مسلسل "أم هارون" والسردية الصهيونية
بقلم: حسن البراري / كاتب من الأردن
في مطلع العام 2002 اتصلت معي البروفيسورة إيما ميرفي (Emma Murphy) من بريطانيا وطلبت مني أن أجري مراجعة نقدية لكتاب كان قد نشره الباحث الإسرائيلي نيسيم رجوان، وحمل الكتاب العنوان التالي: مكان إسرائيل في الشرق الأوسط.
وبالفعل قدمت قراءة نقدية للكتاب نشرت في مجلة السياسة المتوسطية (Mediterranean Politics) في العام 2003. ما شدني أكثر في الكتاب أن الباحث الإسرائيلي يتحدث عن أن أفضل فترة عاشها اليهود كانت في بلاد العرب والمسلمين.
وتأتي هذه النتيجة مغايرة لمحاولة الحركة الصهيونية ترسيخ فكرة أن هناك مشكلة يهودية الأمر الذي احتج عليه عبدالوهاب المسيري عندما قال بأن المشكلة اليهودية هي غربية وأوروبية على وجه التحديد.
طبعا هناك سياق تاريخي للحركة الصهيونية يمكن فهمه من خلال التمعن بالتحدي الكبير الذي شكله عصر التنوير على المثقفين اليهود الذي ذهب بعضهم باتجاه فكرة الانصهار ومنهم ثيودور هيرتسل نفسه (الذي غير رأيه بعد محاكمة درايفوس) ومنهم من أعلى من قيمة الغيتو الثقافي.
لكن هذا السياق كان غائبا عن المنطقة العربية لأنه باختصار لم تكن هناك مشكلة يهودية قائمة على معاداة السامية كما كان الحال في قارة أوروبا، بل على العكس من ذلك عاش اليهود فترات ازدهار في المغرب وتحت حكم العرب في الأندلس وفي العراق وغيرها ولم يعانوا من محاكم التفتيش التي كانت سائدة في إسبانيا بعد إخراج العرب منها على سبيل المثال.
لا ينكر العرب أن اليهود كانوا موجودين في اليمن وفي منطقة الخليج وفي العراق وسورية والمغرب العربي ومصر. طبعا هذا لا يعني أننا نسلم بالسردية الصهيونية التي تتحدث عن اضطهاد اليهود في البلدان العربية ما أفضى إلى تهجيرهم، وما قامت به الحركة الصهيونية لتهجيرهم من البلدان العربية موثق.
وعليه لا يضير أن تعكس الدراما العربية الوجود اليهودي في المنطقة، لكن هناك فرق بين إنتاج دراما تاريخية لاستحضار الماضي بحلوه ومره وبين إنتاج دراما تهدف إلى تعبيد الطريق لتعاون مع دولة عربية ودولة احتلال وبخاصة بعد أن رافق بث المسلسل سيل من الشتائم لكل ما هو فلسطيني ووصل الحد بأحد الإعلاميين الخليجيين أن طالب نتنياهو بحرق الفلسطينيين.
يرى الكثيرون أن مسلسل «أم هارون» يأتي في سياق التطبيع مع دولة تحتل كل فلسطين، وهناك من يرى أن إنتاج المسلسل يأتي برعاية رسمية لدول قامت بإعادة تعريف مصادر التهديد ولم تعد ترى بإسرائيل عدواً.
ربما غاب عن بال بعض العرب أن إسرائيل تحاول ترسيخ رواية تاريخية تبين أن حقهم في فلسطين هو سابق للفلسطينيين، وفي بداية الثمانينيات أسست إسرائيل قسما في وزارة الخارجية باسم «هزبراه» كان الهدف منه العمل خارج إسرائيل من أجل كسب أصدقاء جدد لإسرائيل واستقطاب مؤيدين لها لنشر سرديتها الصهيونية الرسمية.
صحيح أن هناك صراعا على الأرض وهو ما نشهده يوميا، لكن الصراع الشرس يدور حول من هو صاحب السردية المهيمنة.
إسرائيل لا تعترف بأنها أجرت تطهيرا عرقيا بحق الفلسطينيين وأن هذا الطرد جاء وفقا لخطة موضوعة مسبقا (تسمى بالأدبيات العبرية بـ «تُخنيت داليت»). في الوقت ذاته تدعي إسرائيل بأن اليهود أخرجوا من البلدان العربية رغما عنهم بعد أن لحق بهم ما لحق من اضطهاد عربي واسلامي.
مع هذا يأتي مسلسل «أم هارون» ليقدم خدمة للصهيونية عندما يعرض «أم هارون» اليهودية التي عانت من اضطهاد ومضايقات بسبب ديانتها اليهودية وفقا للمسلسل. وهذا بدوره يمثل اختراقا صهيونيا لجدار الوعي عند بعض العرب، ولسان حال الإسرائيليين: مع مثل هؤلاء الأعداء من يحتاج إلى أصدقاء.
ارسال التعليق