لماذا يجب ألا ينسى العالم لجين الهذلول
ربما لا يعرف بعضنا "لجين الهذلول" أو يقابلها بشكل شخصي، لكن يجذب تعاطف كل من يراها ولو من خلال صورتها.
ربما يمكن السر في ابتسامتها المليئة بالأمل والتفاؤل الشبابي. ولكن من المؤكد أن تلك الابتسامة ولت اليوم حيث تقبع "لجين الهذلول" داخل زنزانة مظلمة في الرياض بالمملكة السعودية.
وتعد "الهذلول" ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان وهي تبلغ من العمر 30 عامًا. وقد شنت حملة طويلة ضد الحظر السخيف على قيادة المرأة للسيارة داخل المملكة، بالإضافة إلى نظام وصاية الذكور التمييزي في البلاد.
وجاء اعتقالها واحتجازها في مايو/أيار 2018، إلى جانب ناشطات سعوديات بارزات في مجال حقوق المرأة، مثل "إيمان النفجان" و"نوف عبدالعزيز".
وكانت رسالة السلطات السعودية واضحة، وهي أن الإصلاحات ستحدث تبعًا لأجندة العائلة المالكة، وفقط بموافقة ملكية. وستكون عملية من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى، يقودها مستبدون، وليس ديمقراطيون.
نتيجة لذلك، قد يكون للمرأة السعودية الآن الحق في قيادة السيارة، لكن النساء السعوديات اللائي ناضلن من أجل هذا الحق وحلمن به تم تجريدهن من جميع حقوقهن، وتم احتجازهن خلف القضبان بمعزل عن العالم الخارجي، حيث أصبحن ضحايا للتعذيب وسوء المعاملة.
ومع ذلك، فإنهن لم يستسلمن. وقد أظهرت "الهذلول" شجاعة وقوة مذهلة. وتقول أسرتها إن المسؤولين السعوديين كانوا على استعداد لإطلاق سراحها إذا وافقت على إنكار أنها تعرضت للتعذيب أمام الكاميرا.
ولكنها رفضت ذلك.
وكتبت شقيقتها، "علياء الهذلول"، التي تعيش في بلجيكا، في مقال لها في "نيويورك تايمز": "تم احتجاز شقيقتي في الحبس الانفرادي، وتعرضت للضرب والإغراق بالمياه والصعق بالصدمات الكهربائية والمضايقات الجنسية، وتم تهديدها بالاغتصاب والقتل". وفي يناير/كانون الثاني، نقلا عن محادثة أجرتها "لجين" مع والديها أثناء زيارة نادرة لرؤيتها في السجن، قالت أختها: "رأى والداي بعد ذلك أن فخذيها قد تلونا بالكدمات".
تواطؤ أمريكي
ودعونا نكن واضحين هنا، فمن السهل على الليبراليين والمحافظين في الولايات المتحدة أن يدينوا المملكة العربية السعودية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما فيما يتعلق بتعذيب السجناء السياسيين، لكن الولايات المتحدة متواطئة بشكلٍ مخزٍ في هذه المعاملة الوحشية التي تعرضت لها "الهذلول" وزميلاتها الناشطات في مجال الحقوق.
كبداية، وبوصفها حليفا رئيسيا للحكومة السعودية، يمكن لإدارة "ترامب" الإصرار على إطلاق سراح "الهذلول" فورا. وجدير بالذكر أن "جاريد كوشنر" يعتبر ولي العهد "محمد بن سلمان" صديقًا حميمًا، ويتراسل الرجلان بانتظام على "واتس آب". فلماذا لم يرسل "كوشنر" رسالة إلى "بن سلمان" يحثه فيها على إطلاق سراح "لجين الهذلول"؟ ولماذا لم تطالب زوجته وزميلته في البيت الأبيض، "إيفانكا ترامب"، التي ذهبت إلى الخليج في وقت سابق من هذا الشهر للتفاخر بعملها في تمكين النساء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، علنًا بالإفراج عن "الهذلول" من احتجازها الجائر في السعودية؟
ثانيا، كما كشف تحقيق أجرته "رويترز" مؤخرًا، ساعدت مجموعة من المسؤولين السابقين في البيت الأبيض والمتعاقدين مع الاستخبارات الأمريكية دولة الإمارات في بناء وحدة سرية للمراقبة الإلكترونية تسمى "دي ريد"، التي تم اتهامها بالتورط في اعتقال "الهذلول" وتسليمها إلى المملكة.
