مطار جدة.. تعددت الأسبابُ والخدمة سيئة!
ليست المرة الأولى وحتماً لن تكون الأخيرة التي يعاني فيها الركاب القادمون إلى الصالة الجنوبية بمطار جدة من (كآبة المنظر) خلال المواسم، لاضطرارهم للانتظار ساعات قبل استلامهم حقائبهم!؛ وسط فوضى عارمة، وسيستمر الوضع المؤسف على ما هو عليه ما لم تبادر الأجهزة المعنية بتشغيل المطار إلى اتخاذ إجراءات (جادة وعملية) لحل مشكلة تكدّس ركاب الرحلات المتتالية الوصول للصالة في مواسم السفر؛ بسبب تأخُّر خروج أمتعتهم.
ومما يزيد من استياء الركاب القادمين، تلك التصريحات المستفزة التي كان آخرها قبل أيام، حينما وصف مدير العلاقات العامة بالمطار، الحركة فيه بأنها (انسيابية)!، ولو كنت في موقع مسؤولية لما ترددت في لفت نظره لأن تصريحه هو بمثابة استخفاف بمعاناة الركاب، ومحاولة غير موفقة لتجميل وضع غير حضاري ولا مقبول؛ يشاهده ويلمسه ويعاني منه معظم المسافرين القادمين لمطارنا؛ وأنا أحدهم، ممن شهدوا في صالة استلام العفش، (وعثاء السفر).
لذلك لم أفاجأ عند عودتي من سفر قبل أيام باستمرار تدنّي مستوى الخدمات في المطار لأن الفوضى الموسمية بمطارنا صارت (تقليداً) سنوياً لم تُفلِح معه كل المطالبات التي يعبّر عنها المسافرون القادمون، ويكتب عنها الإعلام المقروء، وتنشرها وسائل التواصل، في إقناع هيئة الطيران المدني وإدارة مطار جدة بضرورة وضع حد لمشاكله المتكررة، وفي مقدمتها تأخير وصول الحقائب من الطائرات، وسوء مناولتها وضياع بعضها، وتعطل السيور، وعدم كفاية العمال، وقِلّة عدد عربات العفش، وارتفاع درجة حرارة الصالة، ومحدودية الكراسي فيها، وقد شاهدت العديد من القادمين المرضى وكبار السن والأطفال والسيدات الحوامل وهم يفترشون الأرض أو يجلسون على بعض الحقائب المتكدسة؛ انتظاراً لحقائبهم!.
وبدون الخوض في المزيد من التفاصيل المهمة، كان لافتاً غياب أي مسؤول من إدارة المطار أو هيئة الطيران المدني في منطقة استلام العفش خلال تلك المعمعة؛ وعندما بحثت عن أي مسؤول في الصالة لأنقل له معاناتنا كركّاب مرهقين من مشقة الرحلة، أجابني بعض موظفي الجمرك أن المسؤولين يتواجدون (عادةً) خارج صالة الأمتعة!، وتحديدا في الصالة المؤدية لخارج المطار؛ أي بعد استلام الركاب حقائبهم المتأخرة، والانتهاء من تفتيشها، وعبورهم المنطقة الجمركية!، ولعل هذا يفسر جانباً من أسباب تلك الفوضى العارمة التي جعلت المكان (خارج التغطية الإشرافية) وأشبه ما يكون بسوق الحراج وليس أحد المنافذ الرئيسية التي تستقبل القادمين لمطار جدة من مختلف الجنسيات عبر أحد أهم المطارات؛ ليس في المملكة فقط بل وفي المنطقة.
