مسورة العوامية ومخططات التهجير..
ازدادت في الآونة الأخيرة ممارسات السلطات السعودية التي تثير الريبة والتوجس تجاه منطقة العوامية وأهلها، فمن المضايقات الدائمة للأهالي والتشدد في التعاطي معهم واعتقال الشبان لأتفه الأسباب مرورا بالتضييق الذي يشمل مختلف جوانب الحياة، وصولا اليوم إلى قطع الخدمات من مياه وكهرباء وإغلاق المراكز الصحية وغيرها من الخدمات في حي المسورة في بلدة العوامية شرق المملكة.
وما يهمنا في هذا المجال تناول آخر المستجدات بخصوص "مسورة العوامية" حيث بدأت القضية تكبر كـ"كرة الثلج" دون أن تلقى أي اهتمام رسمي لمعالجتها من جذورها، حيث بدأت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تتناقل المعلومات والمشاهد عن معاناة أهالي المسورة جراء توقف الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة إليهم بسبب رفضهم إخلاء منازلهم، ورفض الأهالي له دوافعه العديدة التي لا تبدأ بتفاصيل عدم أتباع الأسس القانونية الضرورية للتعويض عليهم بالشكل المناسب بدلا عن استملاك الدولة للعقارات ولا تنتهي بالحفاظ على بيوت وأرض الآباء والأجداد مع ما لها من قيمة معنوية، وأدبية، وثقافية، وتاريخية.
ماذا ينتظر المسورة ومن ثم العوامية؟!
فما الذي يجري فعلا في مسورة العوامية؟ وما الخلفيات الحقيقية للموضوع؟ هل الأمر محض تنمية وإنماء للمنطقة وتشييد أبنية جديدة وحديثة مكانها كما تقول السلطة أم أن له خلفيات أخرى؟ وهل باتت المسألة مع السلطة تشكل حساسيات دائمة عند أي تحرك تقوم به وصولا لإعطاء الصبغ الأمنية على كل ممارساتها؟ هل للأمر أية أبعاد أمنية فعلا وهل له علاقة بالتضييق على أبناء العوامية؟ هل الهدف إنزال العقاب الجماعي بأبناء مسورة العوامية؟ ولماذا تعمد السلطة للقيام بذلك؟ ولماذا لا تحاول إنصاف هؤلاء الناس بدل التجني عليهم وإخراجهم من منازلهم بهذه الطريقة؟ وهل القضاء على الأرث التاريخي والحضاري للمنطقة هو فقط يمثل إضرارا بأبناء المنطقة؟ أليس في الأمر إضرارا بإرث الدولة ككل؟ وهل للأمر أية أبعاد سياسية أو دينية؟ وهل يمكن توقع حصول أعمال أمنية بعد كل ما يجري اليوم من قطع للخدمات(كهرباء، ماء..) في المسورة أم أن السلطة ستغير في طريقة تعاطيها؟ والى أين تسير الأمور في مسألة مسورة العوامية بشكل خاص والعوامية بشكل عام؟
حول كل ذلك أوضح عضو المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان عادل السعيد أن "الجهات المعنية في السعودية قامت بتثمين الملكيات الواقعة في المسورة ومحيطها قبل فترة كمقدمة لنزع هذه الملكيات"، وتابع "لكن التثمين شهد تفاوتا كبيرا في مبالغ التعويضات فبعضها اعتبر مقبولا في حين أن عددا كبيرا من أصحاب المنازل تم تثمين منازلهم بشكل مجحف لا يفي بتوفير منازل بديلة لهم في البلدة"، ولفت إلى أن "تكلفة بناء منزل جديد يقارب المليونين ريال سعودي وفي المقابل أن الكثير من أصحاب المنازل تم تثمين منازلهم بأقل من هذا المبلغ بكثير وجزء منهم تم تثمين منازلهم بأقل من مليون ريال"، وأكد أن "كل ذلك يتعارض كليا مع الفقرات 15، 16 و17 من المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية المتعلقة بعملية الإخلاء والترحيل بدافع التنمية والتي قدمها المقرر الخاص المعني بالإسكان اللائق إلى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة".
للتنمية شروط.. وللتهجير؟!
وأشار السعيد في حديث خاص لصحيفة "خبير" إلى أن "المبادئ المذكورة أعلاه تؤكد أنه يتعين على الدول أن تكفل المساواة بين المرأة والرجل في الحماية من عمليات الإخلاء القسري وفي التمتع بحق الإنسان في السكن اللائق وضمان الحيازة كما جاء في المبادئ التوجيهية"، ولفت إلى أن "لجميع الأشخاص والمجتمعات المحلية الحق في إعادة التوطين ويشمل هذا الحق في أرض بديلة تفوق أو تضاهي من حيث نوعيتها تلك التي أخُذت منهم وفي سكن يجب أن تتوافر فيه معايير اللياقة التالية: سهولة الوصول إليه والقدرة على تحمل تكلفته وصلاحيته للسكن وضمان حيازته وملاءمته من الناحية الثقافية وصلاحيته للإيجار وتيسر الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم"، مؤكدا أنه "يتعين على الدولة أن تكفل توفر سبل إنصاف قانونية أو سبل إنصاف أخرى ملائمة وفعالة لأي شخص يدعي أنه تم انتهاك حقه في الحماية من الإخلاء القسري أو أنه مهدد بالتعرض لذلك الانتهاك".