وكما أوضحت "رويترز": "في عام 2017، قام ناشطون باختراق رسائل البريد الإلكتروني للناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة بعد أن حاولت تحدي الحظر المفروض على قيادة المرأة في السعودية، على حد قول ناشط سابق في وحدة دي ريد".
وفي عام 2018، وقبل أسابيع قليلة من صدور مرسوم ملكي سمح للنساء السعوديات بالقيادة بشكل قانوني للمرة الأولى، اعتقلت قوات الأمن الإماراتية "الهذلول" التي كانت تدرس أبوظبي، وتم وضعها في طائرة خاصة عائدة إلى بلدها الأم.
وجدير بالذكر هنا أن "لجين الهذلول" سبق اعتقالاها من قبل الحكومة السعودية قبل ثلاثة أعوام بعد محاولتها القيادة عبر الحدود، وتم سجنها لمدة 73 يومًا.
وقال "وليد الهذلول"، الذي يعيش في كندا، لـ"رويترز": "من المخيب للآمال أن نرى الأمريكيين يستغلون المهارات التي تعلموها في الولايات المتحدة لمساعدة هذا النظام. إنهم يعملون مثل المرتزقة".
ثالثا، تضمنت قمة "مبادرة مستقبل الاستثمار" السعودية في أكتوبر/تشرين الأول مجموعة من كبار رجال الأعمال الأمريكيين الذين كانوا قد قاطعوا الحدث قبل عام واحد فقط في أعقاب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي". ومع ذلك، كما ذكرت "واشنطن بوست"، عاد "كبار المسؤولين التنفيذيين من الشركات الكبرى، بما في ذلك جولدمان ساكس وجي بي مورجان تشيس وسيتي جروب وبلاك روك"، إلى الرياض هذا العام، حيث صاغ العديد منهم قرارهم بالمشاركة مرة أخرى "كجهد لتعزيز التغيير في المملكة".
ولا تعرف حقيقة ما هو التغيير المقصود به هنا. وهل المقصود أن العالم عليه أن يغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في السعودية، فقط لأن ولي العهد بدأ في إقامة الحفلات الموسيقية ومباريات المصارعة ودور السينما في المملكة.
الجانب الخطأ
لكن ما يعرفه الجميع بوضوح اليوم أن أولئك الذين يواصلون الترويج لـ"بن سلمان" كمصلح خليجي كبير، بينما يغضون الطرف عن قمعه المتعمق ويتجاهلون محنة "الهذلول" وغيرها من النساء السعوديات الشجاعات، يقفون على الجانب الخطأ من التاريخ. وليس لدي أدنى شك في أن الديمقراطية ستأتي إلى كل أرجاء الشرق الأوسط، سواء كانت دولًا حليفة للولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات وقطر، أو أعداء للولايات المتحدة مثل إيران وسوريا، وسوف تأتي من الأسفل إلى الأعلى، وليس من من الأعلى إلى الأسفل.
وقالت "سارة ليا ويتسن"، من هيومن رايتس ووتش، لصحيفة "نيويورك تايمز"، في وقت سابق من هذا العام: "الشعب السعودي مدين بدين ضخم للجين الهذلول. إنها تذكير قوي بأن النساء والشباب كانوا في طليعة جميع الإصلاحات والثورات في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وهي أيضًا دليل حي على أن الديكتاتوريين والمستبدين، مثل محمد بن سلمان قد يقَابلون بأذرع مفتوحة في أروقة الحكومات الغربية، لكن رعاياهم في الوطن لن يرضخوا دائمًا لاستبدادهم".
وفي أكتوبر/تشرين الأول، قدمت لجنة "نوبل" جائزة نوبل السلام لعام 2019 إلى رئيس الوزراء الإثيوبي المثير للجدل "أبي أحمد". وفي وقت سابق من هذا الشهر، كرمت مجلة "تايم" الناشطة في مجال التغير المناخي "جريتا تونبرج"، البالغة من العمر 16 عامًا، بأنها "شخصية العام".
واسمحوا لي هذا الأسبوع أن أضيف اسمًا خاصًا بي لقوائم شخصية العام. فبالنسبة لي، فإن "لجين الهذلول" هي رمز السلام والعدالة لهذا العام. ولا ينبغي أن ينسى العالم محنتها مع اقترابنا من مطلع عام 2020.
ارسال التعليق