علّم قطر.. شعار سعودي مع وقف التنفيذ
لم تمر مقابلة رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس بالخارج، خالد مشعل، على قناة الجزيرة مرور الكرام. حيث أثارت تصريحاته تساؤلات حول طبيعة العلاقة مع "السعودية" من جهة، كما تعمد قناة الجزيرة القطرية في إثارت "السعوديين" عبر طرحها لمواقف أقل ما يقال عنها "غير ودية" وكان يمكن تجنبها في حال وجود حرص على ما تم الركون إليه في بيان العلا الموقع في يناير/كانون ثاني من العام 2021.
مشعل خلال مقابلة على قناة الجزيرة، ورداً على سؤال عن سبب تغير الموقف السعودي من الحركة، قال: "لا سبب جوهري يستحق هذا التغيير، حماس لم تسئ لأحد، حماس لديها رؤية وسياسة واضحة، هي تحارب الاحتلال الصهيوني ولا تتدخل في شؤون الدول".
وأضاف: "لكن لا يصح أن تأتي دولة وتحاسبني لأنني والله متمسك بفلسطين أو أنني أمارس المقاومة، هم مخطئون فيما يفعلون، أكثر من 60 معتقل لديهم، يا أخي إذا اعتبرت وجودهم عبء عليك أخرجهم أطلب منهم مغادرة المملكة لكن لا تعتقلهم".
وتابع: "أدعو إلى سرعة الإفراج عن هؤلاء أما أن يبقوا في السجون ويحاكموا على ماذا يحاكموا؟ منتمين لحماس؟ إلا إذا أصبحت حماس عندكم يعني لا شرعية لها أو ضمن قوائم الإرهاب كما يحاول البعض أن يضع أو يربطها بالإخوان المسلمين وغير ذلك، نحن لسنا جزءاً من أي خلاف داخل أي بلد عربي".
ثوابت تحول دون التوافق السعودي- القطري:
بعد ثلاثة وأربعين شهرا من عمر الأزمة مع قطر والحصار الذي فرض عليها، توصل المجتمعون في "القمة الخليجية الحادية والأربعون المنعقدة في يناير/ كانون الثاني 2021 لقرار إنهاء الحصار المفروض على الدوحة و"عودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، من جهة، وقطر من جهة ثانية"، هذا في الشكل.
أما في المضمون، لا يبدو أن خيوط الوئام بين الرياض والدوحة قد نسجت من جديد ولو بشكلها المبدئي، سيما وأن العلاقة مع إيران ما زالت حاجبا رئيسيا للتشبيك بين العاصمتين في "الخليج"، وإلى موقعها ودورها المتنامي لدى الإدارة الأميركية الحالية.
لقد شكل الدور الذي لعبته الدوحة في عمليات الإجلاء من أفغانستان إثر الهزيمة التي منيت بها قوات الإحتلال الأميركي، إلى جانب الدور الراعي للمفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في وقت سبق إستيلاء الحركة على العاصمة كابول، شكلت موقعية جديدة للدوحة في البيت الأبيض، الأمر الذي كرسه تصنيف دولة قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في الشق "الخليجي"، تتحسس الرياض نبض المنافسة مع الدولة الصغيرة وترى أن قطر بما تمتلكه من مقومات سياسية وحدود جغرافية لا يسمح لها بتجاوز "إرادة الأخ الأكبر" ، القائلة بضرورة تناغم السياسات الخارجية للبلاد التي تدور في فلكها.
