيران ومستقبل السياسة الأمريكية وخياراتها إزاء طهران.
مثل العراق، تبدو الأمور أهدأ أيضا في سوريا وليبيا ولكن تلك الدول تنتظر اتفاقات واستحقاقات سياسية تلعب إدارة بايدن دورا فيها.
أدار ظهره وهان "بن سلمان" واليمن:
أما اليمن، فلم ينجح "بايدن" حتى الآن في إيقاف الحرب الدائرة هناك رغم تعهده بذلك.
وعلى وقع حرب اليمن تستمر العلاقة باردة بين إدارة "بايدن" والسعودية التي تعهد بايدن باتباع سياسة أكثر تشددا تجاهها لكن الإجراءات التي اتخذها حتى الآن حافظت على جزء من الصلات التقليدية بين البلدين.
لكن في الوقت نفسه ما زالت سياسة "بايدن" متشددة تجاه ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" ويرفض الحديث المباشر معه أو استقباله في أمريكا أولقائه في أي محفل على خلفية تورطه في مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
ارسال التعليق