حرب النفط المشتعلة، خطوة غير محسوبة من بن سلمان
علقت مجلة "فورين بوليسي" على حرب النفط الدائرة بين روسيا والسعودية، معتبرة أن محمد بن سلمان يتخذ خطوات غير محسوبة وأن المملكة تلعب بالنار.
ويشعر الكثيرون بنفس القدر من الحيرة إزاء القرار السعودي ليس فقط بالتخلي عن خفض الإنتاج ولكن أيضاً بخفض الأسعار وزيادة الإنتاج لدفع الأسعار إلى مزيد من التراجع.
وقالت المجلة في تقرير لها إن كل من روسيا والسعودية تعتقد أنها في وضع أفضل من الأخرى لتحمل آلام حرب أسعار النفط التي انطلقت الأسبوع الماضي، وكل منهما تعتقد أن بمقدورها تحقيق هدفها من هذه الحرب.
واندلعت الحرب بعدما قررت موسكو نسف اتفاقية عمرها 3 سنوات لتحديد إمدادات النفط العالمية، رافضة التوقيع على التخفيضات التي اقترحتها السعودية، مما أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط.
ولم ترد الرياض بتخفيضات أحادية الجانب بل في الاتجاه المعاكس، فقد خفضت أسعار بيع نفطها وأعلنت في وقت لاحق عن خطط لزيادة إنتاج النفط بشكل كبير، مما أدى إلى مزيد من انخفاض الأسعار التي كانت تهبط بالفعل بسبب تفشي فيروس كورونا.
وبالنسبة لروسيا والسعودية، وكلاهما يعتمد بشكل أو بآخر على مبيعات النفط لتمويل ميزانيتيهما الوطنيتين، كانت لعبة الأسعار وما تزال خطيرة، بحسب التقرير.
ويشعر الكثيرون بنفس القدر من الحيرة إزاء القرار السعودي ليس فقط بالتخلي عن خفض الإنتاج ولكن أيضاً بخفض الأسعار وزيادة الإنتاج لدفع الأسعار إلى مزيد من التراجع.
وحسب "فورين بوليسي" يبدو الأمر محفوفاً بالمخاطر من ولي العهد السعودي الشاب الذي أشرف على تحركات "جريئة وكارثية" منذ السيطرة الفعلية على المملكة، من حرب اليمن إلى نهجه في التعامل مع المعارضين.
وعلى الورق، تلعب السعودية -التي تحتاج إلى ضعف تكلفة النفط تقريباً مقارنة بروسيا من أجل تحقيق التوازن في ميزانيتها- بالنار من خلال دفع الأسعار إلى الأسفل لإجبار روسيا على الانضمام إلى تجمع أوبك.
وقال الخبير في شؤون النفط و السعودية في المجلس الأطلسي "جان فرانسوا سيزنيتش" "إنه أمر متهور من بعض النواحي فهو يحاول القيام بهجوم "صدمة وذهول للروس".
وتمتلك السعودية احتياطيات نقدية لتحمل انخفاض الأسعار، وإن كان أقل مما كانت عليه في عام 2014، وأقل مما تتمتع به روسيا اليوم، نظراً لضرورات ميزانيتها.
وكانت السعودية تتجه بالفعل لعجز مالي يبلغ نحو 50 مليار دولار، وسوف يعزز انخفاض عائدات النفط ذلك بمقدار 70 مليار دولار أخرى، مقابل 120 مليار دولار سنوياً.
قد يستغرق ذلك في أحسن الأحوال في السعودية 4 سنوات على الأقل، لكن الرياض تأمل بوضوح في حرب نفطية قصيرة وحادة.
وقال "سيزنيتش": "يذكرني هذا بالحرب العالمية الأولى عندما دخلت فرنسا وألمانيا إلى الحرب وكانتا تعتقدان أنها ستنتهي بحلول أعياد الميلاد، لكنهما أمضيا 4 سنوات في الخنادق".
وضع أفضل لروسيا:
وبالنسبة لروسيا، فقد تصورت أنها قادرة على هذه الحرب كونها كدست الكثير من المال في السنوات التي تلت الانهيار الأخير لأسعار النفط.
وتعتقد روسيا أن أكبر الخاسرين في هذه الحرب هي الولايات المتحدة وإنتاجها من النفط الصخري، ما يلحق ضرراً اقتصادياً بواشنطن ويقوض قدرتها على استخدام أداتها المفضلة: العقوبات.
لكن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة أثبتت مرونتها في الماضي، كما حدث عندما حاولت أوبك خنقها عامي 2014 و2015 بفيضان من النفط الرخيص، ولا تزال تستطيع استيعاب بعض الضربات.
ويصف "سيرجي جورييف" أستاذ الاقتصاد في "ساينس بو" في باريس وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير هذه الخطوة بأنها سوء تقدير.
وقالت "سوفيا دونيتس"، كبيرة الاقتصاديين الروس في شركة "رينيسانس كابيتال" ومسؤولة كبيرة سابقة في البنك المركزي الروسي للمجلة الأمريكية: "إن روسيا في وضع أفضل للنجاة من هذه الأزمة، سيكون الأمر صعباً، لكن لديهم ما يكفي من الموارد للعبور".
وأمضت روسيا السنوات الخمس الماضية في تشديد ميزانيتها وبناء 550 مليار دولار من الاحتياطيات التي يقول المسؤولون إنها ستسمح لها بالتعامل مع أسعار بين 25 و30 دولاراً للبرميل لمدة تصل إلى عقد من الزمان، إذا لزم الأمر.
وإذا ما بيع النفط الخام بمتوسط 27 دولاراً للبرميل، فإن روسيا ستحتاج إلى سحب 20 مليار دولار سنويا من صندوق الثروة الوطني لتحقيق التوازن في الميزانية.
وركزت موسكو على النمو في السنوات الأخيرة، وهي الآن في وضع أفضل للتغلب على الصدمة الحالية من المرة الأخيرة.
ولكن هناك مشكلة واحدة يتعين على الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن ينفق المزيد، لأن الزيادات الكبيرة في الاستثمار في البنية التحتية والإنفاق الاجتماعي هي أمر أساسي لمستقبله، فقد كان انخفاض الدخل والتقشف مصدر انخفاض شعبيته وعاملاً رئيسياً وراء التعديل الحكومي الذي أُجري في يناير/كانون الثاني.
وفي حال حرب طويلة سيكون على روسيا العودة إلى طاولة التخطيط.
وقالت "ناتاليا أورلوفا"، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في "ألفا بنك" في موسكو: "إن ضعف الروبل سوف يعوض بعض الدعم في الميزانية الذي فقد بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن إذا بقيت أسعار النفط منخفضة، فإن الحكومة الروسية سوف تحتاج إلى خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، وربما كليهما - وكلاهما ليس جذاباً سياسيا".
ارسال التعليق