لم تكن أزمة العام 2017 الأزمة الأولى بين قطر و"السعودية" والدول التابعة للأخيرة، إذ سبق للدول الثلاث أن سحبت سفراءها من الدوحة في شباط/ فبراير 2014. ومثّل حينها الخلاف على الموقف من الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح نظام الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، السبب المباشر للأزمة. لكن الوساطة التي قامت بها الكويت في ذلك الوقت نجحت في احتواء الأزمة، وتمّ التوصل إلى اتفاق الرياض الأول ثم اتفاق الرياض التكميلي، بعد مفاوضات استغرقت نحو ثمانية أشهر. المشترك في الحالتين أن الاتفاق لم ينجز إلا نتيجة حالة ضعف خليجية عموما ناتجة عن مؤشرات بسياسة أميركية جديدة حيال إيران تتخذ من التواصل والمفاضات مرتكزا، الأمر الذي ولّد في الحالتين، سواء في عهد باراك أوباما أو عهد جو بايدن، شعورا "خليجيا" بالتخلي الأميركي يدفع بالرياض وأبو ظبي لتأجيل الخلاف الواقع مع الدوحة إلى فترة تريان فيها عوامل أفضل لإحياءه من جديد.
وبالعودة إلى أداء قناة الجزيرة، ليست المقابلة مع خالد مشعل من أشعلت فتيل الهجمة الإلكترونية على قطر من قبل الذباب الإلكتروني في السعودية وكتاب البلاط، بل كانت تغطية الجزيرة لتطور الأحداث في شبوة وسيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا على المحافظة اليمنية قد أثارت سخط شريحة واسعة من "النخبويين"، عبرت عنها بالكثير من الاتهامات وصل بهم حدّ المطالبة بالعودة إلى سياسة القطيعة والحصار إذا ما التزمت الدوحة ببنود اتفاق العلا القاضي بعدم تعرض الأطراف لأمور من شأنها إحداث ضرر. سيما مع إصرار القناة على التركيز على دور الإمارات في السيطرة على المحافظة وقرارها بالإمساك بزمام الأمور.
أزمة جديدة مع انتهاء كأس العالم:
إن ما ورد، يظهر لنا بوضوح مروحة من الأسباب التي تحول دون التكامل بين سياسات محمد بن سلمان وتميم بن حمد. الأخير يظهر حرصه على استقلال قرار بلاده ويرى في الضوء الاخضر الأميركي مرتكزا لكل مواقفه، لكن يقابل هذه الراحة حرص قطري على عدم الوصول إلى الحد الأقصى من الاستفزاز وذلك لاعتبارات عدّة، أولها أن قطر تستعد هذا العام لإستضافة كأس العالم وبالتالي ليست الدوحة في وارد فتح الباب أمام أزمة جديدة مع دول الجوار لما لها من ارتدادات عكسية على الاستحقاق الرياضي، الذي يعد الأول في العالم العربي.
ثانيا، إن الموقف الأميركي سيكون متحفظا أمام خيار المواجهة مع "السعودية"، وذلك نتيجة حاجة الغرب للنفط السعودي بعيد الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا ومحاولات الضغط على موسكو من بوابة تقليص استيرادها للغاز الروسي الذي لطالما شكل أساسا في تلبية حاجة الدول الأوروبية للطاقة. ما يعني أن الدوحة ستفقد في أي أزمة جديدة الدعم الأميركي مراعاة لمصالحها.
على أي حال، ومع تصاعد مؤشرات تصدع اتفاق العلا الموقع العام الماضي، نتيجة الصدع غير القابل للرأب لا من جهة الرياض التي ترى فيه تنازلا لا يتناسب مع موقعها وتعنت محمد بن سلمان، ولا من جهة الدوحة التي تعتبر أنها ليست في موقع ضعف يجبرها على التنازل والخضوع للرغبة السعودية. وعليه إن المسار بين الجارتين مع وقف التنفيذ إلى ما بعد المونديال، وهو قابل للتصعيد متى ما اتخذت قطر أي خطوة
يعتقد محمد بن سلمان أنه في موقع قوة لا يردعه عن خيار محاصرة قطر من جديد، إذا ما استلزم الأمر وطرأت مستجدات فرضت عليه سلوك هذا المسار. لكن بن سلمان لا يرى في تجديد الأزمة مع قطر أولوية في الوقت الراهن، وضمن سياساته الانفتاحية على الدول الإقليمية والترويج لنموذج "المملكة غير".
ارسال التعليق