قراءة قانونية حول أحكام #الإعدام لدى النظام #السعودي
بقلم: جعفر الجشي...يقول النظام السعودي إن عقوبة الإعدام التي يطبقها مستمدة من الشريعة الإسلامية، لكن في الحقيقة هي مستمدة من المفهوم الوهابي للشريعة الإسلامية الآي يتبعها قضاء ال سعود. وتدعي المنظومة القضائية السعودية ان عقوبة الإعدام لا تتضمن الأحكام التعزيرية بحق الأحداث والقصّر الذين لم يتموا 18 عاما وقت ارتكابهم الجريمة، لكن الوقائع تثبت العكس باستمرار. يقسم القضاء السعودي عقوبة الإعدام إلى ثلاث فئات وهي: الحد، القصاص، والتعزير، ويتم إعدام المحكوم عليهم بالتعزير حسب الجرائم التي تُحددها الأنظمة الوطنية مِثل الإتجار بالمُخدرات وبيعها وتهريبها، بحسب ورقة قانونية صادرة عن مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير.
ادعاءات مزيفة ومنذ أبريل 2020 يدعي النظام السعودي إنه أوقف أحكام القتل تعزيرا لمن لم يتموا 18 عاما وقت ارتكابهم الجريمة. فبغية الإفلات من المساءلة الدولية، ونظرا لحجم الانتهاكات الواقعة خاصة على الأطفال او من حكم عليهم بالإعدام في جرائم مزعومة نسبت إليهم لأسباب سياسية تبتعد عن كل معايير العدالة الدولية والمحلية، وهم لم تصل أعمارهم الى 18 عاما، أعلنت “هيئة حقوق الإنسان” السعودية في 26 أبريل2020، أنه بموجب أمر ملكي سيتم إيقاف تنفيذ كافة أحكام الإعدام “تعزيراً” بحق الأشخاص الذين لم يتموا 18 عاماً، وتعديل كافة الأحكام بما يتوافق مع “نظام الأحداث”، على أن تكون أقصى عقوبة السجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات.
بالشكل، اعتبر القرار السعودي خطوة إيجابية لمراجعة الاحكام القاسية خاصة تلك الصادرة في حق الأطفال المعتقلين بسبب مشاركاتهم في الاحتجاجات الشعبية السلمية في القطيف، في المنطقة الشرقية، في 2011. لكن بالمضمون، لم تكن هذه القرارات سوى تغطية على جرائم أكبر ارتكبها ولا يزال النظام السعودي في حق كل مخالف في الرأي. ليس اخرها الاحكام القضائية بالتعزير التي صدرت منذ أيام في حق العديد من الشباب السعودي والبحريني.
ضمن البند السادس من القرار المتعلق بوقف احكام القتل تعزيرا، يتم استثناء الأطفال الذين يواجهون خطر الإعدام وفقا لقانون “مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله”، أو الذين لا يندرجون تحت فئة الأحكام التعزيرية، الذين صدرت عليهم أحكام تحت عنوان حد الحرابة أو القصاص، وإذا ما فنّد هذا البند فقط، فإن 13 قاصراً على الأقل لم يتم العفو عنهم أو تسوية قضاياهم ولم يشملهم هذا القرار الذي ليس له مفعول رجعي بالتأكيد، والذي جاء بما يحمل من مساوئ وتضليل بعد نظام الأحداث المزعوم الصادر في أغسطس 2018م، وهو القانون الذي لا يجيز تطبيق القتل التعزيري على الأشخاص الذين لم يتموا 18 عاماً.