ورغم إدراكنا أن معالي رئيس الطيران المدني الكابتن عبدالحكيم التميمي قد تسلّم منصبه مؤخراً؛ إذ تم تعيينه قبل ثلاثة أشهر إلّا أنه بالتأكيد على اطلاع كامل بطبيعة تلك التحدِيات ومقدار الفوضى الموسمية المتجذّرة في المطار، لأن معاليه كان مساعداً لرئيس الهيئة. الوضع السابق يطرح عدداً من علامات الاستفهام حول (لغز) عدم الاستعداد المبكّر والكافي لمواسم الحج وإجازات الصيف والربيع والأعياد، لاسيما أن رئيس (الهيئة) أشار في تصريحه الأخير المنشور الأسبوع الماضي إلى إنشاء وحدة ترتبط به إدارياً لمراقبة جودة خدمات المطار وزيادة التنسيق بين الجهات التشغيلية، وفي تقديري فإن ذلك الحل هو أشبه ما يكون بالمُسكّن الهادف لامتصاص استياء الركاب لأن وضع حد لتدني الخدمات في مطارنا يتطلّب عملاً ميدانياً مكثفاً وليس لجاناً مكتبية (ناعمة).
والأكيد أن الدولة لم تبخل على هيئة الطيران المدني بالاعتمادات المالية، لذلك يبرز سؤال كبير عن عدم مبادرة مسؤولي (الهيئة) المتعاقبين -في السنوات الأخيرة على الأقل- بالتفكير في حل هذه الأزمات المتكررة بشكل جذري؛ بإنشاء صالة جديدة (مؤقتة)؛ باستخدام تقنيات البناء السريعة ذات الهياكل الفولاذية، الأقل كلفة من المباني الخرسانية التقليدية؛ خصوصاً بعد تكرّر الإعلان عن تأخير بدء تشغيل المطار الجديد، ولاسيما أن الهيئة (مليئة ماليا)، إذ أنفقت وستنفق الكثير من مخصصاتها لنقل مقرها الرئيسي من جدة إلى الرياض، رغم عدم وجود مبرر قوي لذلك النقل!، الذي سيكلف المليارات؛ شاملةً قيمة بناء المقر الجديد، ونقل بنيته التحتية وتجهيزاته الفنية، ومصاريف تأثيثه، وتكاليف انتقال الموظفين.
وقد يقول قائل إن مشاكل المطار الحالي ستختفي بعد تشغيل المطار الجديد، وهذا ما نأمله، ولكن هل يتعين على ملايين المسافرين القادمين لمطارنا الانتظار 9 أشهر أخرى لحين افتتاح المطار الجديد في بداية شهر رمضان القادم؟!، ثم مَنْ سيضمن لنا الالتزام بالموعد الجديد؟!، خصوصا وقد سبقته مواعيد عديدة سابقة؛ لم يتم الوفاء بها، ومن جانب آخر، فإن وضع مطارنا هو بمثابة نموذج واضح على ضعف أجهزة الرقابة الداخلية والعامة، وتدني محاسبة المقصرين، لذلك لا نستغرب تقاعس بعض المسؤولين عن التعاطي مع العديد من التحديات التنموية التي أدّى التأخير في معالجتها إلى تفاقمها، وإعطاء صورة سلبية عن بلادنا؛ كان بمقدورنا تلافيها بحلول بسيطة وغير مكلّفة كثيراً!.
ختاماً، من المهم أيضاً العمل على معالجة بعض المنغّصات الأخرى التي يعاني منها الركاب القادمون، ومنها قيام برج المراقبة بتوجيه طائرات شركات الطيران السعودية القادمة، للوقوف في مواقف الطائرات بالصالة الشمالية؛ وهي المخصصة لخطوط الطيران الأجنبية!، التي تبعد أكثر من 10 كيلومترات عن مواقف الصالة الجنوبية، وهو ما يزيد من الوقت الذي تستغرقه رحلات الباصات التي تنقل الركاب من الطائرة إلى صالة القدوم، بالإضافة لتأخير وصول عربات العفش، وكذلك عدم فتح الأبواب الخلفية في الطائرات في الكثير من الرحلات القادمة، والاكتفاء بفتح الأبواب الأمامية وهو ما يزيد من وقت بقاء المسافرين في الطائرة بعد توقفها. أخيراً نعلم أن طاقة مرافق المطار الحالي تعجز عن استيعاب تنامي حركة السفر وعدد المسافرين، ولكن ذلك دليل تقصير لا عُذر تبرير!.
بقلم : غسان بادكوك
ارسال التعليق