مشروع نيوم: فشلٌ مُرتقب
بقلم: ناصر البقشي...
أعلن محمد بن سلمان عام 2017 عن رؤيته لبلاد الحرمين الشريفين لعام 2030، وكان مشروع “نيوم” بمثابة “درّة تاج” رؤيته اياها. “نيوم” التي تعني “جديد”، مدينة مستقبلية “غير تقليدية”، تغطي مساحة 26500 كيلومتر مربع تقع على ساحل البحر الأحمر.
تضم المدينة المزعومة أراضٍ من الأردن، وتغطي أيضًا جزءًا من منطقة سيناء المصرية التي استأجرتها الحكومة السعودية من مصر مقابل رسوم تبلغ حوالي 10 مليارات دولار. وتصل تكلفة نيوم لنصف ترليون دولار، وأما التقديرات التي يرجحها مختصون هي ترليون دولار وأكثر. من أجل إنشاء مدينة خالية من انبعاثات الكربون، كواحدة من أهم أهدافها المزعومة للترويج لها في الغرب، ولكن للمفارقة فإن بناء المشروع سينتج 1.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل 4 سنوات من انبعاثات الكربون في بريطانيا.
تضم ” ذا لاين”، المدينة الخطية، ومدينة أوكساجون وهي مدينة صناعية تقع على البحر الأحمر بالقرب من قناة السويس التي يمر عبرها 13% من التجارة العالمية، و”تروجينا” وجهة سياحية على مدار العام تضم منحدرًا للتزلج وركوب الدراجات الجبلية.
خطوات متهالكة:
بحسب مصادر خاصة لموقع “ما وراء نيوم” أن الأعمال الإنشائية في مشروع “ذا لاين” توقفت بسبب عدم توفر التمويل اللازم له، وهذا بالتوازي مع توقف العمل في مشروع نيوم تماما بسبب العجز في توفير النفقات والدعم، وأكدت المصادر ذاتها أن محمد بن سلمان أمر بعدم تناول أخبار مشروع نيوم في الإعلام والتركيز فقط عن علاقات المملكة الخارجية خاصة المتعلقة بإيران.
كما كشف موقع بلومبرغ في تحقيق له، كيف أن عدداً كبيراً من الذين عملوا في المشروع انتهوا إلى نتيجة مفادها أنه أقرب إلى الخيال وفضلوا الاستقالة من مناصبهم والعودة إلى بلادهم. ونقلت الوكالة الأمريكية عن أحد المدراء في نيوم قوله: “دهشت بعض الشيء لما سمعت أن الأمير مهتم جداً بالخرافات العلمية، لكنّ كثيراً من الناس يهتمون بها أيضاً، ومن مختلف القناعات السياسية”، لكن ليس الجميع متهوّرين، ولا الجميع يسعون جاهدا بأغبى الطرق لتنظيف سمعتهم للخارج.
وبحسب تقرير آخر لوكالة “بلومبيرغ”، فقد استمرت الاحتياطات الأجنبية للسعودية بالتراجع لأكثر من 16 مليار دولار في يوليو الماضي، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2009، على خلفية تغيير أولويات الاستثمار من جانب أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم.
بحسب تحقيق لـ”بلومبيرغ” أنه وطبقاً لما يقوله أكثر من 25 من العاملين الحاليين والسابقين في المشروع تم إجراء مقابلات معهم، وبناءً كذلك على 2700 صفحة من الوثائق الداخلية “لم يزل هذا المشروع يمنى بالعديد من الانتكاسات، كثير منها ناجم عن صعوبة تنفيذ أفكار محمد بن سلمان الفخمة والمتغيرة باستمرار، وكذلك من صعوبة مواجهة الأمير، الذي لا يتردد عن سجن العديد من أفراد عائلته عندما يخبرونه بأنه لا يمكن تحقيق رغباته”.
دفع مقابل البيانات:
بحسب تقرير لتوم بورتر نشره موقع “بيزنس إنسايدر” بأن وراء مشورع نيوم الغريب، الذي وضعه محمد بن سلمان: “حقيقة أكثر قتامة بكثير، حيث عزز علاقاته مع الزعيم الصيني شي جين بينغ الذي وافق على توفير تكنولوجيا مراقبة قوية”.
حيث سيتم جمع البيانات من الهواتف الذكية للسكان ومنازلهم وكاميرات التعرف على الوجه ومجموعة من أجهزة الاستشعار الأخرى، وهي عملية مسح للبيانات يُروّج لها على أنها تغذي المعلومات إلى المدينة وتساعدها على التنبؤ باحتياجات المستخدمين.
خبراء الحقوق الرقمية قالوا إن سجل حقوق الإنسان السيئ في البلاد لا يبشر بالخير فيما يتعلق بالاستخدام المسؤول للبيانات أو حماية الخصوصية الفردية .
وقالت خبيرة قانونية أنه: “يبدو الأمر وكأنه كارثةُ خصوصية في انتظار الحدوث. إن إضافة الأموال كحافز فكرة رهيبة؛ فهي تشوه حق الناس في الموافقة بحرية، وتطبيع ممارسة بيع البيانات الشخصية من أجل الربح”.
وتتمثل الفكرة في ربط الأشخاص والأشياء قدر الإمكان والتخلص من متاعب الحياة اليومية، وتوفير الوقت والطاقة الثمينين، وضمان مستوى عالٍ من صيانة الخدمة وإمكانية الوصول إليها.
ويقول جوزيف برادلي، رئيس قطاع التكنولوجيا والرقمنة في المشروع، إن نيوم ستستفيد من أكثر من 90% من البيانات “لتغيير الطريقة التي يعمل بها الناس ويعيشون ويلعبون”، هذا والنسبة المُعتمدة بالعادة في هكذا مشاريع تكون لا تتجاوز الـ 10% من البيانات.