تفنّد مصادر حقوقية خاصة صيغ القرار الذي حاول النظام السعودي تظهيره بقالب جديد للمجتمع الغربي، كون القرار لم يأتِ بجديد عما ورد في قانون الأحداث الذي يتم تجاهل بنوده من قبل النيابة العامة والسلك القضائي المعني بإصدار الأحكام أو التراجع عنها وتعديل ما صدر منها بما يتلاءم والوارد في القرار أو القانون، خاصة العقوبات المتعلقة بالقتل تحت أية مسميات مع إصرار النيابة على استخدام هذه العقوبة كأولوية للانتقام السياسي الواضح والبارز في مطالباتها بتجريم المعتقلين والانقضاض عليهم. وتطالب ـبصورة متواصلةـ بإعدام القاصرين على الرغم من أن القانون يحدد لهم عقوبات خاصة لا يعد القتل بينها.
راهنا، نفذ النظام السعودي احكام الإعدام تعزيرا في حق شباب من المنطقة الشرقية، بعد توجيه تهم لهم بارتكابهم جرائم القتل، والإرهاب، وعلى الرغم من كل الادعاءات التي تقرها وزارة داخلية النظام من خلال بياناتها، بان هؤلاء الشباب أعدموا بالقتل تعزيرا، الا ان السؤال يبقى مطروحا: لماذا وقع اختيار احكام القتل تعزيرا وليس الحد او القصاص مثلا؟
بمعنى اخر، لماذا تمت عمليات الإعدام الاخيرة (تعزيراً) وليس (قصاصاً)؟ ان كانت الأفعال التي حوكم من اجلها المتهمون (قتلاَ) عمداً، والقتل العمد حدّه (القصاص) فلماذا يُكيّفُ على أنه (تعزير)؟ عدم الالتزام بشروط المحاكمة العادلة احد القضاة السعوديين، وهو القاضي في المحكمة الجزائية بمكة المكرمة سابقا تركي القرني علق في جريدة عكاظ الصادرة في 13 سبتمبر 2015، حول الفرق بين الحد والقصاص والتعزير بالقول:” هناك خلط بين القتل حدا أو تعزيرا أو قصاصا لدى الكثير وذلك نتيجة عدم العلم بمدلولات هذه الحقائق من الناحية الشرعية، فالقصاص من الناحية الفقهية هو مجازاة الجاني بمثل فعله، فيما الحد عقوبة مقدرة شرعا لا يجوز إسقاطها متى توفرت شروط إقامتها ولم تكن هناك شبه تـدر بها، أما التعزير فهو عقوبة غير مقدرة في معصية لا حـد فيها ولا كفارة.
وأضاف: “الجاني قد يقتل قصاصا أو حدا أو تعزيرا، سواء بالسيف أو الرصاص، فعندما يقتل الجاني شخصا ويحكم عليه بالقتل بعد توفر الشروط فإنه يكون محكوما بالقتل قصاصا، وعندما يقطع جان آخر مثلا الطريق لأخذ المال أو يغتال أحدا وينزل فعله على أنه حرابة ويحكم عليه بالقتل لأجل ذلك الفعل، يكون قتله هنا حدا كون الحرابة من الحدود الشرعية وعقوبتها مقدرة شرعا، وعندما يهرب الجاني مخدرات وتثبت عليه هذه الجريمة ويحكم عليه بالقتل فإن قتله هنا يكون تعزيرا، وعقوبة قتل المهرب يراها ولي الأمر قطعا لدابر المخدرات وما تسببه من آثار مدمرة.”
واختتم تركي تعليقه موضحا: “هناك فرق بين هذه الأنواع بأن المحكوم عليه بالقتل قصاصا لا أحد يملك العفو عنه سوى ورثة الدم، والمحكوم عليه بالقتل تعزيرا لا أحد يملك العفو عنه سوى ولي الأمر، أما المحكوم عليه بالقتل حدا فلا يملك أحد العفو عنه كونه عقوبة حدية مقدرة.
” بناء عليه، وبالرجوع الى الاحكام القضائية الأخيرة، حكمت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة بالقتل تعزيرا على الشباب المعتقلين، حيث وجهت لهم مجموعة من التهم أهمها: انضمامهم لخلية إرهابية. قتلهم رجال الامن والاعتداء عليهم، وعلى مراكزهم. التحاقهم بمعسكر خارج السعودية خدمة لاحد التنظيمات الإرهابية ضد السعودية.
التدريب على الأسلحة والقنابل وابطالها. بالتأكيد ان هذه التهم التي تصب كلها في إطار جرائم الإرهاب، صُنفت من قبل محكمة الاستئناف الجزائية على انها جرائم إرهابية وفقا لمنطوق قانون مكافحة الإرهاب السعودي، وأيدت المحكمة العليا تلك الاحكام بناء على ذلك. وعليه، استوجبت التنفيذ مباشرة إثر صدورها دون مراجعة او التماس بإعادة النظر، ووجوب التخفيف في الاحكام. من هنا تكشف احكام التعزير عن رغبة النظام السعودي في عدم إعطاء فرصة للمتهمين بالحق في التمتع بشروط المحاكمة العادلة من خلال تقديم طلب العفو او التماس إعادة النظر من جهة، واعتبار حكم القتل تعزيرا حكما باتا ونهائيا لا يستوجب على عكس ما هو معروف في حكم القصاص او الحد طلب العفو من ولي الدم، او استبدال حكم الإعدام بالسجن، من جهة أخرى. ان كان حكم القتل تعزيرا يسمح بطلب العفو استثنائيا من ولي الأمر، فيبدو ان الامر غير وارد واقعيا نظرا لإصرار ولي الامر على تنفيذه وبسرعة وفي ظل ظروف سياسية معينة، ودون إعطاء فرصة للمتهمين بالحق في الاستفادة من هامش الوقت لالتماس إعادة النظر. من المهم التأكيد على أن هذه الاحكام تخلو من عنصر مهم، وهو عنصر الشفافية في المحاكمة، وحق المتهمين في التمتع بشروط المحاكمة العادلة، بالدفاع عن أنفسهم ورد التهم الموجهة إليهم، إضافة الى حقهم في التماس إعادة النظر والمطالبة بتخفيف الاحكام الصادرة بحقهم.
باختصار: المقتول تعزيرا لا دية له ولا حق لأهله بالمطالبة بعفو لا قبل تنفيذ الحكم، ولا بتعويض بعد تنفيذه. من هنا تبدو الثغرات واضحة جلية، ويبدو تسييس الاحكام القضائية هو سيد الموقف.
الاختلالات في قانون مكافحة الإرهاب وتداعياته على الاحكام القضائية وعلى الرغم من الانتقادات واسعة النطاق لقانون مكافحة الإرهاب السابق، فإن النظام السعودي لم يفعل الكثير في طريق الإصلاح. حيث يفتقر هذا القانون إلى تعريف قوي ومحدد بما فيه الكفاية “للإرهاب”.
فقد اعتبر المنتقدون انه وقع الاعتماد على “التعريف الواسع وغير المقبول في القانون لقمع حرية التعبير، كما انه لم يمتثل للمعايير الدولية. إضافة الى أنه كقانون يسمح بتجريم نطاق واسع من أعمال التعبير السلمي، الأمر الذي يشير الى خلل واضح في الاحكام الصادرة وفقا للإجراءات التي يقرها هذا القانون.
إضافة الى ذلك تعتمد المؤسسة القضائية السعودية في مثل هذه القضايا على قانون مكافحة جرائم الإرهاب الذي أنشأه النظام السعودي في 1 نوفمبر 2017. وقد حلّ هذا القانون، الذي يتألف من 96 مادة (27 منها تتناول العقوبات فقط)، محل قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في ديسمبر 2013، والذي تعرض لانتقادات كثيرة من قبل المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية.
الملاحظ انه، بدلا من استخدام ما يقرب من أربع سنوات منذ آخر مرور للقانون لتحسين التشريعات التي انتُقدت بشدة لأوجه القصور، أصدرت المملكة مرسوما يتضمن نفس العيوب التي تحلى بها سلفه ولا يزال يتبع نفس النهج القمعي غير المقبول. بسبب التعريف الغامض والملتبس للإرهاب، يمكن تطبيق هذا القانون على عدد من الحالات.