وقال السعيد إن "الإعلام الرسمي السعودي اعترف بشكل واضح بأن ملاحقة المطلوبين هو أحد أسباب نزع ملكيات منازل المسورة باعتبارها ملجأ لهم بحسب رأيهم"، وتابع "يبدو أن شعارات التنمية المرفوعة هي مجرد غطاء فقط لأنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن المشاريع التنموية المراد تنفيذها"، متسائلاً "أي مشروع تنمية هذا الذي سيقوم على تشريد عوائل وحرمانها من حق السكن اللائق؟"، مذكرا أن "السلطة وعدت الناس بإعطائهم أراضٍ بديلة عن منازلهم غير التعويضات في تقرير نشر في جريدة الرياض السعودية بتاريخ 2 يوليو 2014 م ولكنها الآن تتنصل من الوفاء بذلك الوعد".
وكانت جريدة الرياض في عددها المذكور أعلاه قد نقلت عن "عضو المجلس البلدي بمحافظة القطيف(سابقا) والمشرف الهندسي على مشروع المسورة" المهندس نبيه البراهيم قوله: إن "مشروعا تنمويا مشرقا أعد لبلدة العوامية ما سيؤدي إلى نزع ملكيات 404 وحدة سكنية وأراض فضاء في مسورة العوامية على أن البدائل موجودة على هيئة أراض بديلة .. وتمت توصيات منها إقرار مبدأ (التعويض+ أرض+ قرض) بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى..".
انتقام السلطة.. والتنمية الموعودة
من جهة ثانية، شدد السعيد على أن "التضييق على أبناء العوامية نابع من سياسة الانتقام التي تنتهجها السلطة مع كل من يمتلك وجهة نظر تختلف عن رأيها سواء كان شخص أو منطقة"، وأكد أن "بعض الكتاب المحسوبين على السلطة هددوا أكثر من مرة بما أسموه مسح العوامية بعد إخراج أهلها"، وهنا يطرح السؤال البديهي: هل هذه هي التنمية التي يوعد بها أهل المسورة بشكل خاص وأهل العوامية بشكل عام؟ بالتأكيد أن مثل هذه الأسئلة تبقى برهن القيادة والسلطة السعودية والتي يجدر بها تقديم الأجوبة المناسبة عليها قبل تشريد عوائل المسورة وغيرها من الأحياء.
وفي هذا السياق، قال السعيد إن "حي المسورة ليس هو الحي الوحيد الذي تسعى السلطة لنزع الملكيات فيه بما يظهر للجميع أن المقصد هو تهجير جزء من سكان البلدة"، وتابع "وإلا كيف تعتمد السلطة سياسة إجبار الناس والتضييق عليهم قبل توفر الخيار البديل لهم في البلدة"، وأضاف "لا شك بأن إجبار أصحاب المنازل على إخلاء منازلهم بشكل قسري مع عدم توفر السكن البديل هو عقاب جماعي واستهتار كبير وعدم مبالة بالناس من أجل دفعهم للخروج من البلدة بحثا عن أي بديل يلوح لهم مهما كان طبيعته".
وحول حماية التراث والأماكن التاريخية، قال السعيد إن "سجل السعودية في مجال الاهتمام بالتراث والأماكن التاريخية حافل بالسواد كما هو الحال مع سجلها في مجال الحريات"، وذكر أنه "خلال الدورة ٣٣ في مجلس حقوق الإنسان التي عقدت في الفترة من ١٣ إلى ٣٠ سبتمبر ٢٠١٦ نشرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في ١٦سبتمبر ٢٠١٦، تقريرا بعنوان (التدمير المتعمد للتراث الثقافي) وأدانت فيه دور السعودية ما يبدو أنه تدمير منهجي في المملكة السعودية للمساجد والمقابر والمزارات الدينية والمنازل والأماكن ذات القيمة الدينية والتاريخية والثقافية التي تُعتبر غير متوافقة مع التفسير الوهابي الحالي للإسلام".
وختم السعيد كلامه بالتأكيد أنه "لا توجد أي إشارة بأن السلطة السعودية تنوي القيام باستدارة عن مسارها الأمني مما يجعل كل الاحتمالات السيئة ممكنة خصوصا بأن هناك أنباء شبه مؤكدة تشير بأن محافظ القطيف خالد الصفيان قام قبل فترة بتهديد مجموعة من الشخصيات بالخيارات الأمنية الدموية على خلفية موضوع حي المسورة"، وفي هذا السياق بدأ عدد من أهالي المسورة يفترشون الأرض وينظمون الإضرابات اليومية احتجاجا على مخططات السلطة بهدم قريتهم، فهل تجد كل هذه التحركات الآذان الصاغية من قبل المسؤولين السعوديين لا سيما من يطلق الرؤى التنموية والتطويرية لأعوام قادمة؟!
بقلم : مالك ظاهر
ارسال التعليق