هذا وأدت جرائم “السعودية” المتمادية إلى فرار البعض من أن يكون لهم صلة في مشاريع محمد بن سلمان. حيث كانت قضية خاشقجي كافية لدفع المهندس المعماري البريطاني اللورد نورمان فوستر إلى الانسحاب من المجلس الاستشاري لـ”نيوم”، على الرغم من أنه وقّع لاحقًا عقدًا لبناء مطار في مكان آخر بالمملكة. وتشير العديد من التقارير إلى أن العديد من الشخصيات البارزة في المجلس الاستشاري لـ”نيوم” غادروا بعد حادثة قتل جمال خاشقجي، كما زعزعت حادثة مقتل عبد الإله الحويطي، الذي كان قد رفض التهجير من منطقته لصالح بناء هذا المشروع، استقرار الشركات العالمية التي كان مقررا استثمارها في المشروع.
كلا ليست أراضٍ مهجورة، لها سكانها الأصليون:
تسعى “السعودية” عبر المقاطع الترويجية للمشروع إلى إظهار أن المنطقة التي سيُقام عليها “نيوم”، البالغة أكثر من ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، هي أرض “عذراء”. محاولين خلق انطباع كاذب بأنها غير مأهولة بالسكان. أما واقع الحال غير ذلك، فللمنطقة سكان أصليون حتى قبل احتلال الجزيرة العربية من قبل محتلوها الأوائل.
والقبيلة الأبرز بها هي قبيلة الحويطات التي قدمت دماء أبنائها رفضاً للتهجير، ممن رفعوا صوتهم مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي أداة لإيصاله، علما منهم أن الحاكمين بأمر الجزيرة العربية لا يفقهون لغة الإعتراض والتفاوض.
“أنا ما أشوف عندي أكبر شي، أن أخرج من أرضي وديرتي. وكلّ ما بعدها هيّن، سجن، حتى القتل… قول الحق “يعوّر” “ هذا أبرز ما قاله “عبد الرحمن الحويطي”، الضحية الأولى لمشروع “نيوم”، في فيديو نشره على موقع تويتر. الحق “يعوّر”، ولكن عند آل سعود فهو “يعدم”.
قبيلة الحويطات البالغ عدد أفرادها ما يقارب العشرين ألف نسمة، قدمت إلى جانب عبد الرحيم، ثلاثة من أبنائها، حيث نفذت “السعودية” حكم الإعدام بحق 3 أشخاص من أبناء القبيلة في 2 أكتوبر/تشرين، وهم الشاذلي وابراهيم وعطا الله الحويطي.
كما وحُكم على كل من عبد الله وعبد الإله الحويطي في أغسطس 2022 بالسجن 50 عامًا.
مع الكشف عن تفاصيل المشروع الترويجي لولي العهد في نيوم، والمكان المقرر إقامته فيه، بدأ أهالي الحويطات في تدشين أوسمة على منصات التواصل الاجتماعي يناشدون فيها “الحكومة” بعدم إخراجهم من ديارهم. ولكن بنو سعود يتظاهرون كأن القبيلة غير موجودة.
وحين نفذوا جريمتهم بقتل عبد الحليم الحويطي، أصدروا بيانا زعموا فيه أنه من بادر لإطلاق الرصاص على قواتهم، وأنهم وجدوا في منزله أسلحة، لكي يعززوا روايتهم بتصوير هذه القبيلة بالصورة التي تخدم قمعهم.
هذا وتقول القبيلة، في لقاءات جرت معها، أن المنازل دمرت، وحصل هناك انقطاعا للكهرباء بشكل عشوائي، وحدثت حرائق بشكل مفاجئ لم تمكنوا من معرفة أسبابها. كما تعرض أصحاب عمل من أفراد القبيلة لضغوط لجعل الحياة صعبة على القبيلة. إن آل سعود لن يتوانوا باستخدام أي من أساليبهم المعتادة.
كما وصل الامر بآل سعود بهذه القضية حد اختطاف طفل كان قد كتب على جدار منزله “لن نتحرك”، يذكرنا خوفهم حتى من الأطفال بجيرانهم بنو صهيون، أمثالهم ممن لا يعشقون لغة العنف لحل مشاكلهم وإسكات المتجرئين من أصحاب الحقوق.
تاريخ السعودية بالمشاريع الطموحة:
يشمل تاريخ “السعوية” المتقلب بالمشاريع المبالغ فيها مدينة “الملك عبد الله” الاقتصادية، وهو مشروع ضخم يضم ست مدن جديدة أطلقه عبد الله بن عبد العزيز، في عام 2005، والذي كان يهدف إلى تحويل المملكة إلى واحدة من أكبر الاستثمارات في العالم. وكان من المفترض أن يدشن “مركز الملك عبد الله المالي” أولى مراحله في عام 2016، إلا أنها تأجلت بسبب أزمة أسعار النفط عام 2014، ليعلن موقع “مشاريع السعودية” الحكومي في يوليو 2017 بأن المركز المالي معروض للبيع بعد تعثر الشركة المشرفة على المشروع وتفاقم مشاكلها المالية مع المقاولين.
و”مبادرة الغاز السعودية”، التي جُمّدت بسبب تصاعد الخلافات بين الأطراف المشاركة على نسب وعوائد الاستثمار. وفي نوفمبر عام 2016، أوقف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في السعودية، برئاسة محمد بن سلمان، التعاقد على تنفيذ مشاريع تصل قيمتها إلى 266.6 مليار دولار، لأن حجم الإنفاق عليها “لا يتناسب مع العائد الاقتصادي والتنموي المرجو منها”، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (واس).
ارسال التعليق