فعلى سبيل المثال، يستخدم القانون “إخلال بالنظام العام”، و”تقويض أمن المجتمع واستقرار الدولة”، و”تعريض الوحدة الوطنية للخطر”، و”عرقلة نظام الحكم الأساسي”، لتعريف الأعمال الإرهابية، مما يضع كل النشطاء والمعارضين لسياسات النظام السعودي في خطر متزايد من الانتقام المباشر والاضطهاد.
إن قانون مكافحة الإرهاب والذي اعتبر الركيزة الأساسية في الاحكام القضائية الأخيرة، يجرم ارتكاب أو التحريض على أعمال معينة تُعتبر أعمال إرهابية لا يمكن إنكارها. فعلى سبيل المثال، يمكن للأفراد الذين يسيطرون على شن هجمات إرهابية أثناء حملهم الأسلحة والمتفجرات أن يُسجنوا لمدة ما بين 10 و30 عاما.
وبالمثل، يمكن لأي شخص يتلقى تدريبا من خلية إرهابية حول استخدام الأسلحة والمتفجرات والمواد الكيميائية وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية أن يُسجن من 20 إلى 30 سنة. غير أن القانون يترك مجالا غير واضح في بعض أوصاف العقوبة: إن إنشاء خلية إرهابية يحمل عقوبة تتراوح بين 10 و25 سنة، ولكن مصطلح “خلية إرهابية” غير مُعرّف بوضوح.
ومع ذلك، خرجت بيانات وزارة الداخلية السعودية الأخيرة (الصادرة على التوالي بتاريخ 7 مارس 2023، و9 مايو2023، و14 مايو 2023، و22 مايو 2023، و29 مايو 2023، و4 يونيو 2023) لتعبر عن انتهاك صارخ لكل المواثيق والقوانين وحتى قانون مكافحة الإرهاب السعودي نفسه، بإعلان تنفيذ احكام بالقتل تعزيرا ضد المعارضين والنشطاء، بدلا من الاحكام السجنية البديلة لعقوبة الاعدام، كما هو وارد في القانون المذكور.
وهذا دليل على اصرار المنظومة القضائية السعودية على البطش بالمعارضين دون الاخذ في الاعتبار بحقوقهم المدنية وأبسطها حقهم في التمتع بشروط المحاكمة العادلة.
بما أن المنظومة القضائية السعودية ذائعة السيط كأحد أسوأ مرتكبي جرائم الإعدام في العالم، فإن قانون مكافحة الإرهاب وتمويله الصادر في 2017، يساهم أيضا في زيادة سمعة المملكة السيئة بسبب الإفراط في استخدام عقوبة الإعدام، وخاصة فيما يتعلق بأحكام عقوبة الإعدام في المادتين 40 و41، حيث تنص المادتين على أنه إذا قام فرد بعمل إرهابي يؤدي إلى وفاة أحد، فإن الفرد سيواجه عقوبة الإعدام.
مع الملاحظة ان هذه المواد لا تحدد نوعية حكم الإعدام المقصودة هنا، ان كانت حدا او قصاصا او تعزيرا بل هي متروكة كإجراء للسلطة التقديرية للمحكمة، وهنا يكمن الخلل. تبدو المرجعية القانونية المعتمدة من قبل القضاء السعودي وعلى راسها قانون مكافحة الإرهاب المذكور، مليئة بالعيوب، وغير صالحة للتنفيذ القانوني، فقد يدّعي هذا القانون الحماية، ولكن الواضح انه يستخدم اليوم أسوأ استخدام كوسيلة لقمع المعارضين بكل الوسائل، من خلال التوظيف السياسي للأحكام، خاصة عقوبة الإعدام (تعزيرا) على المعارضين السياسيين، وغياب شروط المحاكمة العادلة، والصمت الإقليمي والدولي على هذه الانتهاكات المستمرة في حقهم.
ارسال التعليق