مصر.. ومناورات «الذئب السعودي» في تركيا
انطلقت في العاصمة التركية أنقرة فعاليات تدريب عسكري مشترك، جمعت عناصر من القوات البرية السعودية ونظيرتها التركية، تحت اسم “ذئب الصحراء”. المناورات السعودية التركية هي الأولى هذا العام، والخامسة على مدى الـ 15 شهرًا الماضية، وهنا يجب قراءة تنامي التعاون العسكري السعودي التركي في ضوء المتغيرات في الساحة الإقليمية، التي هي ليست بعيدة عن مصر، في ظل التجاذب بين أنقرة والقاهرة.
المناورات السعودية التركية
قبل كل شيء تأتي التدريبات السعودية التركية في إطار تنامي العلاقات التركية السعودية والتي تعززت بشكل متسارع مؤخرًا، في ظل تطابق مواقف البلدين من عدد من القضايا الإقليمية والدولية، مع الأخذ بالاعتبار أن القاهرة لا تحمل هذا التطابق في وجهات النظر مع كلٍ من الرياض وأنقرة في العديد من الملفات الإقليمية، وهو الأمر الذي يجعل من متابعة التعاون العسكري بين السعودية وتركيا أمرًا مهمًّا، بما في ذلك عملية التدريب المشتركة الأخيرة بينهما، والتي انطلقت في تركيا 10 إبريل الجاري، حيث تشارك فيها عناصر من القوات البرية الملكية السعودية وأخرى من القوات البرية التركية.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” عن الملحق العسكري بسفارة السعودية في تركيا، العميد الركن خالد بن حسين العساف، أن “هذا التمرين يأتي ضمن التعاون العسكري الذي يشهده البلدان الشقيقان المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية، وهو مخطط له ومجدول؛ بهدف رفع قدرات ضباط وضباط الصف للطرفين بالقوات البرية في مجال القيادة والسيطرة”.
وفي سياق متصل شهد عام 2016 أربع مناورات عسكرية مشتركة، حيث شاركت القوات الجوية السعودية في تمرين “النور 2016” في قاعدة قونيا العسكرية وسط تركيا في يونيو الماضي، وجاء هذا التمرين بعد نحو أسبوعين من اختتام تمريني “نسر الأناضول”، وإفيس 2016، اللذين أجريا في تركيا، في مايو الماضي، بمشاركة سعودية، كذلك شاركت تركيا في مناورات “رعد الشمال”، التي تمت في شمالي السعودية، بين 27 فبراير و11 مارس 2016 بمشاركة قوات من 20 دولة.
مصر والتدريبات السعودية التركية
في الآونة الأخيرة مرت العلاقات المصرية السعودية بحالة من المد والجزر، حالة المد في العلاقات كانت واضحة بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين، وتسلم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وقتها دعم الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، نظام مصر الجديد سياسيًّا وماديًّا، في الوقت الذي أدرج فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب المصرية.
وفي حالات الجزر وجدنا أن كلًّا من القاهرة والرياض تباينت مواقفهما في سوريا وليبيا وحتى اليمن؛ نتيجة دعم الرياض للنفوذ الإخواني فيه عبر حزب الإصلاح، والتي تعبر عن السياسية الجديدة للملك السعودي الحالي، سلمان بن عبد العزيز.
وبين المد والجزر لا يمكن أن نغفل الطرف التركي كأحد المحددات للعلاقة التي تربط بين القاهرة والرياض، فكثيرًا ما لجأت المملكة السعودية لأنقرة لمناكفة القاهرة عند وقوع أي خلاف بينهما، فعندما وقع خلاف بين القاهرة والرياض في 9 أكتوبر من العام الماضي، إثر تصويت مصر لصالح القرار الروسي حول حلب، الأمر الذي وصفته الرياض والدوحة بالموجع، قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في 13 أكتوبر 2016، بالإعلان عن زيارة قريبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للسعودية، وهو ما حدث بالفعل في منتصف شهر فبراير الماضي.
وفي الوقت الذي قطعت فيه الرياض إمداداتها النفطية عن القاهرة، قام ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، بزيارة لأنقرة، وبحث مع وزير دفاعها تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين.
هذا وتشهد العلاقات التركية السعودية “نقلة نوعية” منذ تولي أردوغان الرئاسة، والملك سلمان حكم المملكة في 23 يناير 2015، وتوجت تلك النقلة النوعية بتوقيع أنقرة والرياض على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي في إبريل 2016.
كما عقدت الدورة الأولى من مجلس التنسيق التركي السعودي في العاصمة التركية أنقرة يومي 7 و8 فبراير الماضي، برئاسة وزيري الخارجية التركي ونظيره السعودي عادل الجبير، لتكون انطلاقة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين نحو آفاق أرحب وعلاقات أقوى.
ومن هنا فإن مراهنة القاهرة على علاقة استراتيجية مع الرياض والمبنية على البعد الاقتصادي والمصالح المادية فقط أمر غير مفهوم، فمن الناحية العملية السعودية تعزز علاقاتها مع تركيا، سواء كانت العسكرية أو حتى اقتصادية، وهو الأمر الذي ينعكس بالسلب على القاهرة، فتركيا وصفت السيسي عبر أردوغان بأنه انقلابي وليس له علاقة بالديمقراطية، كما أن أنقرة داعمة أساسية لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، والتي يسعى النظام المصري الحالي لتقويض تحركاتها، وهنا نجد بأن البرجماتية السعودية عدّلت كثيرًا من موقفها تجاه الإخوان، فبعد العداوة السعودية لهذه الجماعة، بدأت بتكوين تحالفات معهم، سواء في اليمن أو سوريا أو ليبيا أو تركيا أو حتى في السودان، وهنا يجب إقحام قطر كدولة راعية لجماعة الإخوان المسلمين، فالأجندة السعودية التركية القطرية موحدة في الأزمة السورية، وتختلف تمامًا عن الأجندة المصرية، وبالتالي مصر غير قادرة على تحقيق أمنها القومي في سوريا على سبيل المثال في حال قرارها التماهي مع الأجندة السعودية، وهنا لا تستطيع القاهرة فرض أجندتها على السعودية وتركيا وقطر حتى في أبسط الأمور، فبمجرد أن حاولت مصر الزج باسم قطر في تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية، رفض مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسه السعودية هذا الزج، ووجهوا حينها الانتقادات لمصر، وبما أن التدريبات بين الرياض وأنقرة عسكرية، فهنا على القاهرة الالتفات إلى أن الأجندة السعودية والتركية والقطرية تسعى للإطاحة بالجيش العربي السوري، الذي هو من المفترض جيش مصر الأول، مع الأخذ بالاعتبار أن الجيش المصري هو آخر الجيوش العربية المتبقية بعد تدمير العراقي واستنزاف السوري